الأشخاص الساخرون أكثر ذكاء وإبداعا وصحة نفسية من الجادين

تفسر السخرية على أنها وسيلة قيمة للتعبير عن الاستياء، أو قد يفسرها البعض على أنها سلوك وقح وغير مهذب، فهي تتمثل في قدرة الشخص على التعبير عن رأيه في موقف معين، أو استيائه من شيء ما، مستخدما في ذلك حسه الفكاهي وروح الدعابة، حيث تعرف السخرية دائما من لهجة الشخص، وتلاعبه في التواءاته الصوتية.
ويعتبر الفنان الساخر “جون لينون”، أن السخرية لا تقتصر فقط على كونها مضحكة، بل بأنها وسيلة فعالة لمساعدة الآخرين على رؤية حقيقتهم الخاصة، فالسخرية تجعل الشخص يسأل نفسه هل هو على صواب أم لا؟ مما تدفعه إلى اكتشاف حقيقته الدفينة، ويكون أكثر قربا من فهم ذاته.
وفي دراسة حديثة أجرتها جامعة هارفارد في الولايات المتحدة، لإثبات مدى ارتباط السخرية بالذكاء، وهل تزيد الدعابة معدل الذكاء والإبداع أم لا؟ قام العلماء بتقسيم عينة عشوائية إلى ثلاث مجموعات، إحداهم عبرت عن نفسها بسخرية، والثانية قامت بالتعبير بصورة جادة، أما المجموعة الثالثة فتبنت طريقة وسط بين الجدية والسخرية، وتم توجيههم للقيام بالعديد من المهام التي تتطلب الإبداع في أدائها، فوجد الباحثون أن المجموعة التي عبرت عن نفسها بسخرية، كانت أكثر إبداعا من المجموعتين الأخريين، حيث كانت قادرة على تعزيز قدراتها الإبداعية عند مواجهة المشاكل المختلفة، وكانت لديها القدرة على التفكير المجرد، والتوصل إلى حلول فعالة، واتخاذ محاور مختلفة لحل المشاكل.
ويشير الباحثون إلى أن الطريقة المركبة التي يفكر ويتواصل بها الأشخاص الساخرون، تجبر المحيطين بهم على إعمال العقل بصورة أكبر حتى يستطيعوا فهمهم والتواصل معهم، ومن هنا اكتشف مدى تأثير الأشخاص الساخرين على أدمغة من حولهم، فأدمغة البشر تأخذ ثلاث مراحل متتالية لتستطيع فهم السخرية والتهكم، وبالتالي فالتواصل بصورة شبه مستمرة مع الساخرين، يُجبر عقول المحيطين بهم على تدارك المراحل الثلاث للتفكير بسرعة فائقة، مما يجعل أدمغتهم تتطور وتنشط بشكل أكثر مما هم عليه.
من الأسباب الرئيسية التي تجعل الساخرين أذكى من غيرهم هي قدرتهم الفائقة على حل المشكلات، فهم لديهم سرعة بديهة عالية، وقدرة فائقة على التفكير العميق
وهنا يوضح الدكتور يسري عبدالمحسن، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة القاهرة، أن السبب الرئيسي في الاعتقاد بأن السخرية ترتبط بالذكاء في المقام الأول، هو قيام الشخص الساخر بالتفكير خارج الصندوق لاستخلاص النتائج، ومن ثم التعبير عن رأيه، لأنه يقوم بتخفيف حدة الجدال، وفظاظة الرأي، عن طريق صياغته بطريقة فكاهية خفيفة، ولذلك فالسخرية تلزم الشخص بدرجة معينة من الثقة حتى لا ينتهي الأمر في النهاية إلى الصراع، مشيرا إلى أن السخرية تعتمد على الالتواءات والمضامين، مما يتطلب من الشخص تفكيرا أكثر إبداعا، وسرعة بديهية حتى يكون قادرا على فهم المغزى من السخرية، حيث تعتبر السخرية عملية مجردة تعتمد على التفكير الإبداعي، وتشغيل الدماغ لمعالجة المعلومات، وبالتالي تعمل على زيادة معدل الذكاء والإبداع لكل من الطرفين الساخر والمتلقي، حيث أن الشخص الساخر لديه الذكاء والإبداع للقيام بتعليقه الساخر، مما يدفع المتلقي إلى التفكير خارج الصندوق أيضا، ويستجمع حواسه ويقوم بدمج تعابير وجه الشخص الساخر ونغمة صوته، ومن ثم معالجتهما للتعرف على مدى السخرية، وفهم المعنى الحقيقي منها، والقيام برد الفعل المناسب.
ولم تقتصر الأبحاث على الدراسة الأميركية فقط، فهناك العديد من الدراسات التي أثبتت نتائجها أن السخرية تُعتبر من أعلى أشكال الذكاء، وأن الأشخاص الذين يمتلكون القدرة على السخرية هم أذكى من غيرهم وأكثر منهم إبداعا. وهذا ما أرجعه العلماء إلى العديد من الأسباب، حيث يقول الدكتور فتحي سعيد، استشاري الصحة النفسية “إن الأشخاص الساخرين لديهم عقول أكثر حدة، فالسخرية تتطلب تفكيرا عميقا، كون الرد على موقف معين بسخرية يتطلب طبقة عمل من التفكير وإعمال العقل في وقت محدود”، موضحا أن الأشخاص غير القادرين على كشف السخرية، والتعامل معها أقل قدرة على الاستيعاب والتفكير العميق، بل إنهم أكثر عرضة لاضطراب المخ وتدهوره على المدى البعيد، بينما الأشخاص القادرون على السخرية والتهكم لديهم أدمغة أكثر قوة ونشاطا، حيث يستطيعون الوصول إلى مراحل متقدمة من التفكير في وقت ضيق، بل إن عقولهم تكون أكثر صحة ونشاطا، وكذلك أكثر حدة ووضوحا، فالسخرية تعمل على تعزيز صحة الدماغ، وزيادة نشاطه.
وتابع سعيد “من الأسباب الرئيسية التي تجعل الساخرين أذكى من غيرهم هي قدرتهم الفائقة على حل المشكلات، فهم لديهم سرعة بديهة عالية، وقدرة فائقة على التفكير العميق، ومن ثم استخلاص المعلومات ومعالجتها، مما يساعدهم في الوصول إلى الحلول الإبداعية الأمثل للمشكلات التي تواجههم، فأدمغتهم تعمل بطريقة مختلفة تمكنهم من إيجاد الحلول المبتكرة في وقت قصير، وهي الحلول التي قد لا يتوصل إليها الشخص العادي للتعامل مع المواقف الصعبة”.
هذا ويتميز الأشخاص الساخرون بقدرتهم على فهم المشاعر والحالة الذهنية للآخرين، حيث يستطيعون كشف ما يخفيه الآخرون بداخلهم، ففهم الحالة العاطفية والعقلية للآخرين يرتبط ارتباطا وثيقا بالقدرة على السخرية، فالشخص الذي لديه القدرة على السخرية والدعابة يلعب دور قارئ الأفكار، الذي يفسر الحالة العاطفية والنفسية للآخرين، مما يمده بالقدرة على كشف ما يخفونه، كذلك يمتلك الساخرون مهارة استيعاب المعلومات ومعالجتها، فلهم أسلوبهم وطريقتهم في التعامل مع الكلمات، وبالتالي طريقة العرض المميزة التي تجذب انتباه الآخرين، حيث يستطيعون عقد محادثات مطولة مثيرة للاهتمام.