الأتمتة فرصة الموهوبين لاقتناص وظائف جديدة

رغم المخاوف، ستشهد الاقتصاديات الناشئة استحداث الملايين من الوظائف، التي سيوفرها الذكاء الاصطناعي، محررا البشرية من عبودية مهام هيمنت على حياتنا طويلا، فاتحا المجال أمام الموهوبين للانخراط في سوق العمل.
لندن – بات واضحا أن الذكاء الاصطناعي قادر على فتح الباب لاستحداث الملايين من الوظائف الجديدة، خاصة في الاقتصاديات الناشئة، وفي قطاعات التطوير التقني، ومجالات الخدمات التخصصية. وهو إلى جانب ذلك يحرر البشرية من عبودية هيمنت على حياتنا طويلا، فاتحا المجال أمام الموهوبين والمبدعين للانخراط في سوق العمل. فضلا عن إيجابيات الذكاء الاصطناعي في تحسين ظروف الحياة ومكافحة الأمراض ورفع مستويات الرعاية الصحية.
مزاحمة الأتمتة
لم يعد موضوع الذكاء الاصطناعي وأهمية الدور الذي يلعبه في اقتصاد الدول محل جدل، بعد أن أثبتت الروبوتات وخوارزميات الذكاء فاعليتها الكبيرة في التصنيع وتجارة التجزئة والخدمات المصرفية والتأمين، إلى جانب دورها في منصات الاستثمار والإقراض، حيث باتت الخوارزميات المتطورة قادرة على اتخاذ قرارات خلال دقائق، بينما يحتاج البشر أياما لاتخاذها.
وتغزو الروبوتات مساحات العمل التقليدية، مؤدية مهام العمل أسرع من العامل البشري وبكفاءة أكبر، ودون ارتكاب أي أخطاء. ووفقا لمسح أجرته شركة “كيه.بي. أم.جي” الهولندية عام 2019، يرى نحو 75 في المئة ممن استطلعت آراؤهم من مدراء، أن ما يصل إلى نصف القوى العاملة الحالية سوف يتأثر مستقبلا باعتماد تقنيات الأتمتة الذكية.
ويتوقع خبراء، رغم مخاوف خسارة العمالة البشرية لوظائفها في ظل مزاحمة الأتمتة والذكاء الاصطناعي لها، أن تشهد الأعوام المقبلة تكاملا متزايدا بين البشر والروبوتات، ما يشكل قوة عاملة هجينة جديدة؛ إذ يتيح العمال الرقميون للبشر وقتا أكبر لإدارة الوظائف المعقدة من خلال تولي المهام الروتينية. وستعمل القوة العاملة الهجينة الجديدة على تقليل التكاليف وتحسين الكفاءة وإطلاق منتجات وخدمات أفضل.
وبعد أن أصبحت التقنيات الحديثة جزءا هاما في حياتنا اليومية، وبوابة لمجتمعاتنا المستقبلية، بات تأثير الأتمتة وخوارزميات الذكاء الاصطناعي واضحا في الاقتصاد، سواء من ناحية الثروة الفردية أو التغيرات المالية الأوسع نطاقا.
ولا يخفي الكثير من خبراء التقنية مخاوفهم من تنامي اعتماد البشرية على الأتمتة وخوارزميات الذكاء الاصطناعي وتطوير التعلم العميق للآلات، وصولا إلى مرحلة غير مسبوقة يهيمن من خلالها على المجتمعات، ليحل مكان البشر في الوظائف، إلا أن علماء وصناع قرار آخرين يرون أن اختفاء قدر كبير من الوظائف، تقابله بوادر ومؤشرات على رفاهية الإنسانية ورخاء المجتمعات.
ومن المرجح أن يستحدث الذكاء الاصطناعي الملايين من الوظائف الجديدة خاصة في الاقتصاديات الناشئة، وفي قطاعات التطوير التقني، ومجالات الخدمات التخصصية، ويحرر البشرية من عبودية هيمنت على حياتنا طويلا، فاتحا المجال أمام الموهوبين والمبدعين للانخراط في سوق العمل، فضلا عن إيجابيات الذكاء الاصطناعي في تحسين ظروف الحياة ومكافحة الأمراض ورفع مستويات الرعاية الصحية.
وينصح خبراء بضرورة الاستعداد لتغيرات أكبر قريبا، إذ أن الذكاء الاصطناعي الذي يعمل من جهة على حل مشكلة التفاوت ويحسن جودة الحياة للأفراد والشركات والحكومات، قد يحمل معه في المقابل نتائج عكسية تماما، إن طُبِّقَ بصورة خاطئة أو أسيء استخدامه.
التنبّؤ باتجاه الأسواق
ورجح تقرير صدر مؤخرا أن يشهد سوق برمجيات الذكاء الاصطناعي نموّا يصل إلى خمسة أضعاف قيمته الحالية ليصل إلى 126 مليار دولار بحلول العام 2025.
وكان العالم قد شهد مؤخرا نموا في حجم البيانات وتعقيدها أجبر الشركات، في مختلف القطاعات، على الاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز نموها، وسط توقعات تقول إن عاملا من بين كل خمسة عمال سيعتمد في أداء الوظائف غير الروتينية على الذكاء الاصطناعي ولو جزئيا، ويُرجّح محللون أن يستمر هذا التوجه على مدى الأعوام القادمة، في ظل ارتفاع القيمة السوقية لبرمجيات الذكاء الاصطناعي.
ويساعد الذكاء الاصطناعي، باستخدام الأتمتة والتعلم العميق للآلات ومعالجة اللغات الطبيعية، في انسياب العمليات التجارية، وفي صنع القرار والتنبؤ بتوجه الأسواق، محدثا ثورة مهدت الطريق أمام الشركات لتحسين كفاءتها وجودتها وسرعتها.
واستثمرت كبرى شركات التقنية في العالم، في السنوات الأخيرة، مبالغ كبيرة على عمليات استحواذ وبحث وتطوير مرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وقدمت شركات، مثل آي.بي.أم ومايكروسوفت وغوغل الأميركية وسامسونغ الكورية، الآلاف من الطلبات لتسجيل براءات اختراع تتعلق بمجال الذكاء الاصطناعي، في حين تجذب الشركات الناشئة التي تعمل على تطوير برمجيات خوارزمية استثمارات بالمليارات من الدولارات كل عام.
وحسب بيانات أميركية فاقت قيمة صناعة برمجيات الذكاء الاصطناعي العالمية 10 مليارات دولار في العام 2018، وتضاعفت القيمة السوقية لها لتتجاوز مبلغ 22 مليار دولار خلال العامَيْن الماضيَيْن. ومن المتوقع أن تشهد الأعوام القليلة المقبلة نموّا ملحوظا في صناعة برمجيات الذكاء الاصطناعي بأكملها، مع ارتفاع القيمة السوقية بأكثر من خمسة أضعاف بحلول العام 2025.
وأشارت الدراسات نفسها إلى هيمنة الولايات المتحدة على صناعة برمجيات الذكاء الاصطناعي في العالم، وسط توقعات بتجاوز حجم سوق أميركا الشمالية 10 مليارات دولار هذا العام، وأن يستمر في النمو ليقارب 52 مليار دولار في الأعوام الخمسة المقبلة.
وصُنِّفت منطقة آسيا كثاني أكبر سوق لصناعة برمجيات الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم بقيمة تجاوزت 6 مليارات دولار. ويُرجّح نمو هذا الرقم خمس مرات ليبلغ 33 مليار دولار بحلول العام 2025. ويُتوقَّع أن تقفز السوق الأوروبية، ثالث أكبر سوق على مستوى العالم، من 5 مليارات دولار في العام حاليا لتصل إلى خمسة أضعاف قيمته الحالية في العام 2025.