الأرمن يرحبون من دون فرح باعتراف واشنطن بالإبادة الجماعية

الاعتراف الأميركي يبقى خطوة رمزية ما لم يترجم إلى مواقف عملية.
الاثنين 2021/04/26
الولايات المتحدة تنتصر للأرمن على حساب تركيا

يشكل الاعتراف الأميركي بالإبادة الجماعية التي تعرض لها الأرمن على يد الإمبراطورية العثمانية خطوة معنوية مهمة تحفز شتات الأرمن على مواصلة النضال من أجل استرجاع حقوقهم، إلا أن الخطوة تبقى محدودة ما لم تترجم إلى سلوكيات ملموسة على أرض الواقع.

واشنطن - رحب الأرمن حول العالم من دون فرح باعتراف جو بايدن بالإبادة الجماعية السبت، معبرين عن أسفهم خصوصا لأن الرئيس الأميركي لم يمارس ضغوطا أكبر على تركيا.

واعتبر الأرمن أن قرار الاعتراف هام بشكل كبير، لكن الأهم هو ترجمة القرار إلى سلوكيات عملية وأفعال في سياسة الولايات المتحدة تجاه تركيا.

وقال رئيس الكنيسة الأرمنية الرسولية في شرق الولايات المتحدة، أنوشافان تانيليان “نحن ممتنون لأن حكومة بلادنا قد أسمعت صوتها أخيرا”. وأضاف “علينا أن نتحرك لمنع وقوع مذابح أو إبادة جماعية في المستقبل”.

ورأى مهير جانيان رئيس اللجنة الوطنية الأرمنية في الولايات المتحدة أنه “من جهة هناك اعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، لكن في الوقت نفسه تمنحهم المعدات وتدعم جيشهم”، متهما الولايات المتحدة ودولا أخرى اعترفت سابقا بالإبادة، بالقيام بلعبة مزدوجة.

لكنه أكد في الوقت نفسه أنها مع ذلك “خطوة على طريق المستقبل من أجل تعويضات وعلاقة جيدة مع جيراننا”.

ووصف رئيس الهيئة الوطنية الأرمنية بمصر أرمن مظلوميان قرار الرئيس الأميركي بـ”المهم للغاية”، وبأنه يمثل “انتصارا كبيرا للإنسانية ولعدالة القضية الأرمنية”.

وقال مظلوميان إن “الاعتراف الأميركي له تأثير كبير لاستعادة حقوقنا بشكل كبير، فالولايات المتحدة إحدى الدول المؤثرة في العالم، كما أنها واحدة من الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، وبالتالي ستمثل دفعة كبيرة على مسار استرداد الحقوق الأرمنية”.

1.5 مليون أرمني قتلوا بشكل منهجي خلال الحرب العالمية الأولى في ظل الإمبراطورية العثمانية

وتابع “اعتراف الإدارة الأميركية الجديدة، بعد اعتراف الكونغرس ومجلس الشيوخ، يمثل ورقة ضغط فاعلة على تركيا لتغيير سلوك الإنكار، واتخاذ خطوات إيجابية نحو الاعتراف بجريمة أجدادهم العثمانيين، والتصالح مع ماضيها المؤلم وإعادة الحق لأصحابه”.

وأثارت الخطوة غضب تركيا التي استدعت السفير الأميركي احتجاجا، فيما اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في رسالة بعث بها إلى بطريرك الأرمن في إسطنبول “أطرافا ثالثة” بالتدخل في شؤون بلاده، وقال وزير خارجيته جاويش أوغلو إنّ تركيا “لا تتلقى دروسا من أحد حول تاريخها”.

ويؤكد الأرمن أن مليون ونصف مليون أرمني قتلوا بشكل منهجي خلال الحرب العالمية الأولى في ظل الإمبراطورية العثمانية المتحالفة آنذاك مع ألمانيا والنمسا-المجر. وهم يحيون ذكرى الإبادة كل عام في 24 أبريل.

وإن كانت تركيا وريثة الإمبراطورية بعد تفككها عام 1920، تقر بوقوع مذابح، إلا أنها ترفض توصيفها بالإبادة، مشيرة إلى أن حربا أهلية في الأناضول تزامنت مع مجاعة، تسببت بمقتل ما بين 300 و500 ألف أرمني، فضلا عن عدد مساو من الأتراك.

وفي العام 2000 أكد 126 باحثا بينهم الحائز على جائزة نوبل للسلام إيلي فيزل في بيان نشر في صحيفة نيويورك تايمز أن “الإبادة الأرمنية إبان الحرب العالمية الأولى واقع تاريخي لا يمكن إنكاره”.

وصوتت برلمانات حوالي ثلاثين دولة على قوانين أو قرارات أو مذكرات تعترف صراحة بالإبادة الأرمنية، هي ألمانيا والأرجنتين والنمسا وبلجيكا وبوليفيا والبرازيل وكندا وتشيلي وقبرص والولايات المتحدة وفرنسا واليونان وإيطاليا ولبنان وليتوانيا ولوكسمبورغ وباراغواي وهولندا وبولندا والبرتغال وروسيا وسلوفاكيا والسويد وسويسرا والأوروغواي والفاتيكان وفنزويلا.

Thumbnail

ولا يزال ملف إبادة الأرمن مقلقا لتركيا، التي تتهم عددا من الدول والحكومات باستخدام تلك القضية التاريخية لممارسة الضغوط عليها.

ويقول تنار أكجام أستاذ دراسات الإبادة الجماعية للأرمن بجامعة كلارك الأميركية إن الإنكار لا يتعلق فقط بمنهج أيديولوجي للماضي، كما أن المطالبة بالاعتراف بالجرائم التاريخية ليست مجرد تعبير عن إدانة أخلاقية في ما يتعلق بالأحداث الماضية.

وأردف “إن الإنكار هيكل لا يمكن للمرء ببساطة أن يحيله إلى الأعمال الوحشية السابقة. لقد أدى هيكل الإنكار إلى السياسات الحالية وما زال يفعل ذلك. وفي هذا الصدد سيكون من المناسب والمعقول مقارنة الإنكار التركي بنظام الفصل العنصري في دولة جنوب أفريقيا”.

وأكد أكجام أن اعتراف تركيا بالفظائع التي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية شرط مسبق لشعبها ليتمكن من العيش في سلام وهدوء، ليس فقط مع بعضهم البعض ولكن مع الآخرين في المنطقة.

وترى الحكومة التركية أن الملف مجرد ورقة تمارسها بعض القوى الدولية لفرض ضغوط عليها، لكن مراقبين يرون أن أنقرة لن تقبل أبدا بالاعتراف بمصطلح الإبادة الجماعية لأنه سيشكل معضلة حقيقية وسيدفعها إلى تقديم المزيد من التعويضات إضافة إلى الملاحقات القضائية الأرمنية لتركيا، ويفتح الباب أمام إعادة الممتلكات الأرمنية وهو أمر تعتبره أنقرة خطا أحمر لا يمكن الاقتراب منه.

ويشير مراقبون إلى أن المسألة لا تهم فقط الجانب المادي عبر التعويضات المالية أو حتى ترميم بعض الكنائس الأرمنية والاعتراف بالحقوق الثقافية واللغوية، بل سيصل الأمر إلى المطالبة بالأراضي التي تعرف بأرمينيا الغربية حيث جبل أرارات الذي يعد رمزا وطنيا للأرمن وهذا أمر لا يمكن أن تقبل به تركيا.

5