اقتصادات الشرق الأوسط وأفريقيا تواجه تحديات ما بعد الوباء

السعودية في حاجة إلى تنويع الاقتصاد والمغرب يتحول إلى مركز للصناعة.
الثلاثاء 2021/03/02
خطة واعدة لا تخلو من المخاطر

تكشف تقارير أن جائحة كورونا ستغير قواعد الاقتصاد العالمي بالاعتماد أكثر على التكنولوجيا وتقلص دور النفط مما سينعكس على أداء أكبر اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وهي السعودية التي ستواجه تحديات تتعلق بتنويع الاقتصاد وتحفيز القطاع الخاص، فيما ستكون منطقة شمال أفريقيا محور تغيرات مفصلية بفعل امتلاكها للمكونات اللازمة لتكون مركزا للتصنيع.

لندن – توقع تقرير نشرته “كابيتال إيكونوميكس” بعنوان “ذا لونغ ران” ارتفاع الديون ومعدلات التضخم وزيادة استخدام التكنولوجيا وصد العولمة في خضم الفوضى التي أحدثها الوباء، حيث تسود نظرة متفائلة بالنسبة إلى أفريقيا ولاسيما المغرب الذي نجح في تحفيز القطاع الخاص والتحول إلى مركز للتصنيع، وهو ما تحتاجه السعودية لتحقيق رؤية 2030.

وفي ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يقول التقرير إن دول شمال أفريقيا تقف الآن في وضع جيد للاستفادة من الوضع الطبيعي الجديد، حيث تمتلك “جميع المكونات اللازمة التي تجعلها مراكزاً للتصنيع”. ويشير التقرير إلى أن المغرب أظهر بالفعل قوة في قطاع السيارات.

وفي هذا الصدد يجدر الاستشهاد بدراسة شاملة للحكومة الكندية تدعم وجهة نظر تقرير “ذا لونغ ران” التي تقول “تشهد صناعة السيارات المغربية ازدهارًا كبيرًا، حيث تجتذب الشركات الصناعية الكبرى بما في ذلك رينو – نيسان، و’بي.أس.أي’ بيجو – سيتروين ومؤخراً شركة ‘بي.واي.دي’ الصينية”.

وتتوقع دائرة السيارات في وكالة فيتش للتصنيف أن ينمو القطاع بمعدل سنوي متوسط ​​قدره 17.5 في المئة بين عامي 2020 و2025.

وأصبحت صناعة السيارات المغربية أكبر مصدر للبلاد، حيث بلغت عائدات الصادرات لعام 2019 حوالي 10.5 مليار دولار، أي 25 في المئة من إجمالي صادرات المغرب. ويعد المغرب أيضاً ثاني أكبر مصنّع للسيارات في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا، وأول مصنع لسيارات الركاب.

ويضم المغرب اليوم أربعة مراكز صناعية رئيسية متكاملة (في طنجة والقنيطرة والرباط والدار البيضاء) بالإضافة إلى أربعة معاهد تدريب متخصصة. وعلى أساس جغرافي يتم توجيه 80 في المئة من المركبات المنتجة إلى الأسواق الأوروبية.

وتعد الاتجاهات الديمغرافية المواتية من ضمن إحدى المزايا التي تتمتع بها المنطقة، حيث أن شمال أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط بهما نسبة مرتفعة من الشباب المنتج في سن العمل والذين يعملون على تطوير ونمو بلدانهم.

17.5 في المئة

توقعات نمو قطاع السيارات المغربي بين عامي 2020 و2025 حسب فيتش

لكن هناك تحدياً كما هو الحال دائمًا وهو خلق وظائف منتجة لتلك الفئة من الشباب، والحل يكمن في تمكين القطاع الخاص. ومن هنا يتضح أن المغرب يحرز تقدماً في إستراتيجية تشجع الاستثمار في القطاع الخاص والنمو من خلال إنشاء وكالات دعم حكومية محددة وحوافز ضريبية ومعاهد تدريب متخصصة.

ويرى التقرير أن ذلك هو النموذج الذي ينبغي على السعودية إلقاء نظرة عليه، لاسيما بعد أن تعثرت رؤية المملكة 2030 الطموحة، وهي خطة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتنشيط القطاع الخاص وإحداث تغيير اجتماعي كبير.

ومن ضمن هذه الإخفاقات أنه لم يتم تحقيق بند وظائف القطاع الخاص التي كان من المفترض أن يخلقها في وقت قصير. يضاف إلى ذلك أن الأمير محمد بن سلمان لديه ميل إلى المشاريع الضخمة باهظة التكلفة مثل مدينة الذكاء الاصطناعي “نيوم” التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار أميركي، بالإضافة إلى ميله إلى استيراد المواد الغربية مثل الترفيه والرياضة في محاولة لتحويل السعودية إلى بؤرة سياحية ساخنة.

وكما يشير تقرير “ذا لونغ ران” فإن “رؤية 2030 تخفق في العديد من المجالات الرئيسية ولذا لا نعتقد أنها ستطلق نموًا سريعاً بشكل ملحوظ”. فالنمو والاقتصاد المتنوع هما ما تحتاجه السعودية بشكل عاجل، لاسيما مع تحرك العالم بعيدًا عن الاعتماد على الهيدروكربونات.

وتم وضع “ذروة الطلب” وهي النقطة التي يبدأ عندها استخدام الهيدروكربونات في الانخفاض في الخطة في عام 2040 أو حتى 2050، حيث أن ذلك سيحدث في وقت أقرب بكثير “نظرا لأن أزمة الوباء ستسرع التغيرات التكنولوجية والسلوكية، ومن المرجح أن يصل الطلب على النفط إلى ذروته في نهاية هذا العقد”. لذلك فإن السعوديين في سباق مع الزمن، خاصة أنه من غير المرجح أن يشهد النفط مرة أخرى الذروة التي تمتع بها في عام 1980 ومرة ​​أخرى في عام 2008.

وتحتاج المملكة وفقًا لصندوق النقد الدولي إلى أن يقف سعر البرميل عند سعر 76 دولارًا أميركيًا لموازنة سجلاتها في عام 2020 و66 دولارًا أميركيًا في عام 2021. وهكذا لا يزال المستقبل قاتماً ما لم تتحرك المملكة بعيداً عن النفط وبناء اقتصاد متنوع.

والسعوديون ليسوا وحدهم من بين دول الخليج في حاجة إلى التنويع بعيدًا عن النفط، حيث قال عادل حميزية وتيم كالن في تقريرهما الذي نشر يوم 10 فبراير إن “اقتصادات الخليج بحاجة إلى اتخاذ دور متحول”.

النمو والاقتصاد المتنوع هما ما تحتاجه السعودية، لاسيما مع تحرك العالم بعيدًا عن الهيدروكربونات

يقول التقرير “لا يزال من الضروري إنشاء اقتصاد أكثر تنوعًا، لذا فإن الإصلاحات الجارية منذ انهيار أسعار النفط في عام 2014، والعديد منها تحت راية برامج (رؤية) مختلفة، يجب أن تستمر في إحراز تقدم مع انحسار الوباء، حيث أن السرعة والتسلسل والتوقيت سيكون لهما أهمية قصوى لنجاح هذه المخططات. كما أن تمكين الاستثمار الخاص في انتعاش أكثر خضرة مدفوعًا بالرقمنة والتقنيات الجديدة يحسن آفاق تطوير قطاع خاص أقل اعتمادًا على الحكومة في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي. وهذا يمكّن الحكومات من الانتقال من كونها مالكًا ومنتجًا وموزعًا إلى كونها حكمًا ومنظمًا وميسرًا”.

وهذا هو الحال خاصة بالنسبة إلى السعودية بالنظر إلى الدور الضخم الذي تلعبه أرامكو في المملكة وعلى مستوى العالم باعتبارها أكبر شركة طاقة في العالم. وتتخذ أرامكو خطوات مهمة نحو بناء منصة للطاقة المستدامة لاستكمال وضعها المهيمن في مجال الهيدروكربونات. ولكن مع اقتراب ذروة الطلب على النفط، فإنه كلما أحرزت الشركة تقدماً في هذا المجال كلما كان أفضل.

وفي ظل قيادة وليّ العهد السعودي لأرامكو، فإن الخطر يكمن في أن الأموال اللازمة لتنويع نشاط الشركة نحو النشاط الأكثر اخضرارًا ستختفي، لاسيما وأن الأمير محمد بن سلمان يستسلم لإغراء استخدام موارد أرامكو المالية لدعم مشاريعه الضخمة.

10