الاختلافات بين الذكور والإناث ترسخ أنماط اجتماعية غير واقعية

الشجاعة والإقدام وكتمان المشاعر والجرأة وعشق الرياضة وغيرها الكثير من الصفات الشخصية اقترنت بوجود الرجل، مثلما اقترنت صفات أخرى بشخصية المرأة مثل؛ النميمة ورهافة الحس وعشق التسوق. هذا ما يبدو عليه الأمر في نظر البعض الذين وضعوا أشكالاً وصوراً نمطية سائدة للاختلافات بين الجنسين فأصبحت مسلمات قلما يختلف عليها أحد، حتى أهل الاختصاص الذين نذروا أبحاثهم ودراساتهم النفسية لمجاراة هذه التصنيفات وتبريرها.
خرجت دراسة أميركية حديثة بنتائج مثيرة كسرت النظرة النمطية للاختلافات بين الجنسين وأقرت بأن الرجل والمرأة يشتركان في صفات شخصية كثيرة ربما تتجاوز هذه الاختلافات.
وعزا متخصصون وجود هذه الاختلافات النمطية التي سادت فترة طويلة جداً، إلى ميل الناس إلى التركيز على عدد قليل من الاختلافات في حين أهملوا العديد من أوجه التشابه حتى وإن كانت بسيطة. وانتقت الدراسة التي تبناها باحثون في جامعة ولاية أيوا الأميركية، الخصائص الشخصية لمئة شخص شاركوا في دراسات مسبقة في هذا الخصوص من مجموع آلاف من المشاركين.
ووجدت بأن الرجل والمرأة يتشاركان في أكثر من 75 بالمئة من الخصائص النفسية، وكانت نسبة المشاركين في هذه السمات من أفراد العينة أكثر من 80 بالمئة، ومن ضمن قائمة الخصائص المشتركة بين الجنسين كان مستوى تحمل الإجهاد والقلق النفسي، إضافة إلى الاستعداد لخوض المخاطر.
الاختلافات بين الجنسين التي ارتبطت بالمعايير الجسدية والمورثات الجينية لا يمكن التغاضي عنها
من ناحية أخرى، كشفت الدراسة عن بعض الاختلافات الشخصية بين الجنسين والتي ارتبطت بالمعايير الجسدية والمورثات الجينية التي لا يمكن التغاضي عنها، حيث ثبت بأن الرجال أكثر عدوانية فيما أظهرت النساء حساسية مفرطة للألم الجسدي والنفسي.
وتطرق الدكتور كريزان إلى سمة العدوانية في شخصية الرجل، حيث يتم تصنيفه –في العادة- باعتباره أكثر عدوانية من المرأة بسبب بعض المسلمات. فإذا كان النظر إلى أن الغالبية العظمى من نزلاء السجون هم من الرجال داعماً لهذه النظرية، فإن هذا النوع من التقديرات يعتبر مضللاً إذا كان هذا هو المقياس الوحيد المتبع في عملية المقارنة في طبيعة ومستوى وشدة العدوانية بين الجنسين، وهذا الأمر يصح عند عقد المقارنة مع بقية السمات المتباينة الأخرى.
ويرى متخصصون بأن هذه الطريقة في المقارنة تعد قاصرة إذا ما علمنا بأن عدد الاختلافات يمكن أن يكون كبيرا، إلا أن المفاضلة في هذه الاختلافات قد لا تكون بهذا الحجم الذي يتصوره البعض.
عمل بعض الرجال في مهن تم تصنيفها مجتمعياً على أنها مهن «أنثوية»، يتيح لهم التمتع بفوائد كسر التقاليد
ولعل أفضل طريقة للتوصل إلى معايير مقنعة هو رصد هذه السمات عن طريق الأدوار الاجتماعية المختلفة التي يلعبها الرجل والمرأة، التي تدفعهم إلى تبني سلوكات معينة وفقاً لطبيعة هذه الأدوار وليس انصياعاً للفروقات الجنسية.
وفقاً لذلك، تلعب الأدوار الاجتماعية دوراً مهماً في تحديد طريقة تعبير البعض عن مشاعرهم وردود أفعالهم بصرف النظر عن جنسهم، في حين تقوم الصورة النمطية المسبقة ببقية المهمة، وترى الدكتورة كرستينا براون، أستاذة علم النفس التنموي في جامعة كنتاكي الأميركية، بأن التمييز بين الجنسين يبدأ من مرحلة الطفولة المبكرة وبعدها مرحلة ما قبل المدرسة، حيث يعمد المشرفون على المدارس إلى تأطير أسماء الإناث في قوائم التسجيل باللون الزهري والذكور باللون الأزرق، وهكذا تبدأ القوالب النمطية في محاصرة الأطفال منذ نعومة أظفارهم فلا تترك لهم خياراً واحداً لخرق هذه القاعدة التي تصبح من المسلمات.
وفي دراسة حديثة لجامعة أوهايو، وجدت عالمة النفس سامانتا موريس بأن عمل بعض الرجال في مهن تم تصنيفها مجتمعياً على أنها مهن “أنثوية”، مثل التمريض والتدريس في حضانات الأطفال، قد يتيح لهم التمتع بفوائد كسر هذه التقاليد ليوصفوا من قبل رؤسائهم بأنهم أكثر كفاءة ومهارة في عملهم كما أنهم أقل عدوانية، حيث يحصل الرجال في هذا النوع من المهن على تقييم أكثر إنصافاً من زملائهم الذين يعملون في المهن “الرجالية”، في الوقت الذي لا تحصل فيه النساء على تقييم منصف في حالة وصولهن إلى مناصب قيادية في العمل أو كما تصفها الصورة النمطية بـ”المناصب الرجالية”، إضافة إلى أنها قد تكون في دائرة الضوء وعرضة بصورة أكبر لانتقاد الرقيب، في حين أن ارتكابها للأخطاء المتعارف عليها في العمل، قد لا يرجعه الآخرون إلى قلة كفاءتها بل أن التهمة في هذه الحالة ستوجه مباشرة إلى كونها أنثى، اقتحمت مجتمع الذكور بطريق الخطأ.