الأحداث المهمة في حياة الإنسان لا يمكن نسيانها

تخبو ذاكرتنا بسبب التقدم في السن، يصيبها الكسل أو العطب، وربما تتراكم على سطحها طبقة شفافة من الغبار بسبب إهمالنا لها ولأننا لم نعد نهتم باستدعاء أحداث الماضي من بين دهاليزها المظلمة، خوفاً من ذكريات غير سارّة أو تجنباً لآلام قديمة.
الأربعاء 2018/09/26
البيئة الاجتماعية تلعب دوراً فاعلاً في تحفيز ذاكرة المسنين

تؤكد الأبحاث النفسية الخاصة بالذاكرة على أن الأحداث المهمة والمميزة في حياة الإنسان لا يمكن نسيانها أو على الأقل لا يمكن نسيان المشاعر التي رافقتها والملابسات الشخصية التي أحاطت بها.

لا يمكننا مثلاً نسيان اليوم الذي حصلنا فيه على شهادة جامعية أو وظيفة مرموقة، وأيدينا المرتجفة وهي تفضّ مظروف الرسالة التي أسرّت لنا هذه الأخبار، ولا يمكننا أيضاً أن ننسى اللحظة التي أمسكنا فيها سماعة الهاتف بيأس ونحن نستمع إلى أخبار موت قريب أو صديق، خسر معركته مع المرض واستسلم للموت. وفي كل هذه الحالات، قد يتم نسيان الحدث الرئيسي بالتقادم أو تتلاشى الأحداث القديمة بالتدريج، إلا أن مشاعرنا التي رافقتها لا يمكن أن تمحى من ذاكرتنا.

وترى الدكتورة سوزان وايتبورن -أستاذة في قسم علم الشيخوخة في جامعة ماساتشوستش في بوسطن بالولايات المتحدة- أن ذكريات الماضي يمكن أن تصبح مشوهة أو غير واضحة، لكن هناك طريقة لإبقائها حية، فالذكريات بعيدة المدى يمكن استدعاؤها في ذاكرتنا، خاصة إذا كانت المشاعر التي رافقتها مرتبطة بأشخاص شاركونا فيها.

وأوضحت قائلة “أي أنها غير موجودة في ذاكرتنا بتحريض من وعي فردي وإنما لارتباطها بأشخاص معينين يمكن أن يتسبب وجودهم ثانية باستدعاء هذه الذكريات، حيث يقوم الأشخاص الذين شاركوا نفس الحدث في الماضي بتطوير ذكريات متداخلة من هذا الحدث، على الرغم من حقيقة أن الناس يميلون عادة إلى التحيز الإيجابي في الذاكرة بصورة انتقائية ربما، الأمر الذي يسمح بإبعاد التفاصيل غير السارة في الخلفية”.

أما النسيان فهو تدهور سلبي يحدث في الذاكرة على مدى طويل، طالما لا تتم ممارسة المادة المتعلمة بشكل مستمر مع وجود عوامل أخرى تؤدي إلى ضياع المعلومات، في حين أن ضعف الذاكرة الخفيف وكذلك هبوط مستوى المعرفة والإدراك الذي يحدث ببطئ وبصورة تدريجية قد يكونان طبيعيين لدى كبار السن، بينما يكون فقدان الذاكرة الشديد ناجماً عن تغيرات مرضية في الدماغ لديهم، فيكون التمييز بين الأمرين بواسطة فحوصات خاصة للذاكرة.

وتؤكد وايتبون على أن من أكثر القدرات المعرفية التي يتراجع عملها بسبب ضعف الذاكرة، هي القدرة على الاسترجاع، بينما لا تتأثر القدرة على التعرف كثيراً بالتقدم في السن.

المسنون الذين ينخفض نشاطهم البدني على مدى مدة طويلة، يصيبهم قدر أكبر من تدهور المهارات الإدراكية

ويعزى تدهور الذاكرة المرتبط بالسن إلى تدهور سرعة العمليات أو وظائف الفص الأمامي للدماغ. مع ذلك، فإن البيئة الاجتماعية تلعب دوراً فاعلاً في تحفيز ذاكرة المسنين؛ حيث أثبتت البحوث أن أداء كبار السن المقيمين في دور المسنين، على اختبارات الذاكرة، كانت أقل جودة من أداء المسنين المقيمين في منازلهم ومع ذويهم، كما أنه كلما ازدادت المثيرات التي يتعامل معها المسن وتنوعت كان هذا أفضل لنمو وتحسن أداء ذاكرته.

وكانت الدراسات الخاصة بالذاكرة قد حققت تقدما كبيرا امتد من خلال نظريات تركزت حول بنية الذاكرة وآلياتها، إلى دراسات تناولت الذاكرة كعمليات ومعالجات. لذلك، ظهرت أطر نظرية جديدة ركزت على الدور المهم للذاكرة في عملية معالجة المعلومات ونظرت إلى الذاكرة العاملة بوصفها مكونا أساسيّا من مكونات الذاكرة الإنسانية، وهي عبارة عن نسق من العمليات تشكل الاحتفاظ النشط بالمعلومات المتصلة بمهمة أثناء أداء مهام معرفية كحل المشكلات وفهم اللغة والتفكير المكاني والتعلم. ويحتاج الأفراد إلى أداء مهام معرفية عدة للاحتفاظ بالمعلومات في مخزن مؤقت.

وتماثل المعلومات التي تدخل إلى مخزن الذاكرة بعيدة المدى، أي كتاب جديد يدخل إلى مكتبة؛ حيث يتم تنظيم المعلومات وفهرستها بالشكل الذي يمكننا من استرجاعها متى احتجنا إليها. هذه الذاكرة تتألف من مخازن صغيرة فرعية يرتبط كل منها بجهاز ذاكرة منفصل موجود في دماغ الإنسان.

ولعل أكثر هذه التفرعات أهمية من حيث النسيان والفقدان، هي الذاكرة الشخصية؛ وهي تختص بالمعلومات ذات العلاقة بتفاصيل السيرة الشخصية لحياة الإنسان؛ كيوم تخرجه من الجامعة ويوم زواجه أو يوم وفاة شخص عزيز، حيث تمتلك تفاصيل مدهشة لتذكرنا بأحداث مهمة وقعت على مدار سنين حياتنا سواء في الزمن القريب أو البعيد، كما أنها تحافظ على تسلسل الأحداث في الترتيب الذي حدثت فيه.

وأشار باحثون أميركيون في دراسة أنجزت عام 2005، إلى أن الفحوص التي أجريت على المخ تظهر أن التقنيات المتعارف عليها لتنشيط الذاكرة مثل مخالطة الآخرين ذات جدوى. وعلى الرغم من أن كبار السن يجدون صعوبة في تعلم أشياء جديدة ويعانون من سرعة النسيان، إلا أن بوسعهم إعادة التدرب على استخدام أمخاخهم بصورة أكثر فاعلية.

وأشار راندي بوكنر -اختصاصي المخ في جامعة واشنطن- الذي أشرف على الدراسة إلى أن كبار السن يميلون إلى التقليل من استخدام مناطق أمامية معينة في المخ لها أهمية بالنسبة للذاكرة، تتضمن هذه المناطق قشرة الجبهة المرتبطة بالوظائف العليا، مثل المهام الجديدة التي تتطلب براعة فائقة واهتماماً حذراً. كما أن التقدم في السن يصاحبه تناقض في القدرة على استيعاب معلومات لفظية واستعادتها، وتضارب في القدرة على استعادة بيانات ذات طبيعة مكانية.

إضافة إلى ذلك، فإن المداومة على النشاط البدني في مرحلة الشيخوخة تساعد على الاحتفاظ بالحيوية والقدرة العقلية، إذ أن الرجال المسنين الذين تنخفض فترة أو كثافة مستوى نشاطهم البدني على مدى مدة طويلة، قد تصل إلى عشر سنوات، يصيبهم قدر أكبر من تدهور المهارات الإدراكية، كالقدرة على الانتباه والتذكر، والمهارات اللغوية، مقارنة بالآخرين الذين يحافظون على كثافة نشاطهم البدني مثل المشي، وقيادة الدراجات، وممارسة الرياضة، والعناية بالحديقة، والقيام بأعمال يدوية خفيفة إضافة إلى ممارسة الهوايات.

21