الآباء لا يلومون أبناءهم على نتائجهم الضعيفة بل يلومون المدرسين

يجد الآباء أنفسهم أمام مهمة شاقة في البحث عن أسباب تدني مستوى أبنائهم الدراسي فيحمّلون المدرسين مسؤولية تراجع درجاتهم. ويرجعون ذلك إلى أن الجيل الجديد من المربين تم انتدابهم دون تكوين أو اختبار شامل أو دورات تدريبية ما أدى إلى ضعفهم تعليميا. وعرف النظام الدراسي في تونس انهيارا في السنوات الأخيرة زاد من حدته اعتماد نظام الأفواج الذي فرضته جائحة كورونا.
يلقي معظم الآباء مسؤولية تراجع درجات أبنائهم العلمية على عاتق المدرس. ومثلما أن المدرس يتحمل جانبا في ذلك فإن الآباء والطلاب أنفسهم يتحملون أيضا جزءا من المسؤولية، إلا أن الآباء يصرون على أن المدرس هو الحلقة الأضعف في المنظومة التربوية وهو الذي تعود إليه مسؤولية تدهورها أو ازدهارها.
وقالت ألفة الخزري أم لطالب بالصف السادس بالمدرسة الابتدائية ابن خلدون إن ابنها لم يحصل على معدل عام خلال الثلاثية الأولى، وهو الذي تعود دائما ألا ينزل دون المستوى المطلوب. وأضافت أن صعوبة المنهج ساهمت في تردي نتائجه، ذلك أن المدرسين لا يبذلون جهدا في التعامل مع التلاميذ والتفاعل معهم وخصوصا أصحاب المستوى المتوسط منهم.
وأشارت لـ”العرب” إلى أن معلمة مادة العلوم، على سبيل المثال، تثقل كاهل الطلاب بأعمال منزلية لا طائل منها ذلك أنها تفرض عليهم كتابة قواعد الحساب 50 مرة ما يجعل الطالب ينسخها دون فهم، وهي في غالب الأحيان لا تطلع عليها، وإن اطلعت عليها ولم تجده قد نسخها فهي تعاقبه.
وأكدت أن المدرسين لا يبذلون قصارى مجهوداتهم داخل الفصل حتى يظل التلميذ دائما في حاجة إليهم خارج أسوار المدرسة، ما يجعله يلتجئ إلى الدروس الخصوصية ليتدارك نواقصه.
وأكد فاضل المزغني خمسيني وأب لفتاتين تدرسان بالسنتين الخامسة والثالثة من التعليم الأساسي أن مستوى ابنتيه تدنى عن السنوات الفارطة، ملقيا بالمسؤولية على عاتق مدرسيهما.
وقال لـ”العرب” “لم يعد المدرس يعمل بضمير مهني مثلما عهدنا ذلك في السابق.. اليوم اختلف الأمر من يقدر على دفع معلوم الدروس الخصوصية هو من يستطيع إنقاذ أبنائه من الضياع”.
وبحسب مؤشر التنافسية الدولية في أحدث دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي، سجلت تونس أكبر تراجع لمستوى تعليمها في السنوات الخمس الماضية بعد عصر ذهبي شهده التعليم في تونس على امتداد العقود الماضية.
وبحسب تقرير شامل لكل الدول العربية حول هذه الدراسة الدولية، يلاحظ أن التغيير الأكبر لمنحى التعليم عربيا كان من نصيب تونس التي كانت تحتل المركز الأول عربيا والثلاثين عالميا في تقرير 2010 – 2011، لتتراجع في المقابل بـ46 مركزا عالميا في السنوات الخمس الماضية وتتدحرج إلى المركز الـ76.
وفي حين يلقي الأهل مسؤولية تراجع أبنائهم على عاتق المدرس، يتهم المدرسون الآباء بالتسيب وعدم مراقبة أبنائهم خلال فترة الامتحانات، مشيرين إلى أن رمي التهمة على المربي محاولة للتنصل من تسيب الأسرة.
وأكد ناصر السعيدي مدرس متقاعد من المدرسة الابتدائية ابن خلدون بحي التحرير بالعاصمة أن ذلك نقطة من بحر في خانة تردي المنظومة التربوية وفشلها في إعادة التعليم إلى هيبته.
وقال السعيدي لـ «العرب» “تداعت قيمة المربي لأسباب عديدة وصار إحدى نقاط ضعف المستوى التعليمي في بلادنا، خاصة أن المدرسة صارت مفتوحة دون باب أمام الولي الذي اخترق سور مملكة المعلم فانهارت قداسته لقاء ما يهبه إلى مدرس ابنه من مقابل مالي سعر الدروس الخصوصية”.
وأضاف أن المعلم تحول إلى سلعة يقتنيها الولي والغاية هو شراء نجاح الابن حتى ولو كان دون المستوى معرفيا، دون أن ننسى أن الآباء المثقفين على علم بأن الجيل الجديد من المربين تم انتدابهم دون تكوين أو اختبار شامل أو تربصات فلاح ضعفهم التعليمي الذي تفطن له الآباء.
وأوضح أن ضغوط الحياة اليومية إضافة إلى خروج الأم للعمل ساهما في تيه الأبناء، ومقابل هذا كان المربي الضحية، مشيرا إلى أن رمي التهمة على المربي محاولة للتنصل من تسيب الأسرة. ورأى أن الحل يكمن في ثورة تربوية كبرى.
ويرى خبراء التربية أن الأم أصبحت هي المسؤولة كليا على كل ما يهم دراسة ابنها وهي بطبعها عاطفية ولهذا فهي لا تعترف إطلاقا بضعف مستوى ابنها ما يجعلها ترمي التهمة على المعلم.

وأشار الخبراء إلى أن المعلم فقد هيبته وصار يخشى على تواجده فأصبح يهدي الأعداد إلى التلميذ الضعيف تحت عنوان تلافي رد فعل الشارع والمحيط وهو ما جعل المستوى يتدنى. هذا إضافة إلى ما أفرزه نظام الأفواج الذي أثبت فشله الذريع.
ويعيش المرفق التربوي في تونس منذ بداية السنة الدراسية الحالية وضعا استثنائيا بسبب جائحة كورونا التي فرضت العمل لأول مرة بإجراءات وقائية لضمان سلامة الطلاب والإطار التربوي، من أهمها التخفيف في البرامج التعليمية واعتماد نظام التدريس بالأفواج.
وأجمع أولياء ومهتمون بالشأن التربوي على أن اعتماد نظام التدريس بالأفواج أدى إلى تدني نسبة التحصيل العلمي للتلميذ دون المستويات العادية، وكانت له انعكاسات سلبية على نتائج امتحانات الثلاثي الأول، الأمر الذي أثبته تقييم أجرته وزارة التربية للثلاثي الأول من السنة الدراسية الحالية وبين أن هذا النظام أثر سلبا على المستوى التعليمي حيث لم يتسن استكمال البرامج التعليمية في جل المؤسسات التربوية.
ويرجع خبراء التربية تراجع مستوى الطالب إلى أسباب متعددة منها التغيرات التي تطرأ على الأوساط المحيطة بالطفل كتغيير السكن أو المدرسة، حيث يجد الطفل صعوبة في التأقلم مع المكان الجديد، إضافة إلى شعوره بالغربة عن أساتذته وأصدقائه القدامى.
كما قد يعاني الكثير من الطلاب من مشاكل دراسية نتيجة انتقالهم إلى صفوف أعلى، تنتج بالغالب عن عدم إتمامهم لمتطلبات هذه الصفوف بشكل جيد، لذلك يعتبر الانتقال بين سنة دراسية وأخرى مرحلة حساسة يجب على الأهل الانتباه إليها، والتأكد من حصول أطفالهم على فهم كامل لمتطلبات المرحلة العلمية الجديدة لاستدراك أي حلقة مفقودة.
وتلعب المدرسة دورا أساسيا في الحفاظ على المستوى الدراسي الجيد لطلابها، كذلك في محاولة رفع مستوى الطلاب المتأخرين، حيث أنها المعنية بشكل رئيسي بملاحظة أي تغير في المستوى الدراسي للأطفال ومن ثم التعاون مع الأهل لإعادة رفع مستواهم.
ويؤكد الخبراء أن الطفل الذي تعود على تحصيل درجات مرتفعة في دراسته سيفقد ثقته بنفسه إن لم يتمكن أهله من مساعدته ليحافظ على مستواه.