الأخبار الزائفة واجهة جديدة لمعركة حرية التعبير في تونس

نائب رئيس النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين تتهم مسؤولين في الدولة بتقديم معطيات خاطئة ومغالطة الشعب.
الاثنين 2021/06/07
بين مطرقة الأخبار الكاذبة وسندان حرية التعبير

تونس - ذكرت أميرة محمد، نائب رئيس النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، أن الأخبار الزائفة يتم استغلالها أحيانا لتوجيه الرأي العام وتضليله، مشيرة إلى أن الأخطر هو أن “مسؤولين في الدولة، من أعضاء حكومة ونواب وسياسيين، يقدمون معطيات خاطئة ويغالطون الشعب”.

وأضافت في تصريحات لوكالة الأنباء التونسية “وات” أن الأخبار الزائفة والمضللة تنتشر أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي بعض الصفحات التي تسمي نفسها “صحفًا إلكترونية”، وذلك لغايات بعيدة كل البعد عن العمل الصحافي؛ فهي “إما لضرب جهة معينة، أو للترويج لطرف سياسي بكل الوسائل، وهو ما يتسبب في وجود خلط لدى المواطن الذي لا يفرق بين وسيلة إعلامية وموقع مشبوه وبعض الصفحات”.

وسنت الكثير من الدول العربية قوانين للحد من انتشار الأخبار الكاذبة، وتجرم هذه القوانين مروجي الأخبار الكاذبة وتقضي بسجنهم وبتسليط عقوبات عليهم، فيما يخشى الصحافيون والإعلاميون اتخاذ مكافحة الأخبار الزائفة حجةً ومدخلا للحد من حرية التعبير من خلال سن تشريعات تقيد الحقوق والحريات.

وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري “الهايكا” إن مكافحة الأخبار الزائفة لا يمكن أن تكون مدخلا للحد من حرية التعبير. وأضاف أن العديد من الدول تحاول وضع إطار قانوني لتحمّل الشركات العالمية -مثل شركة فيسبوك- مسؤولية انتشار الأخبار الزائفة، غير أن مسألة التشريع تخلق إشكالا كبيرا يتعلق بحرية التعبير.

وشدد على “ضرورة تناول الجانب التشريعي بحذر شديد، حتى لا يكون القانون مدخلا لقمع الحريات فهناك دول تستغل مسألة الحد من الأخبار الزائفة لتقليص حرية التعبير عبر الاعتقالات والسجن”.

نوري اللجمي: الصحافي مطالب بالتثبت من صحة الأخبار لاسترجاع مصداقيته
نوري اللجمي: الصحافي مطالب بالتثبت من صحة الأخبار لاسترجاع مصداقيته

ويعتبر خبراء إعلام أن الأخبار الكاذبة لا تساهم فقط في تضليل الرأي العام بل تشكل تهديدا حقيقا لحرية التعبير، لذلك فإن إشراك الصحافيين في مواجهة التضليل ضرورة لا غنى عنها.

ويرى هؤلاء أن تحرّي الأخبار الكاذبة أو الزائفة أو المشبوهة أصبح مهمة رئيسية لوسائل الإعلام المهنية والجادة، ولا تقل أهمية عن وظائفها التقليدية في نقل الخبر والتعليق، وخاصة منذ بداية انتشار جائحة كورونا، لاسيما في ظل غياب قوانين تنظم النشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

واعتبرت أميرة محمد أن مكافحة الأخبار الزائفة هي عمل موكول للصحافيين الذين يضطلعون بدور رئيسي في تنقية المشهد كاملا من الأخبار الزائفة وتحري ما ينشر في وسائل الإعلام، ولا يمكن ولا يجب بأي حال من الأحوال أن يتم اتخاذ هذه الظاهرة مدخلا أو ذريعة لسن قوانين تحد من حرية التعبير.

وأكد اللجمي أن “الصحافي المحترف مطالب بتحري الأخبار والتثبت من صحتها لاسترجاع مصداقيته، وربط علاقة ثقة مع المتقبل من القراء والمشاهدين”.

وتعددت المبادرات المتعلقة بالتحقق من الأخبار، من بينها مبادرات خاصة مثل مبادرة موقع “نواة” و”بيزنس نيوز” ومنصة “فالصو”، والتي تتحرى الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي.

كما تعاونت “الهايكا” مع مؤسسات الإعلام العمومي في هذا المجال عام 2019 ، بدعم من برنامج الأمم المتحدة للتنمية، وقدمت للصحافيين العديد من برامج التدريب المتعلقة بهذا المجال.

وآخر ما أنتجه هذا التعاون منصة “تونس تتحرى” التي تعلن النقابة الاثنين عن الإطلاق الرسمي لموقعها على الإنترنت.

لكن هذه المبادرات، وإن كانت عملا جيدا، تظل غير كافية للتصدي لموجة الأخبار الكاذبة، وفق أميرة محمد التي اعتبرت أن الأمر يتطلب وجود مسار كامل لدعم صحافة الجودة، ويقتضي إصلاحا شاملا للإعلام يتضمن التركيز على أهمية الوقاية من الأخبار الزائفة ودعم التدريب في مجال التثبت من صحة الأخبار ومقاطع الفيديو والصور في المرحلة القادمة.

Thumbnail

وشددت على ضرورة توعية المواطن بأن مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تكون مصادر للمعلومة والخبر، وأنه يجب الرجوع إلى وسائل الإعلام التي تحظى بمصداقية.

من ناحيته قال اللجمي “إن الأخبار الزائفة، مع الأسف، تسربت إلى بعض وسائل الإعلام التقليدية في العالم وليس في تونس فقط، ما ألحق الضرر بمصداقية الإعلام”.

ومن المقرر أن تصدر “الهايكا”  خلال أسبوعين دليلا للتحقق من الأخبار الزائفة، في إطار متابعة برنامجها للتثبت من الأخبار الزائفة الذي انطلق في 2019 خلال فترة الانتخابات.

واعتبر اللجمي أن تعدد المبادرات يمثل مؤشرا جيدا، لكنه يفرض التنسيق في ما بينها لضمان المزيد من النجاعة على مستوى عملية التحري ولتكريس مصداقية المهنة وديمومتها والحفاظ عليها من مخاطر العزلة وللحيلولة دون توجه المواطنين إلى وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار.

وهو ما يوافق عليه الأكاديمي والباحث في مجال الإعلام الصادق الحمامي، معتبرا أن المبادرات المتعلقة بتحري الأخبار الزائفة لا تكفي، لأن ثقافة التحري في الأوساط المهنية الصحافية ليست قيمة مهنية راسخة بالقدر الكافي “وهذا نتيجة عقود من ممارسة الصحافة باعتبارها نقلا”.

وأكد على أهمية نشر الثقافة الرقمية لدى المواطن حتى يكون واعيا بضرورة استقاء المعلومة من وسائل الإعلام الجادة، وهو ما يستوجب أن تكون للمواطن ثقة في وسائل الإعلام.

وتابع “للأسف، هناك مواطنون اليوم حاقدون على وسائل الإعلام”.

وبين الحمامي عضو مجلس الصحافة أنه “لا يوجد في العالم قانون يتعلق مباشرة بنشر الأخبار الزائفة”، وأن “بعض الدول الديمقراطية، وعددها قليل، (مثل فرنسا) وضعت قانونا لمحاربة الأخبار الكاذبة في فترة الانتخابات، ويتضمن شروطا كثيرة ومدققة، حتى لا تؤدي محاربة الأخبار الزائفة إلى الحد من حرية التعبير”.

وأوضح أن وسائل الإعلام التي تقع في فخ الأخبار الزائفة تخضع للقوانين الصحافية، من ذلك أن نشر الأخبار الزائفة مجرّم بمقتضى الفصل 54 من المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر.

ولفت إلى أن ما تتيحه منصات التواصل الاجتماعي من حرية للتعبير، وما يتسبب فيه السياق الديمقراطي من صراعات واستقطاب أيديولوجي وسياسي، يعدان من أبرز الأسباب التي تقف وراء خلق الأخبار الكاذبة.

18