الآثار المصرية إلهام تلقفه الشعراء والمبدعون العرب والأجانب

تحضر حضارة مصر القديمة بشكل لافت في الأعمال الأدبية والفنية على اختلافها، إذ تعتبر اليوم واحدة من الرموز البشرية الخالدة والراسخة في وجدان كل فرد أيا كان انتماؤه. وقد أثّرت هذه الشواهد التاريخية في العديد من الشعراء والكتاب والفنانين، وهو ما يدعونا للوقوف على أهميتها.
القاهرة - أثارت المعالم الأثرية التي شيّدها قدماء المصريين قبل آلاف السنين، خيال كثير من الكتاب والأدباء والرحّالة والمستشرقين على مدار قرون مضت وحتى اليوم.
وكانت وما تزال تلك المعابد والمقابر والأهرامات المصرية القديمة في الجيزة والأقصر وأسوان وما ارتبط بها من حكايات وأساطير، موضوعاً للكثير من الروايات والقصص والقصائد والأعمال السينمائية والدرامية على المستويين العربي والعالمي.
الكتابة عن طيبة
احتلت الآثار المصرية مساحات كبيرة من مؤلفات الرحّالة والمؤرخين، وكما يقول الشاعر والمترجم المصري الحسين خضيري، فإن مدينة الأقصر – التي كانت تحمل اسم طيبة وظلت لقرون عاصمة لمصر القديمة - لم تغب عن عيون وأخيلة الشعراء والأدباء والرحالة والمستشرقين، انطلاقا من هوميروس الذي وصفها في إلياذته الشهيرة، وامتد تأثر الشعراء العالميين بالمدينة التي كتبوا عنها الكثير، وما زالت قرائحهم تستلهم عبق التاريخ فوق أرض طيبة.
وتقرأ فوق جدران المقابر والمعابد آيات الشموخ والخلود، بداية من شيلي رفيق كيتس واللورد بيرون واحد من أشعر الرومانسيين الإنجليز، الذي صاغ الكثير من القصائد لطيبة ومنها قصيدة أوزيماندياس، ونجد تيريزا هولي الشاعرة الإنجليزية التي عشقت مصر وكتبت عن أرض طيبة ومجدها، والشاعر الأميركي هنري آبي الذي وصف النيل والنخيل وطيبة ومعابدها في قصيدة طويلة بعنوان “تعبر النيل”، وكذلك الشاعر الإنجليزي بريان وولر بركتر.
أهرامات الجيزة كانت صاحبة الحظ الأوفر مما قيل في الآثار من الشعر العربي لكن هناك آثار أخرى ملهمة
ويلفت خضيري في تصريحات له إلى أن الشاعر الإنجليزي نيكولاس ميشال عاشق الممالك القديمة، كتب عن طيبة بهيام لا نظير له عدة قصائد.
وينوّه إلى أن طيبة العتيقة وآثارها العريقة مثل تمثالي ممنون اللذين ألهما الكثيرين من الشعراء والأدباء، ومعبد الكرنك، ووادي الملوك، ومقبرة الملك سيتي الأول وغير ذلك من الآثار التي مثّلت مصدر إلهام لكثير من أدباء وشعراء الغرب.
ويشير الشاعر والمترجم المصري إلى أن شعراء العصر الفيكتوري كتبوا عن طيبة أيضًا، ومنهم جوزيف إيليس صاحب جماعة برايتون الأدبية، وكتب عنها ريتشارد ميلنيس أول لورد لمدينة هوتون الإنجليزية، وكان عضوا في البرلمان الإنجليزي، إضافة إلى الشاعرة والروائية الإنجليزية فلورنس مارغريت، التي لم تستطع مقاومة سحر تمثالي ممنون اللذين ألهماها قصيدة رائقة.
وكذلك كتب الشاعر الكندي مايكل ويليام قصيدته “الأقصر” وكتب أيضاً دون مانويل إكاكينو الشاعر والروائي النيجيري عن شمس الأقصر.
أما الشاعر والمسرحي الأميركي كيل يانج رايس فقد كتب عن معبد الرامسيوم، كما كتب الشاعر والكاهن والمعلم والمؤرخ الإنجليزي آرثر وينتورث هاميلتون إيتون.
عن “طيبة” و”الكرنك” و”وادي الملوك” كتب الأديب والشاعر الإنجليزي نيكولاس ميشال بعضا من قصائده، وننقل عنه تلك القصيدة التي كتبها متأثراً بمشاهدته لتمثال ممنون في البر الغربي من مدينة الأقصر (طيبة القديمة) وترجمها الشاعر والمترجم الحسين خضيري في كتابه “الأقصر في الشعر والفن العالميين”:
نَعبُرُ النيل/ باليا يبدو/ كبرج شاهق/ تمثال ممنون الضخم أنهَكَتْهُ السنون التي لا تعد/ توقَّفَ العَرَبُ/ شاحبي الوجوه/ كي يمسحوا جَبينَه الأبي/ ويصغوا للموسيقى/ المنبعثة منه.
مصدر إلهام
يورد لنا الكاتب أحمد أحمد بدوي في كتابه “الآثار المصرية في الأدب العربي”، أن الآثار المصرية مصدر إعجاب الناس في القديم والحديث، وأن الجاحظ وغيره قالوا إن عجائب الدنيا ثلاثون أعجوبة، عشر منها بسائر البلاد والعشرون الباقية بمصر؛ وهي: الهرمان، وهما أطول بناء وأعجَبُه، ليس على الأرض بناء أطول منهما، وإذا رأيتهما ظننت أنهما جبلان موضوعان.
وبحسب بدوي فإن أهرامات الجيزة كانت صاحبة الحظ الأوفر مما قيل في الآثار من الشعر العربي، وأن جلال الدين السيوطي المتوفي سنة 911 هجرية، جمع في كتابه “حسن المحاضرة” الآراء التي قيلت في الأهرامات قبله، ومقدار ما كان من اختلاف في الرأي حول الوقت الذي بنيت فيه، وحول بانيها، والهدف الذي أنشئت من أجله.
وبحسب كتاب “الآثار المصرية في الأدب العربي”، فإن ما قيل من شعر في الأهرامات، يظهر وقع تلك الآثار في نفوس الشعراء، وما حملوه لها من الإكبار والإجلال.
الشاعر الإنجليزي نيكولاس ميشال عاشق الممالك القديمة، كتب عن طيبة بهيام لا نظير له عدة قصائد
ومما قيل في ذلك السياق قول أحد شعراء العرب: “حَسَرَت عقول أولي النُّهى الأهرام/ واستصغرت لعظيمها الأجرام/ ملس موثقة البناء شواهق/ قصرت لعالٍ دونهن سهام/ واستعجمت لعجيبها الأوهام/ لم أدر حين كبا التفكُّر دونها/ أقبور أملاك الأعاجم هن أم/ هذي طلاسم رمل أم أعلام؟”.
كما كان تمثال أبي الهول موضوعا للعديد من القصائد والكتابات في كتب الرحالة والمستشرقين والأدباء، ولعل خير قصيدة قيلت في أبي الهول هي قصيدة كتبها أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي تحدث فيها عن طول بقاء أبي الهول، حتى جعله قد ولد مع الدهر، وبرغم بلوغه في الأرض أقصى العمر، وما مر عليه من عصور متطاولة، لا يزال أبوالهول كما كان في أول العهد به.
وكانت عناية المصريين القدماء بمقابرهم من ناحية حفرها في أعماق الصخور مثار تفكير عميق، ومصدر إلهام تلقفه الشعراء العرب كما تلقفه الشعراء الأجانب، وكان أمير الشعراء أحمد شوقي من بين من أعجبوا بتلك المقابر بوجه عام، وبمقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون بوجه خاص، حيث ظفرت مقبرة توت عنخ آمون بعناية “شوقي” وإبداعه وخاصة ما وجد بها من آثار حازت إعجاب العالم أجمع عند الكشف عنها بواسطة المستكشف البريطاني هيوارد كارتر.