الأجهزة الرقمية تهدد بأجيال من ضعاف البصر

دول الأسواق الناشئة تملك أكبر عدد من السكان المصابين بقصر النظر.
الأحد 2020/01/12
أجيال الشاشات مهددة بوباء قصر النظر

قضاء بعض الوقت يوميا في الهواء الطلق يمكن أن يساهم في تقليص الساعات التي يقضيها الناس أمام شاشات الكمبيوتر أو الأجهزة الذكية، إضافة إلى أنه يساهم في الحصول على المزيد من الضوء الطبيعي الذي قد يساعد في المحافظة على العيون ويمنع اختلال وظيفتها.

انتشرت المعاناة من قصر النظر بشكل وبائي حول العالم، وهو ما ينذر بمجموعة من المخاطر والمتاعب التي ستؤثر على صحة الأجيال ورفاهيتها مستقبلا.

وعلى الرغم من العلاقة غير الواضحة بين الأجهزة الرقمية وضررها على العيون، إلا أن الخبراء يحذرون من أن قضاء وقت أطول في الشاشات مرتبط بمشاكل ضعف البصر.

ويرجح الخبراء أن التعرض لإضاءة الهواتف وأجهزة الكمبيوتر، إضافة إلى الشاشات المسطحة، يمكن أن يؤدي إلى ضرر كبير، لكن على المدى الطويل.

وتقول دراسات طبية حديثة إن نصف سكان العالم، وبحلول الـ30 عاما القادمة، سيعانون من قصر النظر، الذي سيتحول إلى وباء عالمي في عام 2050، حيث سيتزايد عدد المصابين بهذا الاضطراب البصري بنحو 2.8 مليار شخص عما كان عليه عدد المصابين في عام 2010.

وفي الوقت الذي تواصل فيه معدلات الإصابة بقصر النظر في الارتفاع، بدأت الدوائر العلمية في تسليط الضوء على مخاطر الإفراط في مشاهدة التلفزيون واستخدام الأجهزة الإلكترونية، التي تجبر الناس على المكوث لساعات طويلة يوميا في الأماكن المغلقة، ما يحرمهم من الفوائد الصحية الكثيرة التي تحتاجها أعينهم عندما يمضون حيزا من الوقت في الهواء الطلق ويتعرضون لأشعة الشمس.

ويصاب المرء بقصر النظر، أو “الميوبيا”، عندما لا تستطيع العين التركيز بشكل طبيعي مما يجعل الأجسام البعيدة تبدو ضبابية.

وربطت البعض من الأبحاث بين قصر النظر وارتفاع نسبة خطر الإصابة بانفصال الشبكية والتنكس البقعي وعتامة العين (ظهور الماء الأبيض في العين) وكذلك مرض الغلوكوما (أو ظهور الماء الأزرق في العين).

ويقول خبراء العيون إن الشخص يمكن أن يعاني من قصر النظر إذا كانت الرؤية لديه مشوشة في ما يبعد عنه مسافة مترين، وهو غالبا ما ينتج عن استطالة مفرطة لمقلة العين.

قلة الضوء

رغم أن الإصابة بقصر النظر تعتبر عادة من الأمراض الوراثية، لكن الأبحاث الجديدة كشفت عن جملة من العوامل تساهم في الإصابة به ومنها؛ تمضية أوقات طويلة أمام شاشات الأجهزة التكنولوجية، وقلة الضوء المتاح في الفضاءات المغلقة.

وبينت الأبحاث الحديثة أن الوقت الذي يقضيه المستخدمون أمام منصات التواصل الاجتماعي على مستوى العالم ارتفع بنحو 60 بالمئة في المتوسط على مدى السنوات الأخيرة.

وحللت مؤسسة “غلوبال ويب إندكس” البحثية في لندن بيانات من 45 من أكبر دول العالم في “أسواق الإنترنت”، ورأت أن الوقت الذي يكرسه كل شخص لمواقع التواصل الاجتماعي أو تطبيقاتها ارتفع من 90 دقيقة يوميا عام 2012 إلى 143 دقيقة في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019. وثمة تفاوت كبير في الاستخدام على المستويين الإقليمي والوطني: ففي أميركا اللاتينية، حيث أكبر عدد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي عالميا، يبلغ متوسط الوقت المنقضي يوميا 212 دقيقة.

وفي المقابل، فإن المعدل الأدنى إقليميا في الوقت المنقضي على وسائل التواصل الاجتماعي هو في أميركا الشمالية 116 دقيقة.

كلما كانت الفئة العمرية للسكان في دولة ما أصغر سنا ازداد بها معدل الوقت المنقضي في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي

ويتصدر الفلبينيون قائمة الشعوب التي تقضي أكثر الأوقات على وسائل التواصل الاجتماعي، بمعدل 241 دقيقة يوميا، مقارنة بـ45 دقيقة فقط في اليابان.

ويقضي المستخدم العادي في الصين الآن على مواقع التواصل الاجتماعي 139 دقيقة يوميا، بزيادة 19 دقيقة مقارنة بعام 2018.

أما في السعودية فقد ازداد معدل زمن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بـ14 دقيقة، وفي تركيا كانت الزيادة بـ13 دقيقة.

ولاحظت الدراسة أن المراهقين والشباب يقضون أوقاتا أكثر من غيرهم يوميا على الإنترنت، وبحسب مؤسسة غلوبال ويب إندكس، فإن هذه الفئات استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي يوميا بمعدل 180 دقيقة على الأقل عام 2018.

وكلما كانت الفئة العمرية للسكان في دولة ما أصغر سنا، ازداد بها معدل الوقت المنقضي في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ولهذا فإن دول الأسواق الناشئة تتصدر هذا المضمار.

ويبدو أن ارتفاع مدة الوقت المنقضي في تصفح شاشات الأجهزة والهواتف الذكية يضع المزيد من الضغوط على العين، وقد تنجم عنه في بعض الأحيان الإصابة بقصر النظر، وأيضا صعوبة في أن تُجمِّع العدسة الصورة على الشبكية.

مشاهدة طويلة الأمد

العلماء يعتقدون أن هناك مادة كيميائية تسمى دوبامين هي التي يمكن أن يكون لها دور هام في هذا الأمر، حيث إن التعرض لضوء الشمس يزيد من مستويات هذه المادة في العين، ويبدو أن هذه المادة تمنع استطالة مقلة العين
التعرض لضوء الشمس يزيد من مستويات مادة دوبامين في العين، ويبدو أن هذه المادة تمنع استطالة مقلة العين

قال جون أوهاجان، مدير مجموعة الليزر وقياس الإشعاعات البصرية في مؤسسة الصحة العامة بإنجلترا في تشيلتون بالمملكة المتحدة، “حتى تحت ظروف مشاهدة طويلة الأمد ليس هناك دليل على أن المصابيح منخفضة الطاقة والكمبيوتر والهواتف المحمولة التي قيمناها لا تمثل أي قلق على الصحة العامة”.

وفي دورية العيون “آي” أشارت الأبحاث إلى أن أنواع الضوء التي تتعرض لها عين الإنسان تتغير مع تزايد استخدام الكمبيوتر والهواتف والمصابيح منخفضة الطاقة مثل الفلورسنت والصمام الثنائي الباعث للضوء (الليد).

ومقارنة بالمصابيح الوهاجة التقليدية، فالشاشات الإلكترونية والمصابيح منخفضة الطاقة تميل إلى إصدار ضوء أزرق أكثر، والذي عرف منذ وقت طويل بأنه ضار بالقرنية.

وفي السنوات الأخيرة شهد العالم ارتفاعا كبيرا في عدد الإصابات بحالات قصر النظر حول العالم، وخاصة في دول شرق آسيا التي سجلت أعلى المعدلات، ما دفع العلماء في تلك الدول إلى إثارة مخاوف أكبر بشأن الأجهزة الإلكترونية.

وتتراوح نسبة من يحتاجون إلى ارتداء نظارات في أوروبا والولايات المتحدة ما بين 30 إلى 40 بالمئة من مجموع السكان، وهي نسبة ترتفع إلى نحو 90 بالمئة في بعض الدول الآسيوية.

ويقول جيل رونار، المدير العلمي في الجمعية الفرنسية لطب العيون “المنطقتان اللتان تشهدان أكبر نسبة من المصابين بقصر النظر في العالم هما منطقة الشرق الأقصى ومنطقة البحر المتوسط، وهما الإقليمان اللذان طورت فيهما الحضارات أولا الكتابة وصوغ الحلي الذهبية. وفي كلا الحالتين يحتاج الأمر إلى النظر عن قرب”.

ومن المرجح أن تستمر مستويات قصر النظر في الارتفاع مستقبلا، جراء العوامل المرتبطة بالبيئة المعاصرة التي أصبح الناس فيها موجودين بشكل متواصل على الإنترنت، ما ساهم بشكل كبير في تدهور قدرات الإبصار لدى الملايين من الناس.

ويمكن للكشف المبكر أن يلعب دورا مهما في علاج مرض قصر النظر وحتى الشفاء منه، ولكن الأهم من هذا كله أنه بإمكان المرء التعرض لضوء النهار ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات في اليوم، ما قد يساعد على إحداث توازن في الرؤية والحفاظ على صحة العين.

وترى أنغريت دالمان نور، استشارية طب العيون في مستشفى مورفيلدز للعيون في لندن، أن نقص الضوء الطبيعي ربما يكون السبب الرئيسي لـ”وباء” قصر النظر.

وقالت “يبدو أن العامل الرئيسي هو عدم التعرض لأشعة الشمس المباشرة، لأن الأطفال الذين يدرسون كثيرا والذين يستخدمون بكثرة أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف الذكية أو أجهزة الكمبيوتر اللوحية لا يخرجون كثيرا من منازلهم كما أنهم أقل عرضة لأشعة الشمس، وبسبب ذلك يبدو أنهم أكثر عرضة لتطور الإصابة بقصر النظر”.

معضلة العصر

أنواع الضوء التي تتعرض لها عين الإنسان تتغير مع تزايد استخدام الكمبيوتر والهواتف والمصابيح منخفضة الطاقة مثل الفلورسنت والصمام الثنائي الباعث للضوء (الليد)
أنواع الضوء التي تتعرض لها عين الإنسان تتغير مع تزايد استخدام الكمبيوتر والهواتف والمصابيح منخفضة الطاقة مثل الفلورسنت والصمام الثنائي الباعث للضوء (الليد)

يعتقد العلماء أن هناك مادة كيميائية تسمى دوبامين هي التي يمكن أن يكون لها دور هام في هذا الأمر، حيث إن التعرض لضوء الشمس يزيد من مستويات هذه المادة في العين، ويبدو أن هذه المادة تمنع استطالة مقلة العين.

كما أن الأضواء المستخدمة داخل المباني تميل إلى أن تكون أكثر حمرة من أشعة الشمس، ويؤدي هذا التباين إلى إرباك الآليات التي تتحكم في حركة مقلة العين.

ويقول تشي لو، من جامعة ملبورن، “هذا الاختلاف يجعل العين تشعر بأنها لا تركز على المكان الأمثل بالنسبة إليها، ولذا يتعين عليها أن تتمدد بشكل أكبر لتعويض ذلك”.

وقد اكتشف تشي لو أن الصيصان التي ربيت في مكان يغمره الضوء الأحمر كانت أكثر عرضة للإصابة بقصر النظر، مقارنة بتلك التي رُبيت في أماكن تصطبغ فيها الأشياء باللونين الأزرق أو الأخضر.

ومن خلال التجربة التي أجراها تشي لو على صغار الدجاج، وجد أن من شأن إبقاء تلك الطيور الصغيرة بضع ساعات يوميا تحت مصباح أزرق، إزالة الأضرار التي حلت بقدرتها على الإبصار جراء المكوث تحت الضوء الأحمر، بل إن استخدام هذه الطريقة يؤدي إلى إعادة هذه القدرة إلى سيرتها الأولى.

ويبدو أن الهواء الطلق أكثر فائدة من ذلك بكثير، فالأشياء الموجودة في الخارج عادة ما تكون متباعدة المسافات، وهو ما من شأنه أن يوفر رؤية أوضح، تساعد العين على تنظيم حركتها وتمنع تمدد مقلتها، ومن المؤكد علميا أن البشر إذا ما عادوا إلى بيئتهم الطبيعية غير المقيدة بجدران، فإنهم لن يعانوا من قصر النظر.

17