"الإعلام المتقاطع" إبهار يعوزه الإبداع لاستقطاب القراء

ارتبط "كروس ميديا" في نشأته بتصنيفه وسيلة إدارية بحتة في التعامل مع المنصات الإعلامية المتعددة والصادرة عن مؤسسة واحدة، كبديل للاندماج الكامل بينها
الثلاثاء 2018/11/06
الصحافة التفاعلية هي الحل

القاهرة - تراهن صحف مصرية على تقنية “كروس ميديا” أو “الإعلام المتقاطع” لإعادة استقطاب الجمهور. والتقنية معروفة بقدراتها على الإبهار في تقديم نص صحافي ديناميكي يفاجئ القارئ بتحريك النصوص والصور رأسيا وأفقيا، والتشغيل التلقائي لمقاطع الفيديو والموسيقي التصويرية، بما ينقل الإعلام الإلكتروني إلى آفاق جديدة شبيهة بدمج جميع وسائل الإعلام مقروءة ومسموعة ومرئية في موضوع واحد.

 

اختارت مؤسسات إعلامية مصرية تقنيات صحافية حديثة، أبرزها “كروس ميديا” أو “الإعلام المتقاطع” في محاولة للخروج من كبوة انخفاض القراء عن طريق تقديم محتوى شامل يعتمد على تركيبة متشابكة بين النص والصوت والصورة والفيديو غرافيك في قصة إخبارية واحدة.

ينقل ذلك النمط مفهوم المادة الصحافية لأبعاد جديدة لتناسب العرض المتداخل والمتزامن بين الصحف والإذاعة والتليفزيون ومواقع الإنترنت وحتى الهواتف المحمولة الذكية التي يستخدمها 27 مليون مصري في الدخول إلى شبكة الإنترنت، ما يجعله في نظر الكثير من الخبراء ومديري المؤسسات الإعلامية بمصر المستقبل لبقاء مهنتهم.

وارتبط “كروس ميديا” في نشأته بتصنيفه وسيلة إدارية بحتة في التعامل مع المنصات الإعلامية المتعددة والصادرة عن مؤسسة واحدة، كبديل للاندماج الكامل بينها، ليظل كل منها تعمل بإدارة مختلفة مع اتصال داخلي من خلال منسقي الوسائط المتعددة لإنتاج مضمون نهائي يعرض بشكل متزامن على المنصات المختلفة المملوكة لجهة واحدة.

قال علاء الغطريفي، رئيس التحرير التنفيذي لمجموعة “أونا” التي تدير خمسة مواقع إخبارية ومتخصصة لـ“العرب”، إن القارئ أصبح يتسم بالطمع والملل، ما يتطلب تقديم مضامين رقمية متطورة تلبي نهمه في البحث عن المعلومات والإمتاع البصري في الوقت ذاته، والتوقعات كلها تصب لصالح المحتوى البصري، الذي سوف يسيطر على سوق البيانات في غضون سنوات قليلة.

كانت مجموعة “أونا” أول المؤسسات المصرية التي لجأت إلى “الإعلام المتقاطع” في أغسطس عام 2017 لتنشر نحو ثلاثين قصة، تعتمد على الغرافيك والفيديو والصور في إنتاج ملفات تفاعلية تتناول قضايا مختلفة بداية من مشروعات مثل العاصمة الإدارية الجديدة، أو قصص إنسانية لمرضى متعافين، أو معايشة لحال المعاقين بمدارسهم، والفقراء داخل منازلهم.

مع انتشار ذلك النمط الجديد من تقديم المحتوى، تواجه المؤسسات الصحافية بمصر مشكلة مزمنة في توفير التقنيين ممثلين في مصممين ومطورين قادرين على تحويل النص إلى مضمون متكامل يضم الصوت والصورة والأنفوغرافيك والفيديو غرافيك، والذين يستطيعون إنتاج كل قصة بطريقة مغايرة ومتميزة، إلى جانب الوقت الطويل الذي يتطلبه الإنتاج والذي قد يمتد لأسبوعين.

تعاني تجربة الإعلام المتقاطع أيضا من معضلة تتعلق بتكرار الأفكار وطريقة التقديم، فشخصيات، مثل الفنان محمد رمضان واللاعب المصري محمد صلاح أو غيرهما، يعاد تقديمها باستمرار في ملفات تفاعلية متكاملة، ما يهدم ميزة التنوع في المضامين المطروحة التي تميز تجربة لا تزال في بدايتها وتحتاج إلى التراكم الذي يثري المنافسة والتطور على الصعيدين البصري والمقروء.

تجربة الإعلام المتقاطع تعاني من معضلة تكرار الأفكار وطريقة التقديم، فشخصية محمد صلاح مثلا يعاد تقديمها باستمرار
تجربة الإعلام المتقاطع تعاني من معضلة تكرار الأفكار وطريقة التقديم، فشخصية محمد صلاح مثلا يعاد تقديمها باستمرار

وحققت ملفات “الإعلام التقاطعي” التي نشرتها الصحف المصرية نجاحا كبيرا رغم تناولها قضايا سبق طرحها، لكن العرض المغاير وصبغها بطابع إنساني منحاها اهتماما من القراء الذين أعادوا نشرها على صفحاتهم بموقع فيسبوك كقصة
“الجميلات هن القويات” التي نشرتها مجموعة “أونا” وتتناول التقلبات النفسية لشابة تدعى هبة ربيع (33 عاما) منذ إصابتها بسرطان الثدي وحتى التعافي، معرّجة على سبل الوقاية وأهمية الفحص الدوري اللازم للنساء.

وتظهر التجارب المصرية صراعا مستترا بين التصميم والفكرة، فبعض القصص عانت من ضعف شديد في الوسائل البصرية لتناولها أفكارا يصعب تنفيذها، كالتحقيق عن إصدار المأذونين الشرعيين وثائق زواج رسمية غير موثقة يزوجون عبرها القاصرات، فالطابع غير القانوني لذلك النشاط يصعب معه الحصول على صور محلية أو مقاطع فيديو لإلحاقها بالمادة التي جاءت فقيرة معتمدة على الرسوم فقط.

يرتبط الإعلام التقاطعي بالمرونة في اختصار النص ليكون أكثر تركيزا، فلا يتجاوز مع كل شريحة عرض متحركة الخمسين كلمة، ليتصادم مع التحيز الشخصي للمحررين لنصوصهم وتقديرها، وعجزهم عن استخلاص الأهمّ داخلها، أو دفاعهم عن بعض النقاط التي لا تتناسب مع المادة البصرية المعروضة وأحيانا تفقدها أهميتها.

وأوضح الغطريفي لـ“العرب”، أن التجربة لا تزال في بداياتها، فكل قصة تحمل تطويرا وأساسا للبناء عليه في المستقبل، حتى طرق العمل ذاتها تتغير باستمرار، فالأولوية أصبحت للفكرة بعدما كانت للتصميم.

تظل الأنماط الجديدة من عرض المواد الصحافية محاولات لمواجهة تراجع معدل القراءة للصحف المصرية، بشقيها الورقي والإلكتروني ما دفع مؤسسات شهيرة للإفراط في تقديم مضامين مثيرة تخاطب الغرائز رغبة في جذب قراء من الشباب، بعدما فقدت المواقع الإخبارية التي كانت الأعلى في معدلات الدخول بالمرحلة الانتقالية بمصر (2011 – 2013) مواقعها لصالح مواقع الألعاب والمنوعات والترفيه والتواصل الاجتماعي.

وإذا كان المعدل الذي يقضيه المتصفح للمادة الصحافية الإلكترونية عنصرا مهما في تصنيف المواقع الإخبارية فإن “كروس ميديا” يبدو خيارا جذابا بقدرته على الاحتفاظ بالقارئ لمدة تقترب من النصف ساعة، على عكس القصص التقليدية التي لا تتجاوز فترة قراءة الأجزاء الهامة منها خمس دقائق.

وأشار محمد شعبان، الخبير الإعلامي، إلى أن تجربة “كروس ميديا” بدأت في الصحافة الغربية بهدف إنتاج قصص صالحة للنشر بأكثر من وسيلة في الوقت ذاته، وكلمة “المتقاطع” نابعة من الاعتماد على مضمون صالح للعرض ومحرك بصري يبرزه في ما يشبه تقاطع محورين؛ أحدهما أفقي ممثلا في الجودة والعمق والثاني رأسي متجسدا في طريقة التقديم البصرية.

تستقي التجربة المصرية معالمها من الخارج بشكل كبير، فقصة “نيويورك تايمز” التي تحمل “لعبة القروش” و“المينو” (نوع أوروبي من الأسماك) وتدور حول الصراع الجيو-سياسي في بحر الصين الجنوبي، لا تزال النموذج المتبع من قبل المؤسسات المعنية بالإعلام المتقاطع في مصر، وذلك بتوظيف الخرائط وغوغل إيرث والصور، رغم نشرها قبل خمسة أعوام.

وأكد شعبان لـ“العرب”، أن المؤسسات المصرية اقتنعت أخيرا بأن مسؤوليتها تعدت إنتاج الخبر إلى جذب الجمهور لقراءته وتسويقه بما يتماشى مع التغيرات الثقافية للجمهور الذي لم يعد متلقيا سلبيا، بل المحور الأساسي لعملية الاتصال.

وتبقى المؤسسات الصحافية أمام تحدّي نجاح، مثل تلك التقنيات التي مازالت في مراحلها الأولى، وتملك مستقبلا يصعب التنبؤ بما سيؤول إليه عالم الصحافة المتطورة.

18