الإعلام التونسي في مواجهة لمنع السيطرة عليه

حركة النهضة تواجه اتهامات متزايدة بالهيمنة على المؤسسات الإعلامية.
الخميس 2021/04/22
مطلب ملح

التعيينات الأخيرة على رأس بعض المؤسسات الإعلامية العمومية والمصادرة في تونس فتحت فصلا جديدا من فصول مواجهة الأوساط الصحافية لخطط السيطرة على تلك المؤسسات، وذلك وسط اتهامات لحزب النهضة بقيادة تلك الخطط وهو ما تنفيه الحركة الإسلامية.

تونس – تشهد تونس خلال الأيام الماضية حراكا لافتا في الأوساط الصحافية في أعقاب تعيينات على رأس بعض المؤسسات الإعلامية رأت تلك الأوساط أنها مسقطة حزبيا وهو ما أفضى إلى استقالة المدير العام الجديد لوكالة الأنباء الرسمية كمال بن يونس المعين حديثا.

وترى تلك الأوساط، التي خاضت سلسلة من التحركات تمثلت في اعتصامات في العديد من المؤسسات الإعلامية على غرار إذاعة “شمس أف أم” المصادرة ووكالة الأنباء الرسمية، أن مصداقية واستقلالية مؤسساتهم باتتا على المحك خاصة في ظل المناخ العام الذي يتسم بتزايد التجاذبات السياسية، وهو ما يجعل الأطراف المتصارعة سياسيا تسعى إلى تصدير أزمتها للمنابر الإعلامية والصحافية.

ومنذ سنوات تتهم أطراف سياسية وإعلامية حركة النهضة الإسلامية التي حازت على الأغلبية في البرلمان في الانتخابات الأخيرة بمحاولة السيطرة على وسائل الإعلام وهو ما تنفيه الحركة.

وبالرغم من أن انتفاضة 14 يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي قد أسست لفترة أكثر انفتاحا على مستوى حرية التعبير إلا أن العديد من التقارير والتصريحات التي تواترت في الفترة الماضية خاصة تلك التي تلت الحركة الاحتجاجية التي عرفتها البلاد في منتصف يناير الماضي، أعادت المخاوف حول ارتدادات محتملة على تلك الحريات والحقوق إلى الواجهة عبر الاعتداء على الصحافيين، لكن أيضا عبر محاولة ترويض المؤسسات الإعلامية.

ورغم ما تحقق من منجزات في مجال الحريات فإن المواجهة، التي انحسرت مؤخرا حول التعيينات، ليست متكافئة إذ تحاول العديد من الأطراف لاسيما من الائتلاف الحكومي السيطرة على المؤسسات الإعلامية سواء الخاصة أو العمومية، وهو ما تحذر منه الهياكل المهنية في القطاع.

وكان كمال بن يونس الذي عيّنه رئيس الحكومة هشام المشيشي مديرا عاما لوكالة تونس أفريقيا للأنباء مطلع أبريل قد أعلن عن استقالته الاثنين الماضي بعد أن اتهمه الصحافيون بأنه يهدد استقلالية المؤسسة، مشدّدين على أنه مقرب جدا من النهضة التي تقود الحزام الداعم للمشيشي.

صلاح الدين الدريدي: الإعلام التونسي انخرط في اللعبة السياسية بدل لعب دوره الرقابي

النهضة على الخط

أنهى تراجع كمال بن يونس عن تولي منصب مدير عام لمؤسسة وكالة تونس أفريقيا للأنباء الاثنين تحركات يخوضها الصحافيون منذ أيام ضد تعيينه، لكنها لم تنه التساؤلات عن الأخطار المحدقة بالإعلام التونسي لاسيما تلك التي تهدد استقلاليته في ظل الصراع السياسي المحموم في البلاد الذي ترافقه اتهامات لحركة النهضة الإسلامية بالهيمنة على وسائل الإعلام.

وقال بن يونس في رسالة استقالته إنه استقال حرصا على “تجنب الانخراط في التجاذبات السياسية والتسيير الروتيني لمؤسسة إعلامية عمومية تحتاج خطة إصلاح شاملة يشارك فيها الإداريون والمختصون في التسيير الحديث والإعلاميون والخبراء بعيدا عن المزايدات”.

وفي البداية، رفض الصحافيون السماح لبن يونس، الذي اتهموه بأنه مقرب جدا من حركة النهضة الإسلامية، الدخول للوكالة قبل أن يدخلها برفقة أمنيين أقدموا على تعنيف الصحافيين، وهو ما أثار استنفار منظمات في المجتمع المدني وأحزاب نددت بالحادثة.

وندّدت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين بـ”عملية اقتحام” الوكالة، معتبرة “أن إقحام رجال الأمن في الشأن الإعلامي هو تجاوز خطير ومرفوض على الإطلاق”.

كما استنكرت منظمة مراسلون بلا حدود “توغل الشرطة في مقر الوكالة”، و”الاعتداء على الصحافيين”.

ومنذ فترة تقول الهياكل المهنية في تونس إنها تخوض معركة استقلالية لاسيما في أعقاب محاولات تعديل المرسوم 116 الذي ينظم قطاع الإعلام قادها حزب سياسي فتي مقرب من حركة النهضة الإسلامية.

وقال المحلل السياسي والصحافي التونسي محمد صالح العبيدي إن “الإعلام التونسي في مفترق طرق اليوم، كلما ازداد الصراع السياسي كلما تضاعفت محاولات الهيمنة على قطاع الإعلام من أجل توجيه الرأي العام حيث ما شاء أي طرف”.

وأضاف العبيدي في تصريح لـ”العرب”، أنه “دون أدنى شك استقلالية الإعلام التونسي مهددة اليوم أكثر من أي وقت مضى، خاصة من قبل الحزام السياسي الداعم للحكومة وفي مقدمته حركة النهضة التي تريد الهيمنة بالقوة على المؤسسات الإعلامية ورأينا دفاع العديد من قياداتها على التعيينات الأخيرة”.

وكان تشبث قيادات بارزة من النهضة على غرار الوزير الأسبق عبداللطيف المكي بالتعيينات الأخيرة على رأس المؤسسات الإعلامية، قد أثار جدلا واسعا لاسيما ما رافق ذلك من تهجّم على الصحافيين.

وقال المكي في تصريحات إذاعية إن “كمال بن يونس المعين مؤخرا على رأس وكالة تونس أفريقيا للأنباء رجل مثقف وقدم محاضرات في العديد من الأحزاب والعديد من المنظمات، ما يحدث في الوكالة أن فئة من الأشخاص (في إشارة إلى الصحافيين) كانوا اليد في اليد يعملون مع بن علي ويرون أن المناصب هي حكر عليهم وهذا غير معقول”.

وأضاف في تلميح عكس تشبثه وحزبه بالتعيين أنه “عندما يتم تعيين شخص نهضاوي (موالٍ لحركة النهضة) في منصب رئيس مدير عام في مؤسسة ما يصبح مشكلة، أي نوع من العنصرية في مثل هذه التصرفات؟”.

لكن حركة النهضة ترفض الاتهامات الموجهة إليها بالهيمنة على الإعلام حيث نفى الناطق باسمها فتحي العيادي هذه المزاعم، قائلا “نحن لم نعيّن أحدا وعندما يعيّن الأكفاء في تونس في مناصب يشيرون مباشرة بأصابع الاتهام للنهضة، النهضة لم تعيّن أحدا ورئيس الحكومة هو الذي قام بالتعيينات الأخيرة”.

وأضاف العيادي لـ”العرب”، “ما يهمّنا في حركة النهضة هو تطوير إعلامنا، وأن يصبح الأخير إعلاما مهنيا من خلال التشاور مع أصحاب هذا القطاع والعمل على تحسين ظروف عملهم بصفة عامة، لكن ما أؤكده هو أنه لا فكرة لدينا عن هذه التعيينات، وحركة النهضة ترى أن من صلاحيات رئيس الحكومة أن يتخذ القرار المناسب في هذه التعيينات”.

قنوات على ذمة النهضة

Thumbnail

إلى جانب اتهامها بالوقوف خلف التعيينات الأخيرة على رأس المؤسسات الإعلامية تواجه حركة النهضة الإسلامية اتهامات بتجنيد قنوات خاصة لحسابها على غرار قناة “الزيتونة” التي تدافع عنها الحركة بشدة.

ونجحت هيئة الاتصال السمعي البصري (الهايكا) وهي هيئة مستقلة في وقت سابق في غلق قناة نسمة لمالكها نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس قبل أن تعود إلى البث، لكن الأمر لم ينطبق على قناة الزيتونة التي تتهمها الهايكا بكونها قناة غير قانونية.

ولم يتردد رئيس الهايكا النوري اللجمي في وقت سابق في القول إن هناك جهة سياسية تدعم قناة الزيتونة لذلك لا يمكن تنفيذ قرار غلقها في إشارة صريحة إلى حركة النهضة حيث يقود هذه المحطة التلفزيونية أسامة بن سالم نجل القيادي الراحل بحركة النهضة والوزير السابق منصف بن سالم.

وكانت قناة الزيتونة قد تقدمت بطلب إسناد رخصة رفضته الهايكا معللة ذلك بما يلي “تبيّن من وثائق الملف أنّ السيد أسامة بن سالم وهو أحد المساهمين في شركة الزيتونة للإعلام والاتصال، التي يفترض أن يتمّ استغلال الإجازة في إطارها، عضو في مجلس شورى حركة النهضة وهو أمر مخالف لمقتضيات الفصل 09 من كرّاس الشروط المتعلق بإحداث واستغلال قناة تلفزيونية خاصّة”.

الهياكل المهنية تقول إنها تخوض معركة استقلالية لاسيما في أعقاب محاولات تعديل المرسوم 116 الذي ينظم قطاع الإعلام قادها حزب سياسي مقرب من النهضة

وأكد اللجمي خلال جلسة برلمانية عُقدت مؤخرا للاستماع إليه أن “دعم أحزاب سياسية تمثل الحزام السياسي للحكومة، لقنوات إذاعية وتلفزيونية مارقة عن القانون وتعمل دون ترخيص هو ما يفسّر الغياب شبه الكلّي للتفاعل بين الهيئة والحكومة ورفض الحكومة الرد على مراسلات الهيئة في هذا الخصوص”.

وأوضح أن “القنوات التلفزيونية؛ ‘نسمة’ و’حنبعل’ و’الزيتونة’ و’إذاعة القرآن الكريم’، التي تعمل جميعها خارج القانون، هي من قامت بأكبر عدد من الخروقات خلال المحطّات الانتخابية وهي منتصبة كمنصات سياسية لأحزاب بعينها في خرق واضح وفاضح للقانون”.

وفي رده على هذه الاتهامات قال فتحي العيادي، إن “قناة الزيتونة لا تحتاج إلى سند من حركة النهضة، البلاد تحتاج إلى تطبيق واحترام القانون فقط، والمطلوب من هيئات التعديل أن تسهر هي أيضا على تطبيق القانون وتعتبر كل المؤسسات الإعلامية تونسية تخدم لحساب تونس، على هذه الهيئات أن تكون حيادية في تطبيق القانون”.

وأضاف “الهايكا في حد ذاتها في حاجة إلى تطوير عملها ولعل لقاءاتها مع مجلس النواب كانت فرصة للتداول في هذه النقطة، المؤسسات الإعلامية تشتغل كلها ولا وجود لأي إشكال، عندما تتخذ تلك المؤسسات خيارا وطنيا تتهم بأنها قريبة من حركة النهضة، هذا الذي يحدث الآن وهذه مشكلة”.

وكان ائتلاف الكرامة المقرب من حركة النهضة قد قاد جهودا لتعديل المرسوم 116 الصادر سنة 2011 بغية رفع الحرج عن الزيتونة والقنوات التي تواجه شبح الإغلاق بسبب عدم حصولها على رخصة.

وفشل ائتلاف الكرامة في محاولاته الأولى في تمرير هذه التعديلات، لكن ذلك لم يثنه على المحاولة ثانية الآن حيث يحاول إثارة الملف مجددا من أجل الدفع بتلك التعديلات لمناقشتها في مجلس النواب (البرلمان).

وتنص تلك التعديلات على أنه “لا يخضع إحداث القنوات الإذاعية أو التلفزيونية الفضائية لأي ترخيص لكن على كل من يحدث قناة فضائية أن يقوم بإيداع تصريح بالوجود لدى كتابة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري مقابل وصل في ذلك، يتضمن كل المعطيات المتعلّقة باسم الشخص أو المؤسسة المالكة للقناة ومقرّها ورقم سجلّها التجاري ومعرّفها الجبائي وبقائمة في أسماء مؤسسيها ومسيريها” وهو ما رأت فيه أوساط صحافية محاولة لبعث قنوات إذاعية وتلفزيونية موالية لأحزاب سياسية.

وفي محاولة لإقناع تلك الهياكل أصر الواقفون وراء المبادرة على أنها تأتي في محاولة لتطوير القطاع الصحافي في تونس من خلال خلق المزيد من الوظائف للصحافيين الذين يشكون معدلات بطالة مرتفعة.

حرية التعبير في تراجع

بالرغم من حالة الانفتاح التي كرسها انتشار المنظمات والجمعيات الحقوقية إبان انتفاضة 2011 إلا أن ذلك لم يمنع بروز مخاوف من انهيار منظومة الحريات في تونس لاسيما حرية التعبير خاصة في ظل تواتر تقارير تشير إلى هذا الأمر.

والثلاثاء، أكد صهيب الخياطي وهو مدير مكتب شمال أفريقيا لمنظمة مراسلون بلا حدود، أن تونس تراجعت على مستوى حرية الصحافة هذا العام بمرتبة من 73 عالميا إلى 72، قائلا إن “هذا مؤشر خطير في دولة ترى أن حرية الصحافة والتعبير من أهم المكاسب التي سجلتها”.

وأضاف الخياطي في ندوة صحافية عقدتها المنظمة مع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين أن “تونس تدرجت في هذا المجال منذ سنة 2011 من المرتبة 133 آنذاك إلى 72 العام الماضي لكنها هذا العام تراجعت بمرتبة لتصبح في المرتبة 73، هذا مؤشر خطير”.

وأوضح أن “تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود حول العمل الصحافي ووسائل الإعلام في المنطقة قد ذكر في وقت سابق أن مظاهر العداء تطغى على مهنة الصحافة وأهلها في تونس، خطاب الكراهية في تنام ضد وسائل الإعلام بإيعاز واضح من اليمين المتطرف”، في إشارة واضحة إلى ائتلاف الكرامة المقرب من النهضة والذي قاد هجمات ضد الإعلام التونسي.

وقال محمد صالح العبيدي إن “هذه التصنيفات متوقعة، فنحن نتابع حملات الحزام السياسي الداعم للحكومة وخاصة المقربين من النهضة وهنا نتحدث عن ائتلاف الكرامة ضد الإعلام، هم يجاهرون بمعاداة الإعلام ويعتبرونه شريكا في مؤامرة تُحاك ضدهم لأن ذلك هو الذي منحهم الخزان الانتخابي الحالي”.

وأضاف العبيدي لـ”العرب” أن “الأوساط الصحافية وخاصة عدد محترم من الصحافيين لا يزالون يواجهون خطط الهيمنة على الإعلام وهو ما يزيد من نقمة أطراف سياسية بعينها تقود حملات تحريض على الصحافيين، وهو ما سيؤدي حتما إلى تراجع على مستوى حرية التعبير والصحافة”.

نقد ذاتي

Thumbnail

في المقابل ترى أوساط إعلامية أن إثارة مسألة تثبيت استقلالية الإعلام التونسي والمضي في هذا الإجراء يحتاجان إلى جرأة كبيرة للقيام بنقد ذاتي لاسيما في ما يتعلق ببعض الخيارات التي تم اتخاذها في مواجهة الحملات التي تستهدف الصحافيين.

ومؤخرا أعلنت نقابة الصحافيين عن مقاطعتها لرئيسة الحزب الدستوري الحر المعارض عبير موسي وهي واحدة من أبرز وجوه نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وتتبنى خطابا مناهضا للمنظومة التي أفرزتها انتفاضة 14 يناير.

وبذلك أصبحت النقابة والمنضويين تحت مظلتها يقاطعون طرفين سياسيين وهما؛ ائتلاف الكرامة القريب من النهضة ورئيسة الحزب الدستوري الحر التي اتهمتها النقابة بـ”الفاشية”.

وانتقد أستاذ الإعلام والعلاقات العامة السابق  بقسم الاتصال الجماهيري بكلية الإمارات للتكنولوجيا صلاح الدين الدريدي هذه الخيارات، قائلا “من أساسيات الإعلام في الأنظمة الديمقراطية هي مساندة المعارضة وإفساح المجال أمامها”.

وأردف في تصريح لـ”العرب” أن “الإعلام التونسي اصطف ضد الرئيس قيس سعيد، اصطف ضد المعارضة ممثلة في الحزب الدستوري الحر ورئيسته، بذلك اصطف خلف حركة النهضة، هو إعلام ضد نفسه”.

ويوضح الدريدي أن الإعلام لم يقم بدوره طيلة العشرية التي تلت انتفاضة 14 يناير 2011 كما ينبغي، قائلا “الحركة الاحتجاجية لوكالة الأنباء مثلا لم تحظ بالتغطية المطلوبة من قبل وسائل الإعلامي العمومي الأخرى وبقية الوسائل، إعلامنا تنقصه الحرفية في كافة المجالات وخاصة في مجال الإعلام السياسي”.

وتابع “هو (الإعلام) انخرط في اللعبة السياسية بدل أن يلعب دوره كسلطة رابعة يقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت ويحفز طاقاته للذود على المنوال الديمقراطي التونسي وتطويره نقدا ومتابعة وتقييما”.

Thumbnail
13