الأكل العاطفي حيلة نفسية لتطمين المشاعر والانفعالات السلبية

النساء بسبب بعض أوضاعهن البيولوجية مثل التغيرات الهرمونية، أكثر عرضة لتجربة مشاعر حادة وبالتالي أكثر استعدادا لاستخدام الأكل كطريقة لتنظيم مزاجهن.
الأربعاء 2019/01/09
عوامل ظرفية تؤثر على الحاجة إلى الطعام
 

الحاجة للطعام ترتبط عادة بنوعين من أحاسيس الجوع؛ الجوع العادي بمعنى نقص الطاقة الفعلي والجوع الذهني أو النفسي المرتبط بمشاعرنا وأفكارنا وتصوراتنا عن الطعام، وغالبا ما يأتي النوع الثاني نتيجة عوامل ظرفية عديدة، نفسية وبيولوجية كمحددات لهذه الظاهرة، لنقع بعدها فريسة العواقب الصحية غير المحسوبة.

بعد أبحاث استمرت لعقود، حسم باحثون في الغذاء الأمر وقرروا بأن الأكل العاطفي أو ما يطلق عليه أحيانا الأكل الانفعالي، أو تناول الطعام تحت وطأة الضغط النفسي، أيا كانت تسميته، إنما يرتبط بجزء كبير منه بالمحددات البيولوجية أي أنه يورث في الجينات، وبالتالي فإنه من الصعب التعامل معه إلا في حدود ضيقة. فكيف يمكن السيطرة على هذه الجزئية الصغيرة؛ تعديلها وضبط العوامل الخارجية التي تؤثر فيها؟

يلجأ بعض الأشخاص للأكل العاطفي لتطمين بعض المشاعر أو الانفعالات غير المرغوب فيها، وهم في ذلك يفضلون الأطعمة المستساغة المليئة بالدهنيات والكربوهيدرات العالية، التي تحقق لهم الرضا والتحسن المؤقت في المزاج، لكن الأمر سرعان ما يفاقم الحالة النفسية السيئة بسبب تأثير هذه العادة السلبية على الوزن والحالة الصحية عموما.

وعلى عكس الشائع، الإجهاد أو الضغط الانفعالي إنما هو سبب واحد من ضمن أسباب عديدة أخرى تؤدي إلى هذا السلوك في تناول الطعام. آراش إمام زاده؛ المتخصص في علم النفس الأكلينيكي وعلم النفس العصبي في كندا وصاحب مدونة شخصية عن القلق والخوف، يسلط الضوء على الأسباب الأخرى التي قد تدفعنا إلى الأكل العاطفي ومنها المحددات الظرفية؛ أي العوامل الظرفية التي تؤثر في سلوكيات الأكل مثل الجوع والتوتر.

ويشرح في مقالته الأخيرة في مجلة (علم النفس) الأميركية، أن الحاجة للطعام ترتبط عادة بنوعين من أحاسيس الجوع؛ الجوع العادي بمعنى نقص الطاقة الفعلي والجوع الذهني أو النفسي وهو الذي يرتبط بمشاعرنا وأفكارنا وتصوراتنا عن الطعام. وهناك أيضا المحددات النفسية التي تسهم بنصيب كبير في سلوكنا الغذائي؛ إذ أن الأشخاص الملتزمين بنظام غذائي صارم هم أكثر عرضة للأكل العاطفي حالما يشعرون بأي حزن أو توتر، كما أن بعض الأشخاص الذين توصف شخصياتهم بأنها اندفاعية أي أن سلوكهم يأتي بصرف النظر عن العواقب، هؤلاء عرضة لتناول كميات ونوعيات غير محسوبة لأنهم لا ينظرون إلى العواقب الصحية لسلوكهم الغذائي هذا.

في حين يعتقد العديد من الناس بأن طعام الوجبات السريعة أو الطعام الذي يشعرهم بالاكتفاء والرضا، إنما هو مكافأة يستحقونها لإنجاز معين حققوه سواء في حياتهم العملية أو على مستوى يومياتهم البسيطة، إضافة إلى أن هذا المفهوم شائع جدا في أغلب المجتمعات التي تربط بين موائد الطعام العامرة والمشاركات الوجدانية بين الناس سواء للتعبير عن فرحهم أو حزنهم، فنرى البذخ والمبالغة بأطيب الطعام (المثقلة بالسكريات والدهنيات) من دون حساب للنتائج المترتبة على ذلك، حيث ينساق الجمهور في الغالب إلى سلوك شبه جماعي غير واع.

 أما في ما يتعلق بالمحددات البيولوجية، فإن الأكل العاطفي يرتبط على الأقل بواحد من العوامل ومنها حالة الوزن؛ ومقارنة بالأشخاص من ذوي الأوزان المعتدلة، فإن الأشخاص الذين يعانون من سمنة مفرطة هم أكثر عرضة لتناول الطعام بعد تعرضهم لمشاعر غير سارة. ولم تتضح الأسباب لهذه الحالة بعد، على الرغم من أن زيادة الوزن في الغالب ترتبط بحساسية مفرطة في المشاعر.

الأشخاص الملتزمون بنظام غذائي صارم هم أكثر عرضة للأكل العاطفي حالما تنتابهم مشاعر مثل الحزن أو التوتر

وإلى جانب ذلك، فإن الجنس البيولوجي يرتبط كثيرا بعادات الأكل العاطفي؛ حيث تكون النساء بسبب بعض أوضاعهن البيولوجية مثل التغيرات الهرمونية، أكثر عرضة لتجربة مشاعر حادة وبالتالي أكثر استعدادا لاستخدام الأكل كطريقة لتنظيم مزاجهن.

وإذا علمنا أن الإفراط في الطعام ليس هو الاستجابة الوحيدة للمشاعر السلبية، وبالتأكيد ليس مع جميع الأشخاص ولا في كل الأوقات، خاصة أن بعض الأشخاص يبتعدون عن تناول الطعام أو يقللون من كمياته عند وقوعهم تحت ضغط نفسي شديد، فما هو السبب المباشر الذي يرتبط بالأكل العاطفي؟

تشير نتائج الدراسة التي قامت بها مجموعة من باحثين في جامعة شتوتغارت وجامعة غوته في ألمانيا أواخر العام الماضي، إلى أن الطعام العاطفي هو أحد المصادر المعروفة عالميا لوباء السمنة. وعلى الرغم من أن عوامل عدة ظرفية، نفسية وبيولوجية تسهم بشكل غير مباشر كمحددات لهذه الظاهرة، إلا أنه لم يتم تحديد الأهمية النسبية لهذه المحددات على السلوك العاطفي المتعلق بالطعام. ولهذه الأسباب، فإن هذه الدراسة تهدف إلى سد الفجوة والتحقيق في هذه العوامل في وقت واحد لتبيان أهمية ودور كل منها.

وهدفت الدراسة التي اعتمدت على عينة من 179 من طلاب الجامعة بمتوسط عمر 23 عاما، بلغت نسبة الذكور فيها 56 بالمئة، إلى التلاعب بالحالات المزاجية للمشاركين (سلبيا أو إيجابيا) ثم تمت ملاحظة وقياس اختيارهم وتفضيلهم لطعام معين، وتقييم المحددات المحتملة لذلك في الوقت ذاته.

وكشف تحليل النتائج أن العوامل البيولوجية (مثل حالة الوزن) تميل إلى فقدان أهميتها النسبية في هذا الإطار، مقارنة بالعوامل النفسية (مثل الالتزام بنظام غذائي صارم أو مقيد)، إضافة إلى العوامل الظرفية أي الإجهاد، حيث تميل هذه المؤثرات إلى تفسير السلوك الغذائي للأشخاص الذين يرتبطون عاطفيا مع الطعام ويختارونه كاستجابة لمشاعر سلبية قد تكون طارئة.

وتستمد هذه النتائج أهميتها في مجال الصحة عموما، من إمكانية السيطرة على العوامل التي تسهم بصورة أكبر في تعزيز ظاهرة الأكل العاطفي غير الصحي؛ إذ أن التحكم فيها يأتي في سياق إدارة الإجهاد النفسي بمعرفة أسبابه ثم تعلم مهارات جديدة لإدارته أو تعديل مهاراتنا الحالية في إدارة الإجهاد لمساعدتنا في التعامل معه بصورة أفضل، فقد يدفعنا الإجهاد إلى تناول الطعام حتى ونحن غير جائعين، وربما نتخطى التمرينات.

ومرة أخرى، يؤكد آراش إمام زاده على أهمية تغيير عاداتنا الاستهلاكية؛ كالتسوق بعد تناول وجبة طعامنا لأن الجوع يجعلنا نراكم قائمة التسوق بما يفيض عن حاجتنا الفعلية، وكذلك يفضل عدم تخزين المواد الغذائية في رفوف المطبخ خاصة الحلويات والوجبات الخفيفة ورقائق البطاطا، فإذا لم نجد هذه الأشياء متوفرة في متناول يدنا فلن نستهلكها بالتأكيد، وبدلا عن ذلك تكون وجهتنا اختيار الفواكه والخضروات.

21