الاتحاد والغناء خارج البيت

الواقع الثقافي العربي يخبرنا بحكاية أخرى تختلف في جميع تفاصيلها الدموية والتنموية والاقتصادية -لا سيما بعد الربيع وسطوة السوشيال ميديا- عن حكاية الاتحاد.
الأربعاء 2018/10/31
خارج الإيقاع (لوحة: ضياء الزاوي)

لا أعرف إن كان يدرك أعضاء اتحاد الأدباء والكتاب العرب المجتمعون في القاهرة بشكل استثنائي خلال الفترة من 22 إلى 27 من أكتوبر أنهم خارج الإيقاع، وبأنهم بعيدون عن دائر الاهتمام الجماهيري المشغول بقضاياه اليومية والبسيطة دون أي اكتراث بما ستؤول إليه أمور اتحادات الكتاب العرب.

هذه اللامبالاة ليست محصورة في المواطن العربي البسيط “الطفران”، بل تتعدّاه إلى الكتاب أنفسهم. فماذا يعني أن يجتمع أعضاء الاتحاد في القاهرة أو الرياض، وماذا سيتغيّر من واقعنا اليومي لو لم يجتمعوا؟

هذا السؤال يؤرق بالفعل، إذ يقدم لنا أرضية لأسئلة أكثر أهمية متعلقة بقيمة الكاتب العربي نفسه في هذا العصر. فمن الأكيد أن الكاتب العربي لم يعد بذلك الوهج الذي كان عليه إبان الثورات العربية في القرن الماضي، حيث كان جزءا من التغيير ومن صناعة القرار، أما الآن، فهو مجرد أباجورة معلّقة مثل رجل القش الذي يستخدم كفزاعة بيد السلطات، ومن يعتقد بأنه لا يزال في نفس السياق السابق فعليه أن يعيد قراءته للواقع الثقافي العربي جيدا، وعليه أيضا أن يتفهم طبيعة المتغيرات التكنولوجية المتسارعة التي انعكست على سيكولوجية الجماهير واهتمامها، هذه الجماهير القادرة على دفع من تريد للأمام أو تغييب من تريد للقاع، تحت اشتراطات لم يعد يعيها أو يفهم أبجدياتها -بحكم أعمار معظمهم- ديناصورات اتحاد الكتاب العرب.

ولو تجاوزنا كل ذلك، وعصرنا ليمونة حامضة على رؤوسنا، وتوقفنا معهم في مؤتمرهم الاستثنائي لنستشرف أهم ما خرجوا به من توصيات، فإننا سنقف على أمرين أساسيين لا ثالث لهما، الأول رغبتهم في مقابلة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتقديم اقتراحاتهم إليه (وقد اعتذر بسبب ظروف سفره)، والثاني مأسسة الاتحاد ووضع أسس جديدة لإدارته.

أمران صريحان وواضحان شبيهان بجملتين كاشفتين عن مصير الاتحاد حيال مأسسته لخطاب الدول العربية الرسمية، فما إن يدخل الاتحاد في شكله المؤسساتي إلا ويصبح شكلا من أشكال الخطاب الصحافي المكّرس لمالكيه، بحيث تصبح جميع إمكانياته وعلاقاته ومواقفه حيال القضايا العربية والعالمية والإنسانية محكومة بموقف المؤسسات الراعية والداعمة له. ولحظتها من اللامعقول أن نتوقع خطابا غير متساوق مع الخطابات المجيّرة لخدمة السرديات التقليدية التي لا تنفك عن غزل علاقتها مع بعضها البعض وفق قاعدة كرة الطائرة (لاعب يرفع وآخر يكبس). وساعتها سيصبح الكاتب مجرد أداة تتحرّك حسب المنافع والاحتياجات.

لقد دارت في القاهرة خمسة اجتماعات طويلة وصفها بيان الاتحاد بأنها كانت فارقة وأنها ستسهم في تعديلات النظام الأساسي ولائحته التنفيذية، حيث وعد البيان بأن النظام الجديد سيتيح للاتحاد أن يحلق في فضاءات جديدة تنطلق من رحابة اللغة إلى تغيير الواقع، وذلك -حسب البيان- من أجل تحقيق مستهدفات ثقافية وطنية نبيلة، ومطالب فكرية قادرة على رتق النسيج الثقافي العربي بخيوطه المتباينة كافة، في لحمة واحدة، حيث يدّعي النظام الأساسي الجديد أنه عالج الكثير من العوار الذي كان يتخلل النظام القديم، وأغلق الباب أمام التلاعب بنصوصه بسبب غموض هنا أو نقص هناك، أو ترهّل في الصياغة في الكثير من المواضع.

هذا هو هدف سبعة عشر اتحادا ورابطة وأسرة وجمعية ونقابة عربية للكتاب والأدباء الأعضاء في الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وهو هدف نبيل وأصيل، لكنه خارج البيت العربي، ويتغنى بالحلم، فالواقع الثقافي العربي يخبرنا بحكاية أخرى تختلف في جميع تفاصيلها الدموية والتنموية والاقتصادية -لا سيما بعد الربيع وسطوة السوشيال ميديا- عن حكاية الاتحاد.

14