الأمير عبدالعزيز بن سلمان قائد انقلاب صناعة النفط

وزير الطاقة السعودي بسجله الطويل يبرهن على أنه الأقدر على إدارة المعركة المنتظرة لوضع أسس جديدة لصناعة النفط العالمية.
الأحد 2020/03/22
الأمير عبدالعزيز بن سلمان يدير معركة أسعار لا تحتمل تكرار الفشل

خلال أقل من خمسة أشهر من تكليفه بحقيبة وزارة الطاقة السعودية، أصبح الأمير عبدالعزيز بن سلمان، من أكثر الشخصيات العالمية تأثيرا، خاصة بعد تزايد الحاجة إلى بوصلة جديدة لصناعة النفط العالمية، التي دخلت في متاهة مغلقة منذ عام 2014.

ويأتي الدور الكبير من موقعه في صناعة قرارات أكبر مصدر للنفط في العالم، والدولة التي تملك أكبر طاقة إنتاج إضافية، الأمر الذي يمنحها القول الفصل في تحديد اتجاه الأسواق وملامح استراتيجيات الطاقة في العقود المقبلة.

ويكتسب دور الأمير عبدالعزيز بن سلمان أهميته القصوى بعد اندلاع حرب الأسعار، التي لا تقف أسبابها عند انهيار اتفاق خفض الإنتاج بين منتجي منظمة أوبك وحلفائها بقيادة روسيا، بل تتعدى ذلك إلى جميع أطراف الصناعة وخاصة العلاقة الملغومة مع منتجي النفط الصخري.

انهيار أسعار النفط، التي فقدت فجأة نحو ثلث قيمتها، كان صادما للأسواق النفطية والمالية ولجميع اللاعبين الأساسيين في قطاع الطاقة، لكن التأمل العميق يكشف أنه مصير حتمي مؤجل في ظل ضياع بوصلة صناعة النفط.

ولا يستند الدور المحوري للأمير عبدالعزيز بن سلمان في قيادة هذه المعركة المصيرية المؤجلة إلى كونه نجل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز فقط، بل أيضا إلى كونه من أرفع خبراء الطاقة في البلاد والعالم وإلى سجله الطويل في صناعة القرار في قطاع النفط السعودي منذ 35 عاما.

وفي حالة نادرة في العوائل المالكة، قضى الأمير عبدالعزيز جميع حياته المهنية في أروقة صناعة الطاقة السعودية منذ حصوله على شهادة البكالوريوس ثم الماجستير في الإدارة الصناعية عام 1985 من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وقد تدرج منذ ذلك الحين في أنواع المناصب الحساسة، لتكتمل خبراته في كافة جوانب صناعة النفط والطاقة، وكأنها مخاض طويل للتحضير لإدارة صناعة الطاقة السعودية في هذه المرحلة الحاسمة.

وفور تخرجه تولى منصب مدير إدارة الدراسات الاقتصادية والصناعية في مركز البحوث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ليقضي فيه نحو عقدين ويكون بمثابة منصة الانطلاق إلى أعلى المواقع التنفيذية في صناعة الطاقة السعودية. ثم عين مساعداً لوزير البترول والثروة المعدنية لشؤون البترول، خلال إدارتها من قبل وزير النفط الأسبق علي بن إبراهيم النعيمي. وفي عام 2015 تولى منصب نائب وزير البترول والثروة المعدنية بمرتبة وزير.

وبعد عامين صدر أمر ملكي بتعيينه وزيرا للدولة لشؤون الطاقة في وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية. واكتمل مسار الخبرة الطويلة بتعيينه وزيرا للطاقة، أعقبه في ديسمبر الماضي إضافة مسؤولية جديدة بتعيينه رئيسا لمجلس إدارة هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج.

ويعد الأمير عبدالعزيز من الأمراء القلائل، الذين سخّروا حياتهم لمسيرتهم المهنية، ليعمل طوال عقود بصمت وهدوء دون استقطاب للأضواء في إدارة أكبر شرايين الطاقة العالمية. وكان حاضرا بقوة في كواليس معظم المؤتمرات والندوات التي توجه بوصلة سياسات الطاقة المحلية والعالمية.

ويرى محللون أن تسليم إدارة أكبر ثروات البلاد، لأول وزير للطاقة من الأسرة الحاكمة في تاريخ السعودية، كان يهدف أساسا لإنهاء التلكؤ في الكثير من الملفات العالقة منذ تراجع أسعار النفط منتصف عام 2014.

التكنوقراط الملكي

التأثير الكبير والمحوري لوزير الطاقة السعودي في قيادة معركة النفط المصيرية المؤجلة لا يرجع إلى كونه نجل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز فقط، بل أيضا لأنه يعد واحداً من بين أرفع خبراء الطاقة في البلاد والعالم
التأثير الكبير والمحوري لوزير الطاقة السعودي في قيادة معركة النفط المصيرية المؤجلة لا يرجع إلى كونه نجل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز فقط، بل أيضا لأنه يعد واحداً من بين أرفع خبراء الطاقة في البلاد والعالم

يقول السفير الأميركي السابق تشارلز فريمان إن الأمير عبدالعزيز يمثل ظاهرة جديدة هي “التكنوقراط الملكي”. ويضيف إنه “ذكي عالمي الأفق وخبير في عمل الوزارة التي ظل يعد نفسه لإدارتها منذ عشرات السنين”.

ويؤكد بسام فتوح رئيس معهد أكسفورد لدراسات الطاقة أن الأمير عبدالعزيز، كان طرفا أساسيا في السياسة النفطية السعودية منذ إصلاحات الطاقة المتجددة ورفع كفاءة استهلاك الطاقة وخفض الدعم الحكومي لأسعار الوقود. أما مؤسس شركة بلاك غولد انفستورز، غاري روس فيرى أن “ما من أحد في السعودية يعلم عن صناعة النفط أكثر من الأمير عبدالعزيز بن سلمان”.

ذلك السجل الطويل لوزير الطاقة السعودي يبرهن على أنه الأقدر على إدارة المعركة المنتظرة لوضع أسس جديدة لصناعة النفط العالمية. فمعادلة خفض الإنتاج من قبل أكفأ المنتجين وأقلهم تكلفة، لدعم الأسعار، وما ينطوي عليه من نزيف الحصص في الأسواق، التي تذهب إلى النفط الصخري والحقول الأعلى تكلفة، يمكن أن تستمر لبعض الوقت، لكنها لا يمكن أن تستمر طويلا ولا بد أن تحين ساعة الحقيقة.

ومن الواضح أن الخلاف بين الرياض وموسكو بشأن تخفيضات الإنتاج في اجتماع فيينا بداية الشهر الحالي، كان مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير، وعجلت الحاجة المؤجلة لفرض إحداثيات وقواعد جديدة لصناعة النفط العالمية. ويبدو أن تلك المواجهة لم تعد تحتمل التأجيل، بعد أن فشلت السعودية في الجولة الأولى على مدى 3 سنوات في تعديل بوصلة إنتاج وصناعة الطاقة.

وكانت السعودية قد أصرت بعد انهيار أسعار النفط منتصف عام 2014 على قيادة منظمة أوبك لدحر المنتجين الأعلى تكلفة من خلال زيادة الإنتاج، لكنها لم تتمكن من إكمال المشوار بسبب تباين مواقف منتجي المنظمة وتراجع أسعار النفط إلى 27 دولارا للبرميل في عام 2016.

ولجأت الرياض إلى قيادة منظمة أوبك لعقد اتفاق مع 10 منتجين من خارج المنظمة بقيادة روسيا لاتخاذ إجراءات لخفض الإنتاج من أجل دعم الأسعار المنهارة لتخفيف الضغوط على موازناتها. ومع أن الاتفاق، الذي اعتمد بشكل أساسي على السعودية وروسيا في تحمل العبء الأكبر للتخفيضات، أدى إلى ارتفاع الأسعار، إلا أنه أدى إلى تعميق الخلل وقدم خدمة كبيرة لمنتجي النفط الصخري.

جميع الأسلحة

معادلة خفض الإنتاج من قبل أكفأ المنتجين وأقلهم تكلفة، لدعم الأسعار، وما ينطوي عليه من نزيف الحصص في الأسواق، يمكن أن تستمر لبعض الوقت، لكنها لن تدوم طويلا
معادلة خفض الإنتاج من قبل أكفأ المنتجين وأقلهم تكلفة، لدعم الأسعار، وما ينطوي عليه من نزيف الحصص في الأسواق، يمكن أن تستمر لبعض الوقت، لكنها لن تدوم طويلا

اليوم تبدو السعودية مصرة على تصحيح المعادلة، والتوقف عن الهروب إلى الأمام بتخفيض الإنتاج والتنازل عن الحصص، بعد أن تراجعت حصة منتجي أوبك الأكثر كفاءة إلى 30 في المئة من الإمدادات العالمية. وتشير مواقف الرياض إلى أن الانقلاب لا رجعة فيه، بعد أن استأجرت عشرات الناقلات لضخ النفط في الأسواق الأوروبية والأميركية وعرضت أسعارا بخصومات كبيرة تصل إلى 25 دولارا للبرميل. وتؤكد شركات تجارة النفط أن السعودية عازمة على استخدام جميع أسلحتها لفرض معادلة جديدة، بعد أن اندفعت فور انهيار اتفاق خفض الإنتاج إلى استخدام طاقة إنتاجها الإضافية لترفع الإمدادات إلى 12 مليون برميل يوميا، بعد أن كانت تنتج منذ سنوات نحو 9.7 مليون برميل يوميا.

وسارعت بعد أيام إلى إعلان زيادة طاقة الإنتاج إلى 12.3 مليون برميل يوميا، اعتبارا من الشهر المقبل، ثم أعقبت ذلك بإعلان خطط لزيادة الإنتاج إلى 13 مليون برميل يوميا، لتؤكد إصرارها وعزمها على إعادة رسم خارطة صناعة النفط.

ولا تقتصر معركة الأسعار، كما يشاع في الإعلام على إلحاق الضرر بروسيا، التي لا تملك سوى طاقة إنتاج إضافية محدودة، بل تشمل جميع منتجي النفط مرتفع التكلفة

لإجبارهم على الانسحاب من الأسواق حين تنخفض الأسعار عن مستوى تكلفة الإنتاج. ويبدو أن الرياض اختارت الوقت المناسب بعد تزايد المؤشرات على تراجع فورة النفط الصخري بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وصعوبة تمويل المشاريع، حيث ترجح التوقعات تراجع الإنتاج بمعدلات كبيرة.

وتراهن السعودية على تجفيف تمويل المشاريع مرتفعة التكلفة، وإجبارها على التوقف من أجل زيادة حصتها في الأسواق. ويرجح محللون أن ترتفع الأسعار بعد ذلك إلى نطاق 60 إلى 70 دولارا للبرميل.

ومن المتوقع أن يردع الموقف السعودي الحازم، أولئك المنتجين عن العودة للإنتاج في المستقبل عند ارتفاع أسعار النفط، لإدراكهم بأن الرياض ستعود إلى تحديهم مرة أخرى.

ويتساءل بعض الخبراء عن قدرة الرياض على الذهاب في هذا المشوار إلى آخره وتحمل الضغوط التي سيشكلها تراجع الأسعار على إيراداتها، لكن آخرين يقولون إنها حسمت أمرها مهما كان الثمن، بعد تأكيدها أنها لم تعد مهتمة بالتفاوض لخفض الإنتاج.

طاقات متجددة

الخلاف بين الرياض وموسكو بشأن تخفيضات الإنتاج في اجتماع فيينا بداية الشهر الجاري، عجّل الحاجة المؤجلة لفرض إحداثيات وقواعد جديدة لصناعة النفط العالمية، بعد أن فشلت السعودية في الجولة الأولى على مدى 3 سنوات في تعديل بوصلة إنتاج وصناعة الطاقة
الخلاف بين الرياض وموسكو بشأن تخفيضات الإنتاج في اجتماع فيينا بداية الشهر الجاري، عجّل الحاجة المؤجلة لفرض إحداثيات وقواعد جديدة لصناعة النفط العالمية، بعد أن فشلت السعودية في الجولة الأولى على مدى 3 سنوات في تعديل بوصلة إنتاج وصناعة الطاقة

ولا تقف خطط وزير الطاقة السعودي عند إعادة رسم خارطة النفط، فهو يؤكد على أن الرياض تريد إنتاج وتخصيب اليورانيوم في المستقبل في إطار سعيها للاستفادة من التكنولوجيا النووية في الأغراض السلمية.

وكانت السعودية قد أعلنت في يناير الماضي أنها تلقت عروض إنشاء أول مفاعلين نوويين من 5 دول هي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وكوريا الجنوبية والصين. وتمتد طموحات الرياض إلى توسيع استغلال الطاقات المتجددة حيث تؤكد أنها تستهدف توليد ما يصل إلى 9.5 غيغاواط من مصادر الطاقة النظيفة بحلول عام 2023.

وعززت موقعها في معركة الطاقة في فبراير الماضي بإطلاق أكبر مشروع للغاز الصخري خارج الولايات المتحدة. ويقول محللون إن حجم الاحتياطات السعودية وكثافة تركيز الغاز توفر قاعدة متينة لنجاح المشروع.

وأعلنت شركة أرامكو، أنها ابتكرت طريقة مجدية تجاريا، لاستخراج الغاز الصخري باستخدام ماء البحر، مما سيذلل عقبة نقص المياه اللازمة للتكسير في الصحراء. ويقول محللون إن ذلك سيزيد من قدرة السعودية على الذهاب إلى نهاية معركة إعادة رسم خارطة الطاقة العالمية.

8