الأسرة أكثر بيئة لا تحترم حرية الاختلاف بين أفرادها في تونس

رغم أنها المسؤول الأول عن التنشئة وتوفير الأمن والسلامة لأعضائها إلا أن الأسرة التونسية دفعت بالبعض من أبنائها إلى الفرار من البيت وبالبعض الآخر إلى العمل في الجنس، وذلك جراء المعاملة القاسية، لتصبح الأسرة في تونس أكثر بيئة لا تحترم حرية الاختلاف. ودعا علماء الاجتماع إلى ضرورة أن تكون العائلة على دراية بخصوصية الطفل وأن تتجنب التمييز بمختلف أشكاله.
تونس ـ كشف تقرير مرصد الدفاع عن الحق في الاختلاف في تونس أن العائلة احتلت المرتبة الأولى في قائمة الأماكن التي يتعرض فيها الفرد إلى الانتهاكات بمختلف أشكالها بنسبة 54.71 في المئة.
وقالت سيرين الهمامي عن مرصد الدفاع عن الحق في الاختلاف في تونس إنه تم تسجيل 296 حالة انتهاك شملت 7 أنواع من بينها التمييز العنصري والتمييز القائم على النوع الاجتماعي والتمييز على أساس الميولات الجنسية والهويات الجندرية.
وبلغ مجموع الانتهاكات في الوسط العائلي حسب التقرير 122 حالة من بينها 47 فروا من بيت العائلة و24 تعرضوا للمطاردة و17 أصبحوا من عاملي وعاملات الجنس جراء المعاملة القاسية للأسرة وتداعياتها النفسية والجسدية على الفرد.
كما سجل المرصد 109 حالة انتهاك تعرضت إلى مشاكل وصعوبات نفسية في ذات الوسط بالإضافة إلى قرابة 71 حالة من الناجيات والناجين من العنف المادي الذي أودى بحياة إحداهن في جريمة قتل.
وأضافت الهمامي خلال ندوة صحافية بالعاصمة، لتسليط الضوء على تقرير المرصد حول وضعيات التمييز في تونس خلال الفترة المتراوحة بين يوليو 2020 ويونيو 2021 أن معدل أعمار الحالات التي تعرضت إلى مختلف الانتهاكات القائمة على التمييز بلغت 25.27 سنة حيث تراوحت الشريحة العمرية بين 15 و58 سنة مشيرة الى أن القاصرين والقاصرات مثلوا نسبة 8.09 في المئة من الحالات المرصودة بكل من ولايات صفاقس (جنوب) والمنستير وسوسة (الساحل) وأغلبهم تعرضوا إلى انتهاكات من طرف العائلة.
ولفت محمد الجويلي المختص في علم الاجتماع إلى أن الأسرة هي المؤسسة المحمول عليها مهمة التنشئة والتربية وفي كثير من الأحيان تكون غير قادرة على تحمل هذه المهمة.
مجموع الانتهاكات في الوسط العائلي بلغ 122 حالة من بينها 47 فروا من بيت العائلة و24 تعرضوا إلى المطاردة
وقال الجويلي لـ”العرب” إن بعض الأسر تعتبر أن الأطفال مجال من مجالات الهيمنة فتتعامل معهم كأنهم أسرى المنظومة القيمية وبالأسلوب الذي تراه العائلة صالحا وليس باعتبارهم فئة مستقلة بذاتها.
وأضاف أن هذه العائلات لا تتيح مجالا للاختلاف أي أن حق الاختلاف غير موجود فيها وترى أنه من البديهي أن تمارس القهر ضد الطفل.
ودعا الجويلي إلى ضرورة أن تكون العائلة على دراية بخصوصية الطفل وأنه كائن مستقل له احتياجاته الخاصة وذلك بالإنصات إليه وتعديل احتياجاته.
كما دعا المرصد إلى إلغاء الفصول التمييزية الزجرية من المجلة الجزائية من بينها الفصل 230 الذي يجرم المثلية الجنسية وتفعيل القوانين المناهضة للتمييز على غرار القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2018 المتعلق بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري خاصة مع تواصل ثقافة الإفلات من العقاب.
وطالب بضرورة مواءمة القوانين مع الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها من قبل الدولة التونسية فضلا عن تضمين البرامج التعليمية مناهج تكرّس الحق في التنوع وتوعية المواطنين والمواطنين بحق الاختلاف واحترام حرية الآخرين. وفي العام 2014
وفي مقاربته النفسية للعلاقات داخل الأسرة توقف محمد بن عمار أستاذ علم النفس السريري عند أهم التفاعلات التي تحدث من خلال عدد من العيادات النفسية التي أشرف عليها والتي مكّنته من التأكيد على أن فهم آلية التفاعل داخل الأسرة هو باب مؤكد للتعبير الصحيح عن واقع العلاقات الاجتماعية ككل.
وأشار إلى أن كل النظريات تعطي أهمية للسنوات الست الأولى من حياة الإنسان وهي السنوات التي تكون عبارة عن تسجيلات خارجية يتلقاها الطفل وتصبح بالنسبة إليه من المسائل والقيم التي لا يمكن أن تتغيّر.
وأضاف بن عمار أنه بداية من المرحلة العمرية الثانية يشتغل الفرد ويبدأ في التفكير والتسجيل المنطقي ويوجد لديه شبه بحث عن توازن المعلومات ووضع كل ذلك تحت المحك قبل أن يمرّ إلى مرحلة إشباع الحاجيات والأحاسيس وفق مبدأ اللذة بالأساس.

وأقام بن عمار مقارنة بين نوعية الأولياء الذين نقابلهم في حياتنا اليومية وليّ قاس يقطع عملية التفكير عن ابنه ويولّد فيه إما سلوكيات ثائرة أو خضوع مذل ومهين. ويرى بن عمار أن الخاضع منذ طفولته لا يكون قادرا على بناء علاقات على الإطلاق. ووليّ ليّن يتصف بالتلقائية ويساعد على توفير أجواء للحوارات والانفتاح وبناء العلاقات على أسس معقولة.
ويرى الدكتور بن عمار أن الحوارات داخل المحيط الأسري التونسي خاصة في ثنائية (الأب – الأم) تتصف بالأحكام المسبقة والاعتباطية ومرات بعدم المنطقية في حين أن جزءا كبيرا من علاقات (الولي – الابن) تطرح العديد من الأسئلة المهمة من أجل إيجاد الحلول والتحليل المنطقي من ذلك أنه لا بدّ من التساؤل عما إذا كان الأطفال يشعرون فعلا بالطمأنينة والأمن؟ وهل البيت فضاء يستطيع فيه الابن أن ينمو بصفة طبيعية؟
وقال إن بعض الآباء يعتمدون على الحوارات القاسية التي يكون لها تأثير كبير على قدرة الطفل وتقبله وفهمه وتنتج طفلا خاضعا نتيجة الحوار الأصم الذي ليس له أيّ معنى ويكون عادة مبنيا على التعاسة والضغوط النفسية القاسية. وأضاف أن تلك علاقة غير سليمة وغير مفيدة بالمرة. وشدد على أهمية تعزيز الحوارات المبنية على التفاعل الإيجابي والمتوازن من أجل الحصول على إجابات ناضجة وتعزيز التواصل.
وأقام بن عمار الدليل من خلال العيادات النفسية التي يجريها على أن الزوجة عادة ما تقبل الحوار أمام المعالج النفساني في حين يرفض الزوج ذلك وقال “الزوجة أكثر قدرة على فهم ديناميكية حركتها وعقلنتها”. وتساءل الباحث عن الأسباب التي تدفعنا إلى فقدان المرونة الكافية في التعامل والحوار المنطقي وألح على أهمية ايلاء الجانب العاطفي منزلته.
ورغم أن تونس قامت برفع تحفظاتها عن اتفاقية القضاء على جميع إشكال التمييز ضد المرأة في إطار تحقيق المساواة بين الجنسين إلا أن التمييز داخل الفضاء الأسري مازال مطروحا بقوة.
ففي الثالث والعشرين من أبريل 2014 أكدت الأمم المتحدة أن تونس أعلمتها بشكل رسمي برفع تحفظاتها عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة (سيداو). وكانت تونس قد أبدت تحفظات على بعض الأحكام القانونية، ومنها حقوق المرأة في العائلة، رغم انضمامها إلى الاتفاقية. وبدأت تونس هذا المسار في 2011، ولكنها لم تقم بإعلام الأمم المتحدة بشكل رسمي إلا في الأيام الأخيرة. وتُعتبر تونس أول بلد في المنطقة يقوم برفع جميع تحفظاته عن الاتفاقية.