استراتيجية روسية لإعادة اكتشاف أفريقيا

العلاقة المتنامية بين روسيا ودول جنوب الصحراء الكبرى وخاصة مالي تهدد ميزان القوى في المنطقة.
الجمعة 2020/10/09
نفوذ واسع

موسكو - تكتسب المعلومات المتواترة حول تجهيز روسيا لاستراتيجية المرحلة المقبلة حتى تعزز تواجدها في أفريقيا زخما هائلا هذه الفترة خاصة بعد أن وجّه البعض اتهامات لها بدعم الانقلاب في مالي خلال شهر أغسطس الماضي رغم أن هذه المسألة طفت على السطح منذ أكثر من عامين.

وربط محللون عسكريون في تقرير نشره موقع “غلوبال ريسك إنسايتس” ما حصل في مالي بأن الذين دبروا العملية هم أعضاء رفيعو المستوى في الجيش المالي عادوا قبل أسبوع من الانقلاب بعد شهرين من التدريب في روسيا.

وكانت المصادفة كافية لهؤلاء المحللين لربط عاصمي غويتا، زعيم المجلس العسكري الجديد، بالحكومة الروسية وحتى لو لم يتم إثبات هذا الارتباط حتى اليوم، لسبب بسيط وهو أن العلاقة المتنامية بين روسيا ودول جنوب الصحراء الكبرى تهدد ميزان القوى في المنطقة.

ويمكن لروسيا الاستفادة من انقلاب مالي لعقد صفقات اقتصادية جديدة وخاصة تلك المتعلقة بالدفاع والتسليح مع تعزيز مكانتها الجيوسياسية في غرب أفريقيا، فموسكو تعد من أكبر مصدري الأسلحة إلى بلدان القارة إذ مثلت حوالي 39 في المئة من عمليات نقل الأسلحة إلى المنطقة في الفترة الممتدة بين 2013 و2017.

ويمثل الانقلاب صفعة للدبلوماسية الفرنسية، حيث استثمرت باريس بشكل كبير في أمن مالي عبر تحالف وثيق مع الرئيس السابق، إبراهيم بوبكر كيتا، والذي تزامن توليه المنصب في 2013 بعد انقلاب 2012 الذي أطاح بأمادو توماني توري، مع مهمة حفظ سلام فرنسية، ولذلك فقد تسعى روسيا إلى استبدال فرنسا في دول غرب أفريقيا حيث تتمتع باريس بنفوذ وتأثير هناك.

ومنذ أن وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى السلطة، سعى الكرملين لاستعادة دوره كقوة جيوسياسية. وقد ظهر ذلك منذ عودته إلى الرئاسة في 2012 واشتعال أزمة القرم، التي وسعت الفجوة بين موسكو والغرب، الذي اعتبر ضم الاتحاد الروسي للقرم سنة 2014 انتهاكا للقانون الدولي، وأصبحت سياسة موسكو الخارجية أكثر حزما وجرأة.

وظهر هذا التغيير في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط في البداية، ولكنه اليوم ينتقل إلى أفريقيا لاستكمال ترسيخ حضور روسيا كعنصر عالمي مؤثر، وهو أمر خبرته الولايات المتحدة في سوريا، كما خبرته تركيا، التي توجد بدورها في قلب الصراع الليبي، وتراهن على أن الوجود الروسي تكتيكي ويهدف إلى الحصول على تنازلات أكبر في سوريا.

وما يعزز ذلك المنحى ما كشفت عن تقارير دولية مؤخرا بأن موسكو تتجه لتوسيع دائرة نفوذها في أفريقيا عبر قواعد عسكرية جديدة وزيادة أعداد قواتها في خطوة يقول خبراء إن هدفها بناء قوة في شكل أفريكوم روسي يكون قادرا على مزاحمة الأدوار التي تلعبها القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم).

موسكو تعمل باستمرار على توسيع دائرة نفوذها في أفريقيا
موسكو تعمل باستمرار على توسيع دائرة نفوذها في أفريقيا

وبدا ذلك الأمر أكثر وضوحا في ليبيا، حيث أظهرت الولايات المتحدة انزعاجها من الدور الروسي في دعم قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر.

وأخذت موسكو تصاريح لإقامة قواعد عسكرية في ست دول أفريقية بينها مصر والسودان، في خطوة تظهر رغبة موسكو في حماية دورها في ليبيا عبر حزام من القواعد يجعل استهداف هذا الدور أمرا بالغ المخاطر.

وباتت فرنسا، الفاعل الرئيسي الآخر في أفريقيا، منزعجة منذ العام 2018 من الدور الروسي في منطقة نفوذها عندما بدأ مستشارو الشركة العسكرية الروسية الخاصة “فاغنر” بالظهور في الدوائر السياسية في دول مثل أفريقيا الوسطى وإريتريا والكونغو الديمقراطية والسودان وأيضا ليبيا.

ويعتبر جزء من انخراط روسيا في أفريقيا عسكريا، حيث قام الجيش الروسي والمتعاقدون العسكريون الروس الخاصون المرتبطون بالكرملين بتوسيع نطاق تواجدهم العسكري العالمي في أفريقيا، وهم يسعون للحصول على حقوق التمركز في 6 بلدان وإبرام اتفاقيات تعاون عسكري مع 28 حكومة أفريقية، وفقا لتحليل أجراه معهد دراسة الحرب.

ويقدر المسؤولون الأميركيون أن عدد المرتزقة الروس الذين يعملون في جمهورية أفريقيا الوسطى بنحو 400 شخص، وقد سلمت موسكو مؤخرا معدات عسكرية لدعم عمليات مكافحة التمرد في شمال موزمبيق.

وبحسب معهد فورين بوليسي للأبحاث، قد تستفيد شركة روساتوم الروسية العملاقة للطاقة النووية، التي تتنافس مباشرة مع نظيرتها الفرنسية أفيندا للحصول على عقود في منطقة الساحل، من العلاقات الإيجابية مع السلطات السياسية الجديدة في مالي.

كما يمكن لنورد غولد، وهي شركة ذهب روسية لديها استثمارات في غينيا وبوركينا فاسو، توسيع مبادراتها لاستخراج احتياطيات الذهب في مالي، على الرغم من تشكيك إيرينا فيلاتوفا، أستاذة البحث في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو في كل هذه التحليلات.

وكان السياسي الاسكتلندي مايكل أنكرام قد طلب العام الماضي من وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث المعلومات، التي بحوزتها حول خطط تثبيت القواعد العسكرية الروسية في أفريقيا، وخاصة في زيمبابوي، حيث كان هناك قلق من أن نفوذ موسكو قد يتعارض مع استراتيجية المملكة المتحدة.

6