الأديرة التاريخية في مصر ألهمت الشعراء العرب القدامى قصائد متفردة

الناقدة المصرية حنان الشرنوبي تبحث في تاريخ شعر الأديرة في مصر منذ الفتح العربي وحتى العصر المملوكي.
الخميس 2022/10/13
أماكن أغرى جمالها شعراء العربية

القاهرة - احتلت الأديرة القبطية قديما، مساحة كبيرة في دواوين الشعراء القدامى من المصريين، كما تجلى ذلك اللون الشعري عند الشعراء المصاحبين للجيوش الإسلامية، والذين استوطنوا مصر وكتبوا قصائدهم تحت سمائها.

وشعر الأديرة، يُعد امتدادا للون أدبي شاع في العصر العباسي في شعر أبي نواس ورفاقه من شعراء المجون الذين عبروا به عن عدم التزامهم بالسير على النهج المعتاد، أو بالأحرى ثورتهم على الشعر العربي، فقد راح هؤلاء الشعراء يستبدلون بذكر الأطلال والدمن أحاديثهم عن الخمر وساقيها من الغواني الحسان أو المرد من الغلمان مفضلين تصاوير الكأس ولوحاتها المنقوشة بالصور الفارسية الجميلة، وظهر في هذا اللون الأدبي اختلاف شخصية الشعراء المصريين، وبين كيف أن الشاعر المصري عندما يصف الطبيعة لا يصفها مقلدا بل متأملا في جمالها الذي زاده النيل عذوبة، وأغنته البساتين بما فيها من تنسيق بديع.

وقد تتبعت الباحثة والناقدة المصرية، الدكتورة حنان الشرنوبي، تاريخ ذلك اللون الأدبي في مصر منذ الفتح العربي وحتى العصر المملوكي، في دراسة موسعة.

علاقة الشعر العربي بالأديرة والرهبان علاقة قديمة قدم هذا الشعر نفسه منذ زمن شعراء العصر الجاهلي

تقول الشرنوبي إن دراستها تهدف إلى إعطاء صورة لشعر الكنائس والأديرة في مصر في هذه الفترة الممتدة من الفتح العربي إلى العصر المملوكي، وهي فترة طويلة حفلت بالعديد من الشعراء، بجانب أن الدراسات السابقة اقتصرت على تناول شعر الأديرة في القرون الهجرية الثلاثة (الثاني والثالث والرابع) فقط، وذلك بحسب قولها.

وحاولت الباحثة، من خلال دراستها تقديم الأسباب التي دفعت الشعراء إلى اللجوء إلى الكنائس والأديرة وربطت ذلك بالظروف السياسية والتحولات الفكرية والعقدية المتغيرة، وقدمت قراءة نقدية لهذا اللون الشعري في مصر منذ أن وطأت خيول الفتح تربتها محررة وناشرة للدين الإسلامي واللغة العربية، كما تجلى عند الشعراء المصاحبين للجيوش الإسلامية والذين استوطنوا مصر وغردوا تحت سمائها.

وبحسب فصول الدراسة، فقد تطورت الحياة الاجتماعية في مصر تطورا كبيرا خلال العصر الإسلامي، مما أدى إلى الاهتمام بمظاهر الحياة المختلفة، وواكب الشعراء هذا التطور فحفل شعرهم بتصوير مظاهره، فصوروا العمائر من قصور ودور وصوروا البساتين والبرك وكذلك الديارات – الأديرة القبطية – التي قصدها الشعراء المصريون كموطن من مواطن الطبيعة التي توفرت فيها مسحة من الجمال، حيث كانت هذه الديارات متنزهات عامرة، أوحت إلى الشعراء بالكثير من أشعارهم.

وقد أوردت الدراسة الكثير من المصادر التي تناولت شعر الأديرة في مصر، واحتوت على نصوص شعرية محققة، تناولت بعض الأديرة المسيحية التاريخية ذائعة الصيت في مصر.ولعل من بين أهم المصادر التي وردت في الدراسة، كتاب “الديارات” لمؤلفه أبوالحسن على بن محمد الشباشتي، حيث عدد الشباشتي في ذلك الكتاب أهم الأديرة وأشهرها وأكثرها ورودًا في الشعر المصري.

واستعرضت دراسة الشرنوبي، تاريخ بعض تلك الأديرة، وأوردت ما قيل فيها من قصائد شعرية، مثل دير القُصَير، الذي تقول المصادر التاريخية إنه يقع في ضاحية حلوان بالعاصمة المصرية القاهرة، على رأس جبل مشرف على النيل في غاية النزاهة والحسن، وكان أهل مصر يتنزهون فيه لقربه من الفسطاط.

الشرنوبي حاولت من خلال دراستها تقديم الأسباب التي دفعت الشعراء إلى اللجوء إلى الكنائس والأديرة وربطت ذلك بالظروف السياسية والتحولات الفكرية 

ومما ورد في وصف الدير أنه دير حسن البناء محكم الصنعة، فيه رهبان مقيمون به، وله بئر في الحجر يستقى الماء منها، وأحد الديارات المقصودة لحسن موقعه وإشرافه على مصر وأعمالها.

الدراسة لفتت أيضاً إلى ذلك الموقع الساحر الذي تميز به هذا الدير، حيث يطل على النيل والصحراء، فيثير الخيال، بما جمع من متناقضات، فيقصده الرهبان والنساك للعبادة، ويشد الشعراء رحالهم إليه للتمتع بطبيعته.

وهكذا تدلنا دراسة الشرنوبي، على أن شعراء مصر المعروفين كانوا على اتصال بالأديرة يحضرون مجالسها، ومنهم ظافر الحداد الذي يبدو أنه كان يختلف إلى الكنيسة المرقسية قرب محطة الرمل في الإسكندرية، وابن عاصم الذي كان يتردد على دير طمويه، ومن هؤلاء الشعراء أيضا تميم بن المعز، وابن النبيه، والبهاء زهير، وغيرهم.

ورصدت لنا ما اتسمت به الشخصية المصرية في أدب الأديرة من ميل إلى الفكاهة، وما اتسم به أسلوب هؤلاء الشعراء من وضوح في المعنى وسهولة في اللفظ وصدق في التصوير، وما اتسم به هؤلاء الشعراء من تمرد وتناقض.

وتذهب الشرنوبي في دراستها إلى التأكيد على أن علاقة الشعر العربي بالأديرة والرهبان قديمة قدم هذا الشعر نفسه، إذ نجد شعراء العصر الجاهلي يتغنون بالديارات والرهبان بل بطقوس الديانة، ويبدو أن الرهبان في الجاهلية كانوا مثالا على حسن العبادة من الصوم والصيام.

ويسير الأمر على هذا النحو إلى أن نصل إلى العصر العباسي فنجد الأديرة قد أصبحت جزءا من نسيج هذا العصر، ومن شعره ومظهراً من مظاهر حياته اليومية.

وبحسب الدراسة، فقد اشتهر الشعر بالأديرة، واشتهرت الأديرة بالشعر، حتى أصبحت الأديرة من موضوعات كتب المنتخبات الشعرية في القديم تم فرد مصنفات مستقلة لها مثل الديارات للأصفهاني والديارات للشابشتي.

13