اضطهاد الوافدين في قطر لا يستثني "الأشقاء"

الأوضاع بالغة السوء التي يعيشها العمّال الوافدون إلى قطر جرّاء تبعات تفشي وباء كورونا في البلد لا تستثني الوافدين من بلدان عربية دأبت الدوحة على الترويج لدعمها والوقوف إلى جانبها، وخصوصا تلك التي شهدت خلال العشرية الجارية انتفاضات شعبية أفضت إلى تغييرات سياسية جذرية تطوّعت قطر للدفاع عنها وحمايتها مما تسميه “ثورات مضادّة”.. لكن لفظيا فحسب.
الدوحة – لم تستثن تبعات الأسلوب القطري الخشن في مواجهة جائحة كورونا وافدين عربا إلى قطر بعد أن كانت قد عصفت بمئات الآلاف من العمال الأجانب، أغلبهم من البلدان الآسيوية الفقيرة، الذين تُركوا لمصيرهم في مواجهة أوضاع بائسة وأخطار مهدّدة للحياة، بحسب تقارير حقوقية وإعلامية دولية متواترة.
ووجّه المئات من التونسيين نداء لحكومة بلدهم للتعجيل بإجلائهم من قطر بعد أن علقوا هناك إثر فقدهم لوظائفهم جرّاء انتشار الفايروس وتفشيه بسرعة في البلد ذي المليونين ونصف المليون ساكن غالبيتهم العظمى من الوافدين.
وتلاقي الأنباء المسرّبة عن الأوضاع السيئة التي يواجهها الوافدون العرب إلى قطر حاليا، أصداء خاصّة في بلدان مثل تونس ومصر وليبيا والسودان وسوريا وغيرها، إذ تشكّل صدمة لشعوب تلك البلدان بعد سنوات من الدعاية القطرية الكثيفة والترويج لدعم قطر لتلك الشعوب وانحيازها إليها ضدّ ما يسمّيه الإعلام القطري “ثورات مضادّة”.
وتصف جهات مهتمّة بمتابعة انتشار وباء كورونا عبر العالم وبتقييم طريقة الدول في مواجهته والحدّ من انتشاره وإجراءاتها للحدّ من آثاره الاقتصادية والاجتماعية على المجتمعات، وخصوصا الطبقات الأكثر هشاشة، أسلوب قطر في التصدّي للجائحة بأنّه الأكثر عنفا وارتباكا، الأمر الذي لم يؤثّر فقط في ارتفاع نسبة الإصابات قياسا بعدد السكان، ولكنّه عصف أيضا بمئات الآلاف من العمال الأجانب الذين استُقدم أغلبهم على عجل خلال السنوات القليلة الماضية للمشاركة في إقامة منشآت كأس العالم 2022.
ولم توفّر قطر المصنّفة ضمن البلدان الثرية بفضل عائدات الغاز الطبيعي أحزمة أمان قانونية واجتماعية لهؤلاء العمّال الذين وجد كثيرون منهم أنفسهم بلا عمل بفعل توقّف المشاريع التي يعملون فيها وانقطاع مشغليهم عن دفع مرتّباتهم ما اضطر الكثيرين منهم إلى استجداء الطعام بحسب تقرير سابق نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.
ووجه أكثر من 800 تونسي عالقين في قطر نداء استغاثة لحكومة إلياس الفخفاخ بهدف إعادتهم إلى بلدهم بعد أن وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل وبلا موارد مالية.
ونقلت وسائل إعلام محلّية تونسية عن الحبيب الخذيري المتحدث باسم الجالية التونسية في قطر القول إنّه منذ الحادي والعشرين من أبريل الماضي لم يتم تسيير سوى رحلة طيران واحدة لنقل العالقين بالدوحة، رغم إعلان حكومة الفخفاخ تخصيص عدد من الرحلات الجوية لإجلاء التونسيين العالقين في مختلف أنحاء العالم. وأوضح الخذيري أن بين العالقين طلابا من المقرر أن يؤدوا امتحان البكالوريا خلال الأيام القادمة.
واحتجاجا على الأوضاع السيّئة للجالية التونسية في قطر لجأ العشرات من التونسيين إلى الاعتصام داخل مقرّ سفارة بلادهم في الدوحة، ووجّهوا نداء للرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ للإسراع بإجلائهم.
وتقول مصادر مطّلعة على أوضاع الجالية التونسية في قطر إنّ أوضاع عدد من الرياضيين التونسيين هناك تلخّص الأوضاع السيئة لأفراد تلك الجالية على اعتبار أن أوضاع الرياضيين تعتبر عادة متميّزة قياسا بباقي فئات المجتمعات، ناهيك عن قطر التي تولي قطاع الرياضة اهتماما استثنائيا وتستثمر فيه مبالغ طائلة في إطار مساعيها لجلب الأضواء وتحسين صورتها عبر العالم والتخلّص من شبهات دعم التشدّد والإرهاب التي تلاحقها.
ووجه عدد من الرياضيين التونسيين المحترفين في قطر ومن بينهم لاعبو كرة اليد نداء استغاثة للسلطات التونسية من أجل إيجاد حل لإعادتهم إلى تونس.
وعلى مدار السنوات الماضية ساهم لاعبو ومدرّبو كرة اليد التونسيون في تحقيق قفزة سريعة في هذه الرياضة التي لا تمتلك فيها قطر أي تقاليد، حتى أنّ عدد اللاعبين التونسيين في المنتخب القطري الذي خاض مونديال سنة 2017 بلغ تسعة لاعبين.
وقال ريان العريبي لاعب الوكرة القطري في تصريحات لإذاعة موزاييك آف آم التونسية، إنّ أغلب لاعبي كرة اليد التونسيين المقيمين في الدوحة يعيشون أوضاعا مادية صعبة، بعد أن انتهت عقود بعضهم ولم يتم التجديد لهم، أو بسبب عدم تقاضي رواتبهم منذ شهر مارس الماضي.
كما تحدّث اللاّعب عن حالة من القلق الشديد والخوف في صفوف عموم أفراد الجالية التونسية في قطر جرّاء الانتشار السريع لفايروس كورونا هناك ورغبة الكثيرين منهم في العودة إلى بلدهم.
وكان عدم تمكين العمّال الوافدين إلى قطر من مختلف الجنسيات من مستحقاتهم المالية أحد أوضح مظاهر اضطهاد هؤلاء العمّال الوافدين ومادّة دسمة للتقارير الإعلامية والحقوقية بشأن قطر في زمن جائحة كورونا.
وبلغ غضب العمّال الأجانب من عدم التزام مشغليهم في قطر بتمكينهم من حقوقهم المادية، حدّ التظاهر في إحدى ضواحي العاصمة الدوحة، وهي مقامرة خطرة في بلد لا يسمح بأي نوع من أنواع الاحتجاج ولا يتسامح مع من يشارك في أي شكل من أشكال التظاهر.
وفي وقت سابق من شهر مايو الجاري، أظهرت صور ولقطات فيديو مسرّبة عبر شبكة الإنترنت العشرات من الأشخاص في منطقة مشيرب بالدوحة وهم يهتفون بمواجهة جدار بشري من عناصر الشرطة مطالبين السلطات القطرية بتمكينهم من رواتبهم.
واعتبرت جهات حقوقية التظاهر النادر للعمّال في قطر أقصى درجات التعبير عن سوء أوضاعهم ومظهرا يعبر عن يأسهم من التعويل على الدولة القطرية لتحسين أوضاعهم وتمكينهم من حقوقهم.