الأطفال الماديون معرضون للقلق والاكتئاب وتدني احترام الذات

عطاء الأولياء بلا حدود يفسد تربية الأبناء، والبحث عن الشهرة عبر المنصات الاجتماعية يبني شخصية الطفل.
الثلاثاء 2019/01/15
حب البروز يظهر منذ الصغر

يرى عدد من الخبراء أن الأهل يحولون الأبناء دون قصد إلى جيل يبحث عن الشهرة والمال، فالإفراط في العطاء والتدليل بلا حدود، لا سيما في ظل تطور وسائل التواصل والاتصال، ينميان في نفوس الناشئة القيم المادية ويجعلهم أحرص على المظهر اللائق أكثر من إنشاء علاقات لائقة مع الآخرين.

ليست حالة استثنائية، يقضي معظم الآباء والأمهات حياتهم في سبيل إسعاد أبنائهم وتقديم كل ما يمكن أن يوفر لهم الراحة والرضا والاكتفاء، سواء طلبوا هذا أم لم يطلبوه، فالعطاء هو سمة أشبه بملامح الوجه تميزنا كأمهات وآباء عن سوانا وتدعم أسس العلاقة القوية مع الأبناء، لكن، يا ترى، وبعد أن وفرنا لهم كل شيء وأي شيء في المستطاع، هل مازالت الأمور تسير على ما يرام، وهل حدثت نتائج عكسية وهل أفرطنا في العطاء؟

يدرس علماء النفس هذه الحالة باستفاضة، مؤكدين أن الأهل وفي رغبة حقيقية للعطاء بلا حدود قد يفرطون في تدليل وإفساد أبنائهم من دون قصد، فيعززون في شخصياتهم القيم المادية من دون وجود نية مسبقة لذلك. وما هي النتيجة؟ ظهور جيل أناني من المراهقين (مع استثناءات قليلة)، لا يهمهم سوى المال والشهرة والمظهر اللائق الذي يمكنهم من حصد المزيد من الإعجابات على صورهم في برامج الإنستغرام والسنابشات!

ويؤكد د. ديفيد جي بريدوفت أستاذ فخري ورئيس سابق لقسم العلوم الاجتماعية والسلوكية في جامعة كونكورديا في مينيسوتا الأميركية، أن هناك نوعين من الناس؛ النوع الأول الذي تدفعه التطلعات المادية مثل المال والصيت والشهرة إلى البحث عن أشياء خارج نفسه.

الطفل المدلل يمكن أن نميزه من بين أقرانه من خلال عدم استعداده للتوافق مع المتطلبات العادية للعيش داخل أسرته

 أما النوع الثاني فهم الأفراد من ذوي التطلعات الجوهرية؛ أي الذين يحرصون على تنمية شخصياتهم، يبحثون عن علاقات ذات مغزى بالآخرين ويحاولون الإسهام في قضايا مجتمعاتهم.

أما الأطفال الذين يقدرون النوع الأول ويتطلعون نحو الثروة والشهرة والأمور المادية الأخرى؛ أن يكون لديهم المزيد من الأشياء باهظة الثمن، أن يعرفهم ويعجب بهم العديد من الناس، أن يظهروا بمظهر جيد ويرتدون أفضل الملابس، هؤلاء، معرضون بصورة أكبر إلى القلق والاكتئاب وتدني احترام الذات وغيرها من التداعيات النفسية التي تؤثر على استقرارهم وسعادتهم، حيث ترتبط الأهداف المادية عادة بسمات معينة في الشخصية مثل عدم القدرة على إظهار التعاطف مع الآخرين وعدم الاستعداد للتعاون أيضا، كما أن هذا الاتجاه في الشخصية يعزز سمات أخرى مثل الأنانية ونمط الحياة الذي يعتمد على المنافسة واستغلال الفرص.

هذه الفئة من الأطفال المدللين من قبل ذويهم والذين يحاطون بحماية مفرطة ويحيون حياة سهلة، في الغالب يفتقرون إلى الشعور بالقيمة الذاتية لديهم، الأمر الذي يعين على ضعف شخصياتهم وعدم القدرة على الصمود أمام أول امتحان يتعرضون له بمفردهم.

في حين يعيش الأطفال الذين يقدرون العلاقات بين الناس وفي استطاعتهم أن يحصلوا على أصدقاء مخلصين، ويعيشون حياة ذات مغزى، يتعلمون أشياء جديدة، يمارسون مهارات خاصة ويميلون إلى مساعدة الآخرين ليجعلوا حياتهم أفضل من دون مقابل. هؤلاء سيشعرون بسعادة أكبر ولا يواجهون أي أعراض للقلق والاكتئاب إلا في ما ندر.

ووفق المسح السنوي الذي أجرته جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس مثلا، فإن أكثر من 74 بالمئة من مجموع الطلاب أكدوا أن سبب ذهابهم للجامعة هو جني المزيد من المال، في حين أظهر استطلاع حديث للرأي أن ما يقارب ثلاثة أرباع الشباب اليوم وفي الولايات المتحدة مثلا، يسعون إلى الحصول على مهنة تتعلق بضخ مقاطع فيديو أو قناة شخصية على الإنترنت، بغرض تحقيق الشهرة والصيت كما أنهم يواصلون نشر صورهم على تطبيقات فيسبوك وإنستغرام بهدف حصد أكبر عدد من الإعجابات وهذه هي أهم نشاطاتهم اليومية على الإطلاق.

مدللون لديهم المزيد من الأشياء باهظة الثمن
مدللون لديهم المزيد من الأشياء باهظة الثمن

ويجمع علماء النفس على أهمية مرحلة الطفولة في تشكيل شخصية الفرد المستقبلية فهي مرحلة التكوين والصقل، إذ أن خبرات الطفولة وتجاربها تظهر نتائجها في مرحلة النضج.

 ولهذا، يشغل موضوع تدليل وإفساد الطفل في هذه المرحلة وربما مراحل متقدمة من عمره، اهتمام متخصصين ومنهم د. فريدريك نيومان عضو الجمعية الأميركية للطب النفسي وأكاديمية نيويورك للعلوم، الذي يرى أننا كأشخاص عاديين يمكننا أن نميز الطفل المدلل من بين أقرانه، من خلال عدم استعداده للتوافق مع المتطلبات العادية للعيش داخل أسرته؛ مثلا هو يرفض القدوم لتناول وجبات الطعام في مواعيدها، كما يحاول بشتى الطرق الحصول على انتباه الآخرين والحصول على امتيازات خاصة به، وهو طفل متعجل في العادة وغير متعاطف مع الآخرين وقد يبدو متهورا حين يتجاهل رغبات والديه، لهذا فإن طفلا من هذا النوع مرجح أن يكبر إلى بالغ مدلل أيضا، وبحسب د. نيومان يحدث هذا الأمر بصرف النظر عن الحالة المادية للأسرة.

ويؤكد د. فريدريك نيومان أن الشخص المدلل عندما يصبح بالغا، فإن المشكلة لا تتعلق بكونه “بالغا ومدللا” متطلبا أغلب الوقت، بل أنه سيتحول إلى الأرجح إلى شخص بغيض ومزعج للأشخاص الذين يقعون في دائرته الاجتماعية.

وأسوء من ذلك، فإن الشخص البالغ الذي أفسده التدليل هو شخص غير سعيد، محبط ومخادع إذا تطلب الأمر خاصة إذا لم تحقق رغباته بصورة فورية، رغباته التي تعني الحصول على المزيد والمزيد من الممتلكات وهذا هو جانب واحد من المخادعة، أما الجانب الآخر فيتمثل في عدم الاستعداد للتوافق والاندماج مع التوقعات الاجتماعية العادية. شخص بهذه المواصفات لن يستطيع فعل ما هو متوقع منه، يكون ساخطا، متذمرا طوال الوقت، متمحورا حول نفسه، يفتقر إلى الانضباط ومهموما طوال الوقت بالتفكير في الحصول أو الاستيلاء على ما ليس له، شخص كهذا قد يحكم عليه بالفشل سواء في العمل أو الحياة الاجتماعية.

21