اشتراط إثبات الديانة يصعّب زواج التونسية من أجنبي

الأعراف الاجتماعية التي تحكم مؤسسة الزواج أقوى من القانون.
الجمعة 2020/11/20
الحصول على وثيقة تثبت إسلام الزوج يعقد إجراءات عقد القران

مثل اشتراط إثبات الديانة على الزوج العربي الراغب في الارتباط بتونسية صعوبة زادت من تعقيد إجراءات الزواج على مرّ العقود. ورغم إلغاء اشتراط شهادة اعتناق الدين الإسلامي في زواج التونسية، إلا أن الأعراف الاجتماعية التي تحكم مؤسسة الزواج في البلد ظلت أقوى من القانون.

تونس – تعترض العربي المهاجر معاملة سيئة والكثير من التعقيدات عندما يقرر العودة إلى بلده أو أي بلد عربي آخر ليتزوج ويؤسس أسرة. ويجد في اشتراط وثيقة إثبات الديانة ما يزيد من تعقيد إجراءات الزواج. وهو ما حدثني عنه صديقي العربي المسلم الحامل للجنسية البريطانية عندما قدم إلى تونس ليتزوج بالمرأة التي يحب. ثم تساءل بسخرية كيف لمسلم أن يثبت أنه مسلم، وهل يكفي إثبات الديانة على الورق حتى يكون الزواج شرعيا؟

وأضاف محدثي أن أهله المقيمين في البلد العربي أرسلوا له مضمون ولادة مكتوب عليه إنه مسلم في حين أن وثائقه البريطانية لا تدلّ على ذلك، ولا يمكن قبولها لعقد القران مما صعّب عليه الأمور.

وليست هذه هي الحادثة الوحيدة التي تثبت تعقيد الإجراءات المتعلقة بزواج التونسية من أجنبي، فأحدهم مسلم أراد الزواج من تونسية، ولأنه لا يمتلك أي وثيقة تظهر أنه مسلم ذهب إلى المسجد وأعلن إسلامه وزوّده المسجد في تونس بوثيقة تثبت أنه مسلم ليتمّم إجراءات الزواج.

وقد يضطر الأجانب الراغبون في الزواج بتونسية إلى الاتصال بالمؤسسة الدينية التي تقدم شهادة في اعتناق الزوج للدين الإسلامي حتى ولو كانوا هم مسلمون أصلا، ودون تلك الوثيقة لا يتم الزواج.

اشتراط الاستظهار بوثيقة تثبت ديانة الزوج أمر لن يضيف الكثير إلى الزيجة، وإضفاء البعد الديني تم لمنح الأسرة دعما نفسيا

وزيادة على الوثائق المطلوبة في زواج التونسيات تشترط شهادة عزوبية أو طلاق وذلك لتفادي إرجاع التونسية إلى وضعية تعدد الزوجات وشهادة في اعتناق الزوج للدين الإسلامي إذا كان غير مسلم وشهادة من السفارة أو القنصلية الراجع لها الزوج أو الزوجة بالنظر تشهد بإمكانية الزواج.

ويعتبر الباحثون أن اشتراط الاستظهار بوثيقة تثبت ديانة الزوج (الإسلام) أمر لن يضيف الكثير إلى الزيجة خصوصا وأن المسلمين المؤسسين كانوا في المطلق من أبوين ليسا مسلمين. وبعضهم تزوج قبل الإسلام وبعضهم الآخر في بداياته، وقد تم إضفاء البعد الديني على مراسم الزواج لمنح مؤسسة الأسرة، وهي المؤسسة الحياتية الأهم، دعما نفسيا أكبر يضمن بقاءها ويحصّنها.

وكان لنشر بلدية الكرم في تونس العاصمة في يوليو الماضي بلاغٌ ينصّ على وجوب استظهار الأجنبي بشهادة في اعتناق الدين الإسلامي إن كان يروم الزواج بمسلمة، وقع غير طيب على نفوس التونسيين وخاصة الحداثيين منهم، وقد اعتبره حقوقيون مخالفة للقوانين خاصة بعد إلغاء رئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي عام 2017 لمنشور يعود إلى عام 1973 كان يمنع عدول الإشهاد من إبرام عقود الزواج بين المسلمة وغير المسلم إلا بعد ثبوت إسلام الأخير بشهادة تمنحها دار الإفتاء.

وقال فتحي العيوني، رئيس بلدية الكرم في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، إنه “بصدد تطبيق القانون وليس لديه أي خلفيات دينية أو أيديولوجية”، مذكرا بأن الفصل 4 من مجلة الجماعات المحلية يؤكد أنه لا يكتب عقود الزواج إلا طبقا للقوانين الجاري بها العمل، مشيرا بالخصوص إلى الفصل 5 من مجلة الأحوال الشخصية الذي ينص على “الموانع الشرعية” للزواج.

وكانت وزارة العدل التونسية قد أصدرت عام 2017 منشورا يجيز للتونسية الزواج بغير المسلم دون تقديم وثيقة تثبت اعتناقه للدين الإسلامي غير أن البلديات التي تبرم عقود الزواج ظلت مترددة في تطبيق المنشور واعتبرته مخالفا للقوانين التي تنص على خلو الزوجين من أي موانع شرعية. وأكدت البلديات أن عدم توفر وثيقة إثبات اعتناق الزوج للدين الإسلامي يضعها أمام المساءلة القانونية.

فاضل عاشور: زواج الأجنبي بتونسية باطل في حال إعلان إسلامه لغاية الزواج فقط
فاضل عاشور: زواج الأجنبي بتونسية باطل في حال إعلان إسلامه لغاية الزواج فقط

وبدوره أكد فاضل عاشور كاتب عام نقابة الأئمة، أن الإجراء فيه ضوابط شرعية تحدد زواج التونسية بغير المسلم. وقال لـ”العرب” يجب أن يتوفر الجانب الشرعي في عقد الزواج بتونسية من أجنبي حتى ولو كان من دولة عربية، فتونس دولة عربية دينها الإسلام، وتوجد في الدول العربية طوائف متعددة وديانات غير الإسلام”.

وأشار إلى أن الجهة المعنية بإثبات إسلام الزوج هي دار الإفتاء، حيث يتوجه لها كل طالب للزواج مرفوقا بجواز السفر ومضمون ولادة.

واعتبر عاشور زواج الأجنبي بتونسية باطلا في حال إعلان إسلامه لغاية الزواج فقط، وأكد أن الزوجة تتحمل وزر ذلك.

وقال إن الوطن العربي فيه ملل ونحل مختلفة ومجتمعاته هجينة لذلك يُوجب الشّرع الاستظهار بشهادة في الدين الإسلامي.

وفي المقابل، أكدت النائبة السابقة ورئيسة لجنة المساواة والحريات الفردية بشرى بلحاج حميدة أن اشتراط شهادة في اعتناق الدين الإسلامي من قبل الرجل غير المسلم للزواج بتونسية مخالف للقانون، معتبرة أن عدم إمضاء عقود الزواج في حال عدم الاستظهار بشهادة تثبت أن الزوج مسلم هو تمرّد على القانون وفعل يستوجب التتبع القضائي.

ويعتبر الجدل حول زواج التونسية المسلمة بغير المسلم قديما في تونس ولم يحسم يوما بشكل واضح بل إنه ظل رهين الاختلافات والاجتهادات. واختلفت توجهات المحاكم التونسية على مدى عقود بمناسبة النظر في صحة هذا الزواج لدى نظرها بالخصوص في قضايا استحقاق الميراث.

ولا يقل اشتراط الموافقة على زواج التونسية المسلمة بمسلم عربي إلا إذا استظهر بوثيقة تثبت إسلامه تعقيدا وإثارة عن الجدل من زواج التونسية بغير المسلم.

21