الأقصر مدينة تعود بزوارها إلى زمن الشعر في مصر القديمة

شعراء يشدون بقصائدهم في خيمة بيت الشعر قرب معابد الفراعنة.
الثلاثاء 2025/03/11
احتفاء بالشعر في مدينة الشعر

الشعر مقترن كثيرا بالروح الإنسانية وأجواء التسامي على المادة والانتصار للوجدان، ولذا نجده حاضرا في المناسبات الدينية، ومنها شهر رمضان، حيث تقام العديد من الأماسي الشعرية التي تستعيد شحنات الشعر العاطفية، ومن هذه التظاهرات خيمة الشعر التي تقيمها مدينة الأقصر التي اشتهرت على مر العصور بجذبها للشعراء.

تتواصل على مدار هذا الأسبوع، فعاليات الخيمة الرمضانية لبيت الشعر بمدينة الأقصر التاريخية في صعيد مصر، والتي أقيمت بساحة سيدي أبي الحجاج التاريخية، وفي أحضان صروح وأعمدة معبد الأقصر الفرعوني، في المدينة التي عرفت الشعر على جدران معابدها القديمة قبل الآلاف من السنين.

وبيّن مدير بيت الشعر بالأقصر الشاعر المصري حسين القباحي أن الخيمة الرمضانية التي تتواصل فعالياتها حتى يوم السبت المقبل الموافق للخامس عشر من شهر مارس الجاري، يشارك فيها نخبة من شعراء الفصحى والعامية والموال والمربع بأنواعه.

خيمة الشعر

قال القباحي إن برنامج الخيمة الرمضانية لبيت الشعر في الأقصر، يتضمن إقامة 6 أمسيات شعرية، بجانب ندوة تستعرض تاريخ التصوف والصوفية في الصعيد الأعلى، ويتحدث فيها الدكتور محمود النوبي، وأخرى تتناول موضوع المجالس الأدبية في مصر الإسلامية، ويتحدث فيها الدكتور محمود سليم.

برنامج الخيمة الرمضانية لبيت الشعر في الأقصر يتضمن 6 أمسيات شعرية وندوة تستعرض تاريخ التصوف والصوفية

وكانت أولى الفعاليات التي شهدتها الخيمة، الأمسية الشعرية التي أقيمت قُرب صروح وأعمدة معبد الأقصر الأثري، والمسجد التاريخي لسيدي أبي الحجاج الأقصري، والذي شُيّد قبل أكثر من ثمانية قرون فوق جدران معبد الأقصر، وقدمها الشاعر حسن عامر، وشارك فيها الشعراء: عادل صابر، أحد أبرز شعراء فن الواو بصعيد مصر، وعبدالناصر أبوبكر، الذي يشتهر بكتابته للموّال والمربع والفنون القوليّة، وفوزي عبدالسميع، وهو حاصل على درجة الدكتوراة في الأدب الشعبي.

وفي اليوم الثاني من فعاليات الخيمة، أقيمت ندوة حملت عنوان “تاريخ التصوف في الصعيد الأعلى”، وتحدث فيها الدكتور محمد النوبي عميد كلية الألسن بجامعة الأقصر، وقدمها الشاعر حسين القباحي مدير بيت الشعر.

وعرّف الدكتور محمد النوبي في محاضرته التصوف لغة واصطلاحا، واستعرض تاريخ نشأة التصوف في مصر بوجه عام، وفي صعيد مصر بوجه خاص، وسرد مسيرة عدد من أعلام المتصوفين الذين عرفهم صعيد مصر، وخاصة في مدينة قوص مدينة العلم والعلماء، والتي كانت محطة انتظار لجموع الحجاج الذين كانوا ينطلقون منها قديما في طريقهم لآداء رحلة الحج.

وقد ألقى النوبي مجموعة من الأشعار التي كتبها المتصوفون والتي تمجد الزهد والبعد عن ملذات الدنيا، ومنها ما يزخر برموز وإشارات لغوية يعرفها أهل الطريق.

وعرفت مدينة الأقصر الشعر قبل الآلاف من السنين، وبحسب المصادر التاريخية وكتب علماء المصريات، فإن جدران المقابر والمعابد في الأقصر، بجانب أوراق البردي، تُسجل الكثير من القصائد الشعرية التي كتبها شعراء مصر القديمة.

وقد وثّق شعراء وأدباء مصر القديمة الكثير من نصوص الحب والعشق على جدران المقابر التي تعرف باسم مقابر النبلاء والأشراف في غرب المدينة، وعلى قطع من الفخار والحجر الجيري التي تُعرف باسم الأوستراكا، والتي سجل عليها المصري القديم مشاعر حبه ولوعته.

الأقصر عرفت الشعر منذ عهود الفراعنة كما أسلفنا، ونقش الشاعر المصري القديم قصائده على جدران المعابد، وظلت الأقصر غنية بشعرائها على مر التاريخ

الأقصر التي عُرفت قديما باسم طيبة، والتي ظلت عاصمة لمصر القديمة على مدار قرون، عرفت أيضا ألوانا أخرى من الشعر والأدب، حيث كتب شعراء المدينة وأدباؤها القدامى القصائد والأناشيد والمسرحيات الشعرية، وقصص الحب، والحكايات الخرافية والأساطير فائقة الخيال، لكن أرقى تلك النصوص والكتابات كانت في مجال الشعر الرومانسي.

كثيرة هي أحاديث الشعر والشعراء عن الأقصر، تلك المدينة المصرية القديمة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، حيث يتجاوز عمر معابدها ومقابرها الباقية كشاهد على حضارة المدينة ومكانتها الثقافية أكثر من 3500 عام، فيما يعود تاريخ بعض معالمها الأثرية المهدمة إلى أكثر من 5000 عام.

فقد تغنى بها الشاعر محمود غنيم في قصيدة بعنوان “نشيد الأقصر”، بينما وصفها الشاعر محمد البريكي بأنها “قصيدة النيل ومعزوفة الشعراء”، ويقول في مقال خاص عنها “على مقربة من الكرنك، والأقصر والتاريخ الراسخ فيهما، تحلق طيور مغردة تتوقف لغنائها الشوارع المكتظة بالمتأملين، والساهرين على آثار تتحدث بلسان جنوبي فصيح يقول للعالم: هنا تاريخ ساحر تهوي إليه أفئدة كثيرة، وتطير إليه أحلام كبيرة، أحلام الشعراء أبناء الغيم الماطر والعزف الآسر، فتجد الشعر قد سبقها وهو ينشد مواويله على مسارحها وحول آثارها وفي قلوب ناسها”.

ويستحضر الشاعر حسين القباحي بعضا من تاريخ المدينة الخالدة في قصيدة له بعنوان “نقوش على جدران الكرنك”، كما يتغنى الشاعر الحسين خضيري في مقدمة كتابه “الأقصر في الشعر والفن العالميين” بمدينته الأقصر فيقول “تُسافر الشمس في جبهتك/ وأخبارُها في المدى/ تُشرق إن تبسمي مرة/ وتهجع – لو تعبسي – في الخيال”.

مدينة شعرية

بيت الشعر نجح في تحقيق الأهداف التي وضعها، وفي مقدمتها تأصيل دور الشعر والشعراء في الحركة الثقافية
بيت الشعر نجح في تحقيق الأهداف التي وضعها، وفي مقدمتها تأصيل دور الشعر والشعراء في الحركة الثقافية

من المعالم الثقافية الحديثة في المدينة يوجد بيت الشعر في الأقصر، وهو البيت الذي صار قبلة للشعراء والمثقفين المصريين من كل محافظات مصر، عبر فعالياته التي يديرها الشاعر المصري حسين القباحي – مدير البيت، ويحضر جانبا منها في كل عام عبدالله بن محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة بإمارة الشارقة، والشاعر محمد البريكي، مدير بيت الشعر بالشارقة.

وقال الشاعر حسين القباحي، مدير بيت الشعر بالأقصر، إن البيت نجح في تحقيق الأهداف التي أقيم من أجلها، وفي مقدمتها تأصيل دور الشعر والشعراء في الحركة الثقافية، وتمكّن من إيصال صوت الشعر إلى مختلف قطاعات المجتمع، وأسهم في توثيق الحركة الشعرية وتفاعل معها، وقدّم الكثير من الوجوه الجديدة للساحة الشعرية بمصر والعالم العربي.

وقد عرفت الأقصر الشعر منذ عهود الفراعنة كما أسلفنا، ونقش الشاعر المصري القديم قصائده على جدران المعابد، وظلت الأقصر غنية بشعرائها على مر التاريخ.

وخلال الـ200 عام الماضية، كانت الأقصر تشتهر في الحركة الشعرية المصرية بعدد من شعرائها الذين كانت لهم مكانتهم بين شعراء مصر آنذاك.

وقد روى لنا ناصر الفولي، وهو باحث بموسوعة مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، سير بعض هؤلاء الشعراء مثل الشاعر أحمد الطاهر الحامدي (1842 – 1913) الذي تلقى علومه المبكرة على يدي والده، ثم في الأزهر الشريف، وتولى إلقاء الدروس الدينية على أهل أرمنت، جنوب الأقصر، رافضا العمل في سلك القضاء الشعري، أو التدريس بالأزهر الشريف.

والشاعر محمد موسى كريم الأقصري (1880 – 1955) الذي ولد في الأقصر، وتوفي فيها، وحفظ القرآن الكريم مبكرا، ثم درس بالأزهر الشريف، وعمل خطيبا بمساجد الأقصر، واشتهر بعلاقته بالزعيم سعد زغول قائد ثورة 1919، وكان واحدا من أركان صالون “المعقل الأشهب” الذي كانت تقيمه الشاعرة أوليفيا عويضة، إحدى شاعرات الأقصر في تلك الفترة، وله ديوان مطبوع بعنوان “خواطر الصبا” وصدر في عام 1340هـ/1921م، وله أعمال أخرى مثل “الزمان والأصدقاء”، وهي رسالة أدبية أخلاقية وضعها في قالب المحاورة والمناظرة.

ونذكر أيضا الشاعر محمد الشرقاوي الحامدي (1878 – 1972) الذي نشأ في أسرة متدينة ذات علم وأدب، فتعلم على والده وحفظ القرآن الكريم ودرس العلوم الدينية والشرعية، وعمل إماما وخطيبا لمسجد الكرنك، كما عمل وكيلا لمجلة الإسلام في الأقصر.

الأقصر التي عُرفت قديما باسم طيبة، عرفت ألوانا أخرى من الشعر والأدب، حيث كتب شعراء المدينة وأدباؤها القدامى القصائد والأناشيد والمسرحيات الشعرية

ومن الأجيال المعاصرة، عرفت الأقصر وجوها شعرية مهمة بداية من جيل الروّاد الذي يمثله الشعراء محمود منصور، محمد عادل، عبدالعزيز لبيب، عبدالرسول عبدالحاكم، عزالعرب عبدالحميد ثابت وغيرهم.

تلاهم الجيل الذي يحمل راية الشعر في المدينة اليوم، ويقود الحراك الشعري المتواصل والممتد من الأقصر، مرورا بكل ربوع مصر وحتى العالم العربي، ومن بين تلك الوجوه التي أسهمت في إثراء الحركة الشعرية في الأقصر الشعراء حسين القباحي، الدكتور النوبي عبدالراضي، أحمد فؤاد جويلي، محمد جاد المولي، ومن جيل الشباب الشاعر حسن عامر، الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية، أحمد العراقي، يحيى سمير، وغيرهم، ومن الوجوه الشعرية النسائية عزة شرقاوي، آمال منصور، شيماء إبراهيم وغيرهن، ومن شعراء العامية نذكر بكري عبدالحميد ومحمود مرعي وغيرهما.

ومن شعراء الأقصر الذين حققوا مكانة عالية في عالم الشعر خارج البلاد، الشاعر الأقصري الدكتور عارف كرخي أبوخضيري، الذي يلقب بشاعر المهجر الآسيوي، ومن المترجمين الشاعر والأديب والمترجم الحسين خضيري.

وعلى مر العصور لم تغب الأقصر عن عيون وأخيلة الشعراء انطلاقا من هوميروس الذي وصفها في إلياذته الشهيرة، وامتد عقد الشعراء العالميين الذين كتبوا عن الأقصر، واستلهموا قصائدهم من عبق تاريخها، انطلاقا من شيلي رفيق كيتس واللورد بيرون، وتيريزا هولي الشاعرة الإنجليزية التي عشقت مـصر وكتبت عن أرض طيبة ومجدها، والشاعر الأميركي هنري آبي الذي وصف النيل والنخيل وطيبة ومعابدها في قصيدة طويلة بعنوان “عبر النيل”، وكذلك الشاعر الإنجليزي بريان وولر بركتر وغيرهم.

13