الإصلاحات الاقتصادية السعودية تثير مخاوف المستثمرين

تطرح الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي يقوم بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وآخرها اشتراط نقل الشركات الأجنبية مقارها إلى المملكة، مخاوف بشأن مستقبل الاستثمار. ويكشف الأمر عن تناقضات من حيث الرغبة في جلب المشاريع من جهة وتنفير المستثمرين من جهة أخرى.
الرياض- يتخوف المستثمرون الأجانب من حملة الإصلاحات السعودية التي قد تحمل أحيانا مؤشرات غير إيجابية بالنسبة إليهم، في ظل إشكاليات قائمة أصلا تتعلق بنمط الحياة والهجمات الإرهابية من إيران والبيروقراطية الكبيرة.
والاشتراط على الشركات الأجنبية أن يكون لها مقر إقليمي في السعودية حتى تكون مؤهلة للعقود الحكومية اعتبارا من 2024، هو حلقة ضمن سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية تستهدف تحديث المملكة المحافظة وتنويع مصادر اقتصادها المعتمد على النفط.
ويقول مراقبون إن قرار اشتراط نقل المقار يجعل الشركات الأجنبية تحت الضغوط والوصاية مما يربك خطط الاستثمار لديها، حيث يشكل القرار قيدا للحرية في وقت تتزايد فيه المخاوف أصلا من الإصلاحات المرتقبة.
ويرى خبراء أن القرار الأخير بنقل المقر الإقليمي للشركة إلى السعودية للتمتع بالعقود الحكومية، يمكن أن ينفّر المستثمرين ما يتعارض مع هدف السعودية في جلب الاستثمارات الأجنبية.
ومنذ العام 2016 نفّذ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عددا من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية فيما أرجأ البعض منها إلى وقت آخر، وقد أثارت هذه الخطط في مناسبات كثيرة مخاوف المستثمرين.
وخلال العام 2016 قلصت الحكومة السعودية سلطات الشرطة الدينية التي كانت تجوب الأماكن العامة، بإضعاف قدرتها على فرض قواعد صارمة على لباس المرأة أو إنفاذ حظر على المشروبات الكحولية والموسيقى وإغلاق الأنشطة في أوقات الصلاة والاختلاط بين الرجال والنساء في خطوة لتحريك السياحة.
وبعد ذلك أنهت الحكومة حظرا استمر 34 عاما على دور العرض السينمائي، فيما خططت لفتح أكثر من 300 دار للأفلام السينمائية بحلول 2030، حيث يندرج ذلك ضمن خطط تحديث المجتمع ودعم دوران عجلة الاقتصاد.
الإصلاحات قد تنفر المستثمرين بما يتعارض مع هدف السعودية في جلب الاستثمارات الأجنبية
وفي العام 2016 عدلت البورصة السعودية حدود الملكية المزدوجة إلى عشرة في المئة للمستثمرين من المؤسسات الأجنبية.
وفرضت السلطات قواعد جديدة للعمل تقصر وظائف محددة على المواطنين، حيث زادت حصصا مالية للشركات لتوظيف السعوديين وقامت بخفض دعم الكهرباء والماء في إطار إصلاحات مالية. وأعلنت الحكومة عن تأسيس البرنامج الوطني لدعم إدارة المشاريع في الجهات العامّة لخفض تكاليف مشروعات البنية التحتية الحكومية.
وبعد نحو عام احتجزت السعودية عددا كبيرا من الأمراء والوزراء وكبار رجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون بالرياض في حملة ضد الفساد اعتبرها معارضون مسعى لإحكام النفوذ وابتزاز منافسي ولي العهد. وتقول السلطات إنها صادرت أكثر من 100 مليار دولار من خلال تسويات مالية. وبعد ذلك فُرضت ضريبة القيمة المضافة بنسبة خمسة في المئة لتحسين توليد الإيرادات غير النفطية.
وتمت إتاحة الوصول بشكل كامل إلى (نمو) بالنسبة إلى المستثمرين الأجانب، وهي سوق موازية للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، وإقرار قانون جديد للتفليسات ينظم إجراءات مثل التسويات والتصفية.
وخفضت هيئة السوق المالية ومكتب إدارة الدين العام الرسوم والعمولات لتشجيع تعاملات الديون في السوق الثانوية وتم فرض ضريبة انتقائية على السجائر الإلكترونية والمشروبات المحلاة في مسعى لتنويع تدفقات الإيرادات. وفي محاولة لتحفيز الاستثمار خففت السعودية الحد الأقصى عند 49 في المئة للمستثمرين الاستراتيجيين الأجانب في أسهم الشركات المدرجة في بورصة تداول.
وعدلت قانون سوق رأس المال بما يسمح بتأسيس بورصة أخرى بجانب تداول وبدأت في قبول طلبات الترخيص في قطاع الصناعات العسكرية، وهو هدف رئيسي من أجل تنويع مصادر الاقتصاد بعيدا عن النفط. وقامت السعودية ببيع أسهم في شركة النفط الحكومية العملاقة أرامكو في أكبر طرح عام أولي في العالم، والذي جمع 29.4 مليار دولار.

والعام الماضي قررت الحكومة السعودية رفع ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أمثالها لتصل إلى 15 في المئة ضمن مسعى تقشفي في مواجهة هبوط أسعار النفط وجائحة كوفيد – 19 ثم خففت القيود التعاقدية للعمال الأجانب، وألغت نظام الكفالة المثير للجدل الذي استمر سبعة عقود. وأطلقت قانونا جديدا لتوسيع إطار عمل البنك المركزي ليشمل دعم النمو الاقتصادي إلى جانب الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي.
وخلال العام الجاري كشف ولي العهد السعودي عن خطط لإقرار مجموعة من مشاريع القوانين الجديدة التي تهدف إلى تعزيز كفاءة ونزاهة النظام القضائي في المملكة، في خطوة من شأنها أن تؤدي إلى نظام قانوني مدون بالكامل.
ولكن هذه الإصلاحات التي كانت في جوهرها تهدف إلى تحفيز الاقتصاد أحدثت نوعا من الريبة والمخاوف لدى المستثمرين خصوصا من إصلاحات منتظرة. وقال بعض المستثمرين لرويترز إنه حتى في ظل دعم الحكومة، فقد استغرق الأمر منهم تسعة أشهر لفتح حساب مصرفي.
كما يشكل نمط الحياة عائقا آخر بفعل إغلاق المتاجر وأماكن الترفيه في أوقات الصلاة رغم أنه تم السماح للأجانب بالحصول على المشروبات الكحولية بجميع أنواعها والتي هي محظورة في السعودية، ويخضع أولئك الذين ينتهكون القانون لعقوبة الجلد أو الترحيل أو غرامات مالية أو السجن. كما لا تتواجد في المملكة تجمعات سكنية للأجانب بأسعار عادلة نسبيا، حيث تتاح للمغتربين حمامات للسباحة ومنشآت رياضية.
وهناك عدد قليل جدا من المدارس الدولية التي تقدم منهجا دراسيا دوليا منفصلا عن منهج الحكومة وتميل مصروفاتها لأن تكون أعلى بكثير مقارنة بالمدارس الحكومية والخاصة، وهي أعلى أيضا بعض الشيء مقارنة بالمدارس في أماكن أخرى بالمنطقة. وغير مسموح بصفة عامة لأبناء المغتربين الأجانب بالعمل وتوجد بشكل عام فرص عمل أقل للأزواج في ظل مسعى “السعودة”.
كما شكلت هجمات ميليشيات جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران التي شنت هجمات متكررة بصواريخ وطائرات مسيرة نحو السعودية ضغطا على مناخ الأعمال في المملكة، حيث استهدفت أغلبها المنطقة الجنوبية من المملكة، لكنها استهدفت الرياض أيضا.
وفي 2019، أصاب هجوم غير مسبوق بصواريخ وطائرات مسيرة البنية التحتية للطاقة لعملاق النفط أرامكو السعودية وألقت الرياض بالمسؤولية على إيران، وهي تهمة نفتها طهران فضلا عن البيروقراطية وعدم سهولة تسيير الأنشطة التي تبقي خطط الاستثمار في دائرة الضغوط.
