الإمارات تتحول إلى مركز دولي لحماية التراث

عام على إنشاء هيئة أبوظبي للتراث.. تواصل لمسيرة تناقل الموروث بين الأجيال.
الخميس 2025/01/23
ترسيخ قيم الهوية

باتت دولة الإمارات من أبرز مراكز التراث العالمي، وذلك عبر مسارين؛ يقوم الأول على تثمين التراث المحلي وحمايته ودعمه وضمان استمراريته، وينبني الثاني على دعم التراث العربي وحتى العالمي، من خلال التظاهرات والتمويل وغير ذلك، فصارت بالتالي في جوهر الجهود الدولية للحفاظ على التراث البشري، وذلك يأتي من التوجه الرسمي للدولة وليس مجرد نشاطات ثانوية.

بحلول شهر يناير الجاري يكون قد مضى عام على صدور قرار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، بصفته حاكماً لإمارة أبوظبي، بإنشاء “هيئة أبوظبي للتراث”، وهو القرار الذي يعكس مدى اهتمام الإمارات بالتراث وسعيها لجمعه وتوثيقه ونقله إلى الأجيال اللاحقة وتوظيفه في خدمة الخطط المتواصلة للنهوض بالدولة، وذلك وفق رؤية متأصلة ومتواصلة تقوم على المحافظة على التراث و”السنع” الإماراتي، وترسيخ قِيَم الهُويَّة الوطنية والقيم التراثية في المجتمع، ونقل ذلك التراث الثّري من جيل إلى جيل.

ووفقا لقرار الشيخ محمد بن زايد، الذي تحتفي الأوساط المعنيّة بالتراث وقضاياه بمناسبة مرور عام على صدوره هذا الشهر، فإن “هيئة أبوظبي للتراث” حلّت محل كل من “نادي تراث الإمارات” و”لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي”.

اهتمام رسمي

◙ فور إنشائها شرعت الهيئة في وضع كل الخطط الهادفة إلى حماية التراث وتوثيق الممارسات التراثية
◙ فور إنشائها شرعت الهيئة في وضع كل الخطط الهادفة إلى حماية التراث وتوثيق الممارسات التراثية

فور إنشائها شرعت الهيئة في وضع كل الخطط الهادفة إلى حماية التراث وتوثيق الممارسات التراثية، وإجراء الدراسات والبحوث المتعلِّقة بالأدب والتراث، بما يتوافق مع إستراتيجية التراث الثقافي في إمارة أبوظبي، بجانب رعاية وتعزيز وتوثيق الشِّعر بأشكاله المختلفة، سواء النبطي أو الفصيح، ومراجعة الدراسات والإصدارات الخاصة بالتاريخ الشفهي في الإمارة واللهجات المحكية فيها، ومحتوى القصائد والمواد المكتوبة والمرئية والمسموعة المرتبطة بالقيادة والوطن، إضافة إلى إدارة وتنظيم المهرجانات والمعارض والبرامج التراثية داخل الإمارة وخارجها، بالتنسيق مع الجهات المختصة.

وقد جاء إنشاء هيئة أبوظبي للتراث في إطار الرعاية الكبيرة التي توليها الإمارات للتراث والثقافة وجهود الحفاظ على التقاليد الأصيلة. وجاء قرار إنشاء الهيئة -أيضا- تأكيدا على استمرار حرص دولة الإمارات على صون تراثها ونقله إلى الأجيال المتعاقبة، ومواصلة السير على تلك القيم التي غرسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، واستلهام حكمته وفكره ونهجه في مجال إحياء التراث وحفظه وممارسته ونشر ثقافته.

ويمثل القرار امتدادا لتلك الجهود وذلك الاهتمام على المستويين الرسمي والشخصي في مجال حماية التراث وإحيائه ونقله من جيل إلى جيل، باعتباره أحد مكونات الهويّة الوطنية للإمارات. وقد أسهمت كل تلك الجهود في أن يكون للتراث الإماراتي ذلك الحضور البارز محلياً وعربياً ودولياً، وكذلك حضوره في شتى مناحي الإبداع من شعر وقصة ورواية وفنون، وحرص مُبدعي الإمارات على استلهام تراثهم الوطني في الكثير من إبداعاتهم.

◙ الإمارات تواصل مسيرة الشيخ زايد في التمسك بالأصالة وحماية التراث وفق مقولته "من ليس له ماضٍ.. ليس له حاضر"

وكان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قد وضع الأسس لاهتمام الدولة بالتراث، وكان اهتمامه بالتراث بمثابة مدرسة استمد منها قادة الإمارات إيمانهم القوي وتمسكهم بالأصالة والتراث الذي صار ركيزة أساسية في فكرهم. ولعل اهتمام حُكّام دولة الإمارات العربية المتحدة بالتراث يتجسد في المقولة الشهيرة للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والتي قال فيها “من ليس له ماضٍ.. ليس له حاضر،” حيث أوجزت تلك المقولة النهج الذي صار عليه في الاهتمام بالتراث، وهو النهج الذي جرى تكريسه في فكر حُكّام الإمارات، وفي نفوس أهلها ليسيروا عليه ويتناقلوه عبر الأجيال.

ومما يُعرف عن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بقاؤه وفيا لطبيعته البدوية، متمسكا بالموروث الإماراتي من عادات وتقاليد تراثية، وكذلك حبه للزي الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، وحرصه على ارتداء هذا الزي في كل مكان يذهب إليه داخل الدولة وخارجها، مدركاً أن هذا الزي هو جزء من الهوية الوطنية الإماراتية، وهو الأمر الذي التزم به حُكّام الإمارات من بعده.

وفي إطار المكانة التي يتمتع بها التراث في فكر حُكّام الدولة، منذ تأسيسها حتي اليوم، أولى هؤلاء اهتماما كبيرا بكل الحرف والصناعات التراثية، وحرصوا على صونها وتوثيقها وإحيائها واستمراريتها وتوفير كافة أوجه الدعم والرعاية لها، من أجل نهضتها ونقلها إلى الأجيال الجديدة، وإقامة مؤسسات تتولى توفير الرعاية لتلك الحرف والصناعات التراثية، مثل مركز الصناعات التقليدية والحرف اليدوية، والذي تأسس داخل الاتحاد النسائي العام في العاصمة أبوظبي، بجانب اهتمام دوائر الثقافة بتلك الحرف والصناعات التراثية بمختلف إمارات الدولة.

وتسجل المصادر التاريخية اهتمام الشيخ زايد وحرصه على صون العادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة وحفظها وإحيائها، وفي مقدمتها تمسكه بالتواصل مع أبناء شعبه، ومشاركتهم في الأفراح والأتراح، وحضوره المناسبات الوطنية ومشاركته أهل الإمارات في حمل السيف والزرفة في تلك المناسبات، إضافة إلى اهتمامه بتنظيم سباقات الخيل والإبل باعتبارها جزءًا أصيلا من تراث دولة الإمارات العربية المتحدة.

ويرى الإماراتيون التراث باعتباره ركناً أساسياً من أركان الهوية الوطنية وأحد عناصر قوة المجتمع وتحصينه، وقد أكد الشيخ محمد بن زايد في أكثر من مناسبة أن التراث الوطني الأصيل دائماً محل اهتمام ورعاية قيادة الدولة منذ نشأتها.

وفي هذا الإطار يؤكد الشيخ محمد بن زايد، على الدوام، أنّ صون التراث وتوجيه الجهود لإثراء الساحة المحلية بالأنشطة والأعمال التي تربط الأجيال به مطلبٌ ضروري، منوهاً بأهمية أن يظل أبناء الوطن على علاقة وطيدة وراسخة بتراثهم، فالتقدم والتغير سمة العصر وتحقيق الإنجازات والتطور يجعلنا أكثر تمسكاً بهذا الإرث الكبير.

مركز عالمي للتراث

 جهود الإمارات في مجال حماية وإحياء التراث لا تقتصر على المستوى المحلي بل تمتد لتشمل المستويين العربي والدولي
 ◙ جهود الإمارات في مجال حماية وإحياء التراث لا تقتصر على المستوى المحلي بل تمتد لتشمل المستويين العربي والدولي

لا تقتصر جهود الإمارات في مجال حماية وإحياء التراث على المستوى المحلي داخل الدولة، بل تمتد تلك الجهود على المستويين العربي والدولي. وبفضل تلك الجهود باتت دولة الإمارات لاعباً رئيسياً في التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع (ألف)، المنظمة الدولية التي تتخذ من جنيف مقرا لها، والتي انطلقت فكرة إنشائها خلال المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر، والذي انعقد بأبوظبي في ديسمبر 2016، ونتج عن هذا المؤتمر “إعلان أبوظبي”، الذي نص على إطلاق تحالف دولي جديد، وإنشاء صندوق دعم للبرامج والمشروعات الرامية إلى حماية التراث الثقافي، وكذلك على شبكة دولية من الملاجئ لصون الممتلكات الثقافية المعرضة للخطر.

كما ترتبط الإمارات بسجل تاريخي حافل من التعاون الوثيق مع اليونسكو عبر مبادرات وبرامج ترعاها الدولة بإشراف المنظمة، فقد تم تصنيف دولة الإمارات في المرتبة السادسة على قائمة أكبر الدول المانحة لمنظمة اليونسكو، بالإضافة إلى مبادراتها في مجال التعليم والثقافة والعلوم.

◙ قرار إنشاء هيئة أبوظبي للتراث يعكس اهتمام الدولة بصون الموروث وتوظيفه في ترسيخ قيم الهوية الوطنية

وهكذا واصلت الإمارات عبر عدة مؤسسات وعلى رأسها هيئة أبوظبي للتراث تقديم كل الرعاية والدعم للكثير من المهرجانات والمبادرات المعنية بصون التراث وحفظه وإحيائه، وإبقائه حياً، ونقله إلى الأجيال اللاحقة، وهي المهرجانات والمبادرات التي تتواصل حتى اليوم، وفي مقدمتها تلك المهرجانات والفعاليات المحلية والدولية التي ينظمها نادي تراث الإمارات، والتي تغطي مختلف أوجه التراث وصوره وتستقطب جمهورا غفيرا من عشاق التراث، بجانب تحولها إلى وجهة دائمة لجموع الباحثين في مجال التراث.

وقد أسهم الاهتمام والرعاية الرسميين بالتراث ودعم كافة الأنشطة المتعلقة به، وإطلاق المبادرات تلو المبادرات من أجل صونه وتوثيقه بكل صوره، في تعزيز مكانة الإمارات وموقعها كمركز عالمي للتراث، وتفرّدها بعدد من المراكز البحثية المعنية بالموروث الثقافي والشعبي، والتراث بوجه عام، مثل نادي تراث الإمارات - الذي حلّت محله هيئة أبوظبي للتراث - ومعهد الشارقة للتراث، ومركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، ومركز جمال بن حويرب للدراسات، وغير ذلك من المراكز والمؤسسات والجهات المعنية بالتراث والتي تنتشر في مختلف إمارات الدولة.

إلى جانب ذلك نجد عددا من المجلات الرائدة في مجال التراث، والتي باتت تحظى بمكانة كبيرة في هذا المجال عربيا ودوليا مثل مجلة “تراث”، ومجلة “مراود”، ومجلة "الموروث"، ومجلة “آفاق الثقافة والتراث”، ومجلة “مدارات ونقوش"، ومجلة “المقطع” التي صدرت في العام الماضي 2023 عن الأرشيف والمكتبة الوطنية.

إضافة إلى ذلك قدمت الإمارات المئات من الإصدارات التي تدور في فلك التراث الإماراتي والعربي والإنساني، وطُرق صونه وتوثيقه، وتبرُز هنا إصدارات معهد الشارقة للتراث التي تجاوزت الـ700 عنوان، بجانب إصدارات الأرشيف والمكتبة الوطنية، ومركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، ومركز أبوظبي للغة العربية، ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، وهناك أيضاً الإصدارات المتميزة التي قدمها نادي تراث الإمارات الذي حلّت محله اليوم هيئة أبوظبي للتراث.

هوية وطنية

13