الآيس كريم أفضل

حب الآيس كريم ليس وليد تلك اللحظات التي خطفتها الكاميرا عند دخول المسلحين إلى العاصمة، وإنما هو قديم، وقد يكون من الأشياء القليلة التي كان يتحد حولها الأفغان خلال السنوات الماضية.
الخميس 2021/08/19
رائحة الآيس كريم أفضل بكثير من رائحة البارود

دخل مقاتلو طالبان العاصمة كابول كما لو كانوا في رحلة مرح صيفية، مشاهد الفيديو التي تم تناقلها على شاشات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي كانت طريفة وظريفة ولطيفة: مسلحون لم يغتسلوا بعد من غبار المواجهة يعلقون بنادقهم على أكتافهم، ويتناولون الآيس كريم بمختلف النكهات المستوردة، وفي عيونهم لمعة البهجة والإعجاب، فللحياة وجه آخر يمكن أن يكون بديلا رائعا عن الحرب وسفك الدماء.

حب الآيس كريم ليس وليد تلك اللحظات التي خطفتها الكاميرا عند دخول المسلحين إلى العاصمة، وإنما هو قديم، وقد يكون من الأشياء القليلة التي كان يتحد حولها الأفغان خلال السنوات الماضية، وربما منذ أن ركز أحمد فايزي شبكته لصناعة المثلجات في العام 2004 وأطلق عليها اسم “هرات للآيس كريم”، فبمبلغ 500 ألف دولار أحضر آلات وفنيين من باكستان، وبدأ العمل بقوة داخل بلد ثلثا سكانه لا تتجاوز أعمارهم 25 عاما.

نجح فايزي في تقديم كل أنواع المثلجات بمختلف المنكهات من الشكولاتة إلى البرتقال والفانيليا والفستق والفراولة والقهوة وغيرها، وراجت بضاعته في كامل البلاد، واقتحم بها معاقل طالبان التي كان مقاتلوها وأنصارها يقبلون عليها بشغف جارف، والمناطق التي ليس بها سلطة أو قانون كانت شاحنات الآيس كريم تدخلها بأمان. لم يكن الأمن هاجسا يشغل بال سائقي تلك الشاحنات وهي تشق الطرقات المحفوفة بالمخاطر، فلا أحد يعترض سبيلها، وإن حدث ذلك فمن أجل الحصول على مخروط مقابل دفع ثمنه.

تنتج شركة فايزي أكثر من 50 طنا من المثلجات يوميا، ويتولى أسطول الشاحنات نقلها من هرات غربي أفغانستان إلى المدن والقرى على امتداد خارطة البلاد حيث تتولى المحلات التجارية والبائعون الجائلون ترويجها، لقد تحولت تلك التجارة إلى ظاهرة اجتماعية وثقافية يتعامل معها الناس بأجواء احتفالية، بل وأصبحت جزءا من مناسباتهم السعيدة.

Thumbnail

الأمر لا يتعلق بحرارة أو برودة الطقس في بلد متطرف المناخ ولاسيما شتاء، وإنما بعشق للآيس كريم.

اليوم يتجاوز التقييم المالي لشركة هرات للآيس كريم 20 مليون دولار، وفوق ذلك باتت رمزا لتوافق شعبي حول شيء ما في بلد حاد الانقسام عرقيا وطائفيا وثقافيا وسياسيا وقبليا وجهويا ومناطقيا، لكن في الوقت ذاته هناك مصانع أخرى بدأت تنتشر، وهناك منافسة حادة من قبل المثلجات المستوردة ولاسيما من الجارتين إيران وباكستان.

قبل أيام استسلم إسماعيل خان المعروف باسم أسد هرات ورجلها القوي لطالبان بعد أن كان عدوها اللدود والحاكم بأمره في المدينة المتاخمة للحدود مع إيران، وفي الأثناء كان رجل من هرات لا خلاف له مع طالبان أو غيرها، هو أحمد فايزي رجل الحلوى والمثلجات الذي كان يعتقد دائما أن رائحة الآيس كريم أفضل بكثير من رائحة البارود.

24