الاستثمار الرياضي في مصر بيئة خصبة لحصد المال وتنمية القطاع

بدأت خارطة الرياضة في مصر تتغير بشكل ملحوظ منذ أن أقر البرلمان قانونا جديدا للقطاع يفتح الباب أمام المستثمرين للتوسع في القطاع وفقا لضوابط تشجع على إنشاء شركات مساهمة ستحفز العديد من رجال الأعمال على تدشين أندية خاصة بهم أو الاستحواذ على أخرى تابعة لجهات حكومية أو مملوكة لشركات خاصة.
القاهرة - يتعامل رجال الأعمال في مصر مع مسألة تواجدهم ضمن رؤساء مجالس إدارات الأندية الرياضية المحلية باعتبارها مقدمة لدعم استثماراتهم في القطاع، خاصة بعد التحسينات التشريعية الأخيرة التي تشكل منعطفا مهما لهذا المجال.
ويستفيد هؤلاء من الزخم الحكومي لتحسين البنية التحتية والقانونية لإقامة المشاريع الرياضية كجزء من الطفرة التنموية في مجالات أخرى ترتبط بالإنشاء والتعمير في المناطق المأهولة بالسكان والمدن الجديدة.
وأعلن رئيس نادي سموحة السابق، محمد فرج عامر، قبل أيام تأسيس ناد جديد يملكه مع مجموعة مستثمرين أجانب يحمل اسم “سانتوريتي”، لافتا إلى أن النادي جاهز للإشهار فور التقدم بأوراقه إلى وزارة الشباب والرياضة وهيئة سوق المال.
وبدأ رجال الأعمال ينشطون كثيرا في مجال العقارات لإطلاق أندية خاصة بهم مثل نادي زد الذي يملكه رجل الأعمال نجيب ساويرس وعدد من المستثمرين، ونادي أف.سي فيوتشر الذي استحوذ على نادي كوكاكولا الصاعد حديثًا إلى الدوري المصري الممتاز، ويملكه عدد من رجال الأعمال المنتمين إلى حزب مستقبل وطن، صاحب الأغلبية في البرلمان حاليا.
تجربة رائدة

محمد فضل الله: ثمة قواسم مشتركة بين رجال الأعمال لإنشاء كيانات تخدم الرياضة
شجعت تجربة نادي بيراميدز التي أسسها رئيس هيئة الترفيه السعودية الأمير تركي آل الشيخ الكثير من المستثمرين والمطورين العقاريين على الدخول في الاستثمار الرياضي لأنها حققت دعاية كبيرة للمنشآت العمرانية التي يقومون بتشييدها.
وبالإضافة إلى ذلك توظيف خبراتهم في المجالات الإنشائية لتطوير عدد من الأندية الصغيرة واستغلال تواجدها في مناطق مأهولة لدمجها ببعض المشروعات التجارية على أسوارها.
وتحقق الأندية الرياضة مكاسب عدة لرجال الأعمال، إذ أن التواجد في بؤرة اهتمامات جمهور مشجعي كرة القدم يضمن شهرة لا يستطيعون تحقيقها عبر انخراطهم في العمل الاقتصادي أو السياسي نتيجة عدم ارتياح الحكومة لتواجدهم على رأس الأحزاب أو لغياب شعبية البرلمان الذي يجري النظر إليه كمؤسسة لا تقوم بأدوارها ودائما يكون تحت الانتقادات.
ويوفّر فسح المجال أمام قطاع جديد، لا يشهد منافسة قوية من جانب القطاع الخاص في ظل استمرار الحضور القوي للأندية الحكومية، مساحات استثمارية غير مأهولة وبحاجة إلى دخول المزيد من الأموال التي قد تواجه فرصُ تحقيقها أرباحا كبيرة مقارنة بمجالات أخرى انحسارا وتأثرا بالأوضاع الاقتصادية العامة.
ويتفق خبراء الاستثمار على أن مصر تمتلك جملة من المقومات التي تدعم نجاح الاستثمار الرياضي على رأسها البنية التحتية على مستوى المنشآت، والتي يشكل ترديها على نحو كبير بيئة خصبة لإمكانية ضخ المزيد من رؤوس الأموال فيها وتطويرها.
تسهيلات وإغراءات مادية

محمد الطويلة: لا يزال أمامنا الكثير حتى نطور هذه السوق على النحو الأمثل
قدمت الحكومة نموذجا لجذب رجال الأعمال للمشاركة في تحسين البنية التحتية الرياضية وأسست شركة استادات التي تتولى تطوير عدد من الأندية الحكومية ومراكز الشباب في المحافظات.
ومن المتوقع أن تعيد افتتاح 15 ناديا منها مطلع العام المقبل تحت اسم سيتي كلوب، بجانب نموذج قدمته وزارة الشباب والرياضة عبر تطوير عدد من مراكز الشباب ونجاحها في تحقيق مكاسب.
وحسب ما ذهب إليه مركز رع للدراسات الاستراتيجية في دراسة نُشرت مؤخرا بعنوان “هل تنجح تجربة شركات المساهمة الرياضية في مصر”، فإن معظم شركات المساهمة الرياضية حققت أداء اقتصاديا جيدا بفعل توفر البيئة الملائمة لجني الأرباح عبر عقود الرعاية والإعلانات ومبيعات اللاعبين.
وأوضح التقرير أن تلك الشركات تستطيع التسويق وتحقيق الأرباح من مصادر متنوعة، منها استغلال مواقعها الرسمية عبر الشبكات الاجتماعية بنشر إعلانات مصورة لمنتجات الشركات الراعية لها من أجل التسويق لهذه المنتجات.
وتتم هذه العملية بطريقة مباشرة من خلال تصوير إعلان لترويج أحد منتجات الشركات الراعية أو عبر استغلال منتجات الشركات أثناء ظهور فريقها في أي حدث سواء داخل الملعب أو خارجه، وهو ما يرفع من قيمتها في سوق التجارة الرياضية.
ويعد قيام الشركات المساهمة بطرح جزء من أسهمها في البورصة أحد حلول المشكلات التي تواجه بعضها جراء ضعف الموارد، لأنها تدعم تحويل شركات كرة القدم إلى كيانات ربحية، بدلاً من اعتمادها على الدعم الحكومي.
هذا علاوة على اهتمام الإدارات الخاصة بتحسين عمل وكفاءة النادي من خلال تحسين جودة الأداء وتطوير العمل الإداري بجلب الكوادر البشرية المتخصصة كل في مجاله، وكذلك ستكون الأجهزة الفنية والإدارية تحت عدة معايير إدارية وفنية بحتة.
وتمثل السوق المحلية بيئة واعدة للاستثمار في هذا المجال، بسبب التزايد المستمر في الطلب علي الرياضة بأنشطتها المختلفة، وتؤكد ذلك بعض المؤشرات المتمثلة في الإقبال على الاشتراكات في الأندية الكبيرة، وتزايد إنفاق الأسرة على إلحاق أبنائها بأكاديميات كرة القدم.
وتعد النجاحات التي حققها عدد من اللاعبين المحترفين في الخارج، وعلى رأسهم نجم فريق ليفربول الإنجليزي محمد صلاح، أحد أسباب اتجاه رؤوس الأموال إلى القطاع الرياضي، وكرة القدم بشكل خاص، لتلبية رغبات المواطنين الذين بدوا أكثر حرصا على إلحاق الأبناء بالنشاطات المختلفة، خاصة التي حققت نجاحات عالمية وتجذب الكثير من اللاعبين المحليين للدوريات الأوروبية.
الرياضة والعمران

يمثل الاستثمار الرياضي 2.7 في المئة من إجمالي الاستثمارات في القطاعات المختلفة و8 في المئة من الاستثمار في قطاع السياحة الذي ترتبط عوائده بقطاع الرياضة.
كما يشكل 25 في المئة من حجم الاستثمار الرياضي في العالم العربي، وهي أرقام تشير إلى أن المجال مفتوح أمام المزيد من المشروعات التي تجذب رجال الأعمال.
وأكد خبير اللوائح والقوانين الرياضية الدولية محمد فضل الله أن التنمية العمرانية في قطاعات مختلفة تجذب رجال الأعمال نحو الاستثمارات الرياضية التي دائما ما تكون مرتبطة بمجالات صناعية.
2.7
في المئة هو حجم الاستثمار الرياضي من إجمالي الاستثمارات في القطاعات المختلفة
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن “هناك قواسم مشتركة بين رجال الأعمال في أكثر من مجال لتأسيس شركات تخدم صناعة الرياضة، مثل الملابس والأدوات الرياضية وصناعة الدعاية والإعلان، ما يسهم في الزيادة المباشرة للإنتاج في تلك الصناعات”.
ووضع وزير الرياضة أشرف صبحي قبل أيام حجر الأساس لنادي رولان غاروس مصر، ويملكه عدد من رجال الأعمال بالتعاون مع رولان غاروس الفرنسية للتنس في العاصمة الإدارية الجديدة في شرق القاهرة.
ويؤكد فضل الله أن الأندية الرياضية تلعب دورا أساسيا في تسويق أنشطتها عن طريق مجموعة من الخدمات، مثل الاشتراكات في المؤسسات الخاصة للرياضة والترفيه الرياضي وحقوق البث الإذاعي والتلفزيوني، وتجني أرباحا طائلة من عمليات بيع اللاعبين في ظل عدم وجود قواعد منظمة لقواعد اللعب النظيف التي تضمن استقرار أسواق البيع والشراء.
وأشار إلى أن مصر ما زالت تتلمس طريقها نحو الانفتاح على الاستثمارات الرياضية، وأن التجربة الحالية بحاجة إلى تعديلات على مستوى تأسيس روابط مستقلة للأندية بعيداً عن هيمنة الحكومة التي قد تشكل عاملا سلبيا لنمو الاستثمارات، وتقديم تسهيلات لمنح الرخص وضمانات للمستثمرين بهدف جذب أكبر قدر منهم.
وتسببت الضغوط التي مارسها رجال الأعمال الساعون لدخول السوق في إدخال تعديلات تضمن تسويق المشاريع الرياضية على نحو أكبر.
تجربة نادي بيراميدز شجعت الكثير من المستثمرين والمطورين العقاريين على الدخول في الاستثمار الرياضي لأنها حققت دعاية كبيرة للمنشآت العمرانية التي يقومون بتشييدها
ومن بين تلك المطالب استحداث رابطة لأندية المحترفين وتحسين جودة بث مباريات كرة القدم تمهيداً لتسويق حقوق الدوري المصري على نطاق واسع والاستفادة من تلك العوائد وعودة الجماهير إلى ملاعب كرة القدم مرة أخرى ولو بشكل مبدئي.
ويقول مالك ومؤسس نادي نجوم المستقبل محمد الطويلة لـ”العرب” إن “شغف الجمهور بكرة القدم التي أضحت تستحوذ على القدر الأكبر من اهتمامه يجعل الاستثمار في الرياضة مضمون الربح”.
لكنه ذكر أن “الأزمة تكمن في أننا في سوق عشوائية لا تجد فيها اللوائح والقوانين طريقها إلى التنفيذ على نحو كبير، وبالتالي لا توجد قواعد منطقية لعملية العرض والطلب وفقا للقواعد والقوانين الدولية”.
وأشار إلى أن رجال الأعمال لم يصلوا بعد إلى مرحلة الاستثمار في اللاعبين خارج المستطيل الأخضر، وهناك رؤى قاصرة تتجاهل التطورات الرقمية الهائلة.
وأضاف “ما زالت الحلقة مفقودة بين رجال الأعمال المحليين والخبراء في الاستثمار الرياضي في العالم، ما يؤدي إلى تعثر بعض المشاريع التي لا تجد سبيلا لتسويق لاعبيها على النحو الأمثل”.