استقالة أمين بغداد إنذار بهزيمة فريق مصطفى الكاظمي أمام الميليشيات

بغداد - أثارت استقالة أمين العاصمة العراقية بغداد منهل الحبوبي من منصبه، بشكل مفاجئ، أسئلة عديدة بشأن دوافعها، لاسيما أنها جاءت بعد أيام من تحذيره رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من إمكانية غرق المدينة خلال الشتاء الحالي، بسبب سوء الاستعدادات.
وتقدم الحبوبي، وهو مهندس معماري بارز ترأس شركات ناجحة في بغداد ودبي، باستقالته من منصب أمين بغداد بشكل مفاجئ في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، بعد تكليفه به منتصف سبتمبر الماضي.
وجاء الحبوبي إلى هذا المنصب المرموق، الذي يساوي درجة وزير لكنه يتجاوزه فعليا بشكل كبير نظرا للإمكانيات والصلاحيات الواسعة التي يمتلكها، من خارج الطبقة السياسية المتهمة بالفساد وسوء الإدارة، ليكون إشارة واضحة إلى عزم الكاظمي فسح المجال أمام الكفاءات لإدارة الدولة.
وقال الحبوبي في استقالته التي وجهها لسكان بغداد والكاظمي “في اللحظة التي كلفني فيها رئيس الوزراء بتولي أمانة بغداد كنت قد استعدت حلما لطالما سكن ذاكرتي، حلم لبغداد الجميلة الغافية على ضفة دجلة، المدينة التي فارقتها ولم تفارقني، لتسكن داخلي أينما حللت تلك المدينة التي ألقت صعاب السنوات والمعاناة والإهمال إثارة على وجهها فبدت متكدرة، حلم البغداديين عن استعادة بغداد لألقها و توفير الخدمات لسكانها بما يليق بهم”.
وأضاف “للأسف وبعد فترة قصيرة من شروعي بمهامي باغتني عارض صحي جدي يتطلب علاجا طويل الأمد خارج العراق اضطرني إلى تقديم استقالتي من المنصب، إلى أخي رئيس مجلس الوزراء الذي كان منحني كل الثقة والدعم وشاركني الحماسة لخدمة بغداد وأهل بغداد”.
وتابع الحبوبي “يحزنني أن اضطر بعد فترة قصيرة من تسلمي المسؤولية إلى مغادرة بغداد، ولكني بعد التباحث مع رئيس الوزراء وتبادل الأفكار، كلي أمل ورجاء أن أمين بغداد الجديد سيكون على قدر ثقة الرئيس وثقة أهالي بغداد ويحمل من الصفات والمؤهلات ما يجعله أهل لهذه المسؤولية الكبيرة”.
منهل الحبوبي

- مهندس معماري سبق له أن ترأس شركات ناجحة في دبي وبغداد.
- فاز في مسابقة لتصميم مجمّع الأمانة العامة لمجلس الوزراء في بغداد.
- مستقل سياسيا ولا ينتمي إلى أي من الأحزاب.
- عُين أمينا لبغداد في أيلول الماضي واستقال من المنصب في 27 أكتوبر الجاري.
وجاءت استقالة الحبوبي بعد أيام فقط من رسالة بعث بها إلى الكاظمي، وصفت بالغريبة، حذر خلالها من تعرض بغداد إلى فيضانات خلال فصل الشتاء بسبب سلسلة إخفاقات تنفيذية.
وأبلغ الحبوبي الكاظمي بأنه “لم يتم تنظيف الخطوط الاستراتيجية الناقلة لمياه الصرف الصحي”، مشيرا إلى أن “حالة الخطوط سيئة جدا مع وجود أوساخ وكذلك وجود انسدادات تسبب غرق مدينة بغداد عند هطول الأمطار”، فضلا عن “وجود تلكؤ في أعمال تنظيف الخطوط الرئيسية من قبل الدوائر البلدية وعدم جاهزيتها لحين إعداد هذا الكتاب” مع “وجود عطلات في المحطات الحاكمة وكذلك في المحطات الرئيسية”.
وكشف الحبوبي عن “عدم إدراج تنفيذ بعض المشاريع الاستراتيجية للخطوط المساعدة الناقلة لمياه الصرف الصحي المقدمة من قبل أمانة بغداد” مع “وجود أعطال في المولدات العملاقة وكذلك المولدات في المحطات الثانوية للدوائر البلدية”، فضلا عن “تأخر دائرة مجاري بغداد في إعداد جداول الكميات والتخمين وعدم إنجازها لأسباب مجهولة وغير منطقية”.
وقالت مصادر مطلعة إن رسالة الحبوبي إلى الكاظمي فجّرت أزمة كبيرة مع ميليشيات شيعية تابعة لإيران، تسيطر شركات تملكها على عقود تنفيذ معظم مشاريع الخدمة في العاصمة العراقية.
وكشفت عمليات المراجعة التي قام بها الحبوبي عن صرف أموال طائلة خلال الأعوام القليلة الماضية على مشاريع وهمية في بغداد، لم يجر تنفيذ أي منها، ما يعرض العاصمة العراقية لمخاطر فيضانية خلال الشتاء.
ووفقا لمقربين من الحبوبي، فإن إدارة العلاقة بين أمانة بغداد والشركات المملوكة للميليشيات تحولت إلى أزمة خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث تجد السلطة البلدية المحلية نفسها مكبلة أمام فشل الجهات المنفذة في جميع تعاقداتها.
ولا تختلف أمانة بغداد عن مدن الوسط والجنوب، التي تسيطر الميليشيات التابعة لإيران على مشاريعها الخدمية، وهو ما يفسر مستوى التخلف الذي تعيشه هذه المناطق على مستوى الخدمات العامة.
ويهمس ساسة في بغداد بأن المشاريع القليلة التي نفذت في العاصمة العراقية خلال الأعوام الماضية، لم تكتمل إلا بموافقة الميليشيات وحصولها على حصتها المرضية.
ولم يتمكن الحبوبي خلال الشهور التي قضاها في منصب أمين بغداد من تغيير أي من الموظفين الكبار في هذه المؤسسة الحيوية، لأن معظمهم يمثل مصالح أحزاب وميليشيات متنفذة.
ويقول مراقبون إن استقالة الحبوبي من منصب أمين بغداد يترجم مستوى التغول الذي بلغته الميليشيات التابعة لإيران، وسيطرتها شبه العلنية على مؤسسات وقطاعات حكومية مؤثرة، في مقابل تراجع سطوة الدولة والشكوك الواسعة في قدرتها على احتكار مصادر العنف.
ورغم أن الكاظمي عيّن، الأربعاء، أمينا جديدا لبغداد إلا أن فرص نجاح المسؤول الجديدة تبدو معدومة، وفقا للعارفين في الشأن العراقي، ما لم تتغير البيئة المحيطة، التي يسممها نفوذ الميليشيات الشيعية التابعة لإيران.