ارتفاع أسعار النفط يعمق الفجوات الاقتصادية للدول العربية

واشنطن- تعطي انطباعات الخبراء بشأن تأثير ارتفاع أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية على بلدان المنطقة العربية نظرة فاحصة حول ما تنتظره الاقتصادات الضعيفة من معاناة وانعكاساتها على التوازنات المالية قياسا بالاقتصادات الأقوى.
وفي حين يمكّن ارتفاع الأسعار الذي وصل ذروته هذا العام عند نحو 84 دولارا للبرميل دولا من التحول بسهولة من دعم الأسعار إلى تحقيق الإيرادات، تجد دول نفسها في موقف صعب ستجعل من الحكومات تعيد حساباتها لتفادي الأسوأ.
وقال معهد التمويل الدولي في تقرير نشره الثلاثاء إن “ارتفاع أسعار النفط يوسع الفجوات الاقتصادية بين المصدرين والمستوردين للنفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
ومن المتوقع أن تسجل دول المنطقة نموا بنسبة 2.3 في المئة هذا العام و4.3 في المئة في 2022 بعد انكماش مجمع في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.8 في المئة في العام الماضي.

معهد التمويل الدولي: التباين في نمو الدول المصدرة والدول المستوردة للنفط يتسع
ويرى خبراء المعهد أن الانتعاش الاقتصادي سيستمر في كسب قوة دفع لكن التباين في آفاق الاقتصاد الكلي ظهر في المنطقة فقد زادت الاختلافات في الأداء الاقتصادي بين الدول المصدرة والدول المستوردة للنفط اتساعا.
وستشهد الدول المنتجة للنفط على الأرجح فوائض في ميزان المعاملات الجارية تبلغ 165 مليار دولار هذا العام و138 مليارا في العام القادم بعد عجز بلغ 6 مليارات في العام الماضي استنادا لتوقع سعر للنفط عند 71 دولارا للبرميل هذا العام و66 دولارا للبرميل العام المقبل.
وعلى هذا الأساس، فقد ترتفع الأصول الأجنبية العامة لدول الخليج، منها الاحتياطيات الأجنبية وصناديق الثروات السيادية، لأكثر من ثلاثة تريليونات دولار بحلول نهاية 2022 أي ما يعادل 170 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومرت الدول العربية المنتجة للنفط منذ منتصف 2014 بضغوط جراء انخفاض أسعار النفط، حيث تأثرت موازناتها وانعكس ذلك في تأجيل المشاريع الاقتصادية وامتد إلى تراجع الطلب على العمالة من الدول العربية غير النفطية، لتنخفض بذلك تحويلات عمالة الدول العربية غير النفطية.
في المقابل، فإن الدول المستوردة للنفط مثل مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس والسودان فالعجز المجمع في ميزان المعاملات الجارية سيزيد إلى 35 مليار دولار هذا العام من 27 مليارا في العام الماضي فيما يرجع بالأساس لارتفاع تكلفة استيراد النفط وتراجع عائدات قطاع السياحة.
وستمثل الأصول الأجنبية العامة في الدول المستوردة للنفط حوالي 15.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المجمع هذا العام.
وستضطر الدول التي تعتمد على استيراد النفط إلى إعادة حساباتها لتفادي الأسوأ خاصة في ظل عدم قدرتها على توفير التمويل اللازم لسد العجوزات في موازناتها وهو ما سيدفعها إلى إلقاء حمل هذه المشكلة على عاتق المواطنين حيث ستأتي في شكل خفض الدعم وتحرير أسعار الوقود.
وليس من المتوقع أن يعود قطاع السياحة، المسؤول عن نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي في هذه الدول، إلى مستوياته ما قبل جائحة قبل عام 2023.

وقال المعهد “ارتفاع النمو في هذه الدول في 2022 سيكون مدفوعا بالاستثمارات والصادرات. لكن ذلك لن يكون كافيا لخفض معدلات البطالة المرتفعة التي تبلغ في المتوسط 14 في المئة وبين الشباب 28 في المئة وهو أعلى معدل بطالة في العالم”.
وكان المدير الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية ربا جرادات قد أكدت في أغسطس الماضي أن الجائحة سلطت الضوء على ضرورة معالجة أوجه العجز الموجودة أصلا في سوق العمل بالمنطقة قبل الأزمة الصحية خاصة تلك التي تؤثر على العمال الأكثر ضعفا وتهميشا.
وقالت حينها “كان تأثير الأزمة مدمرا بشكل خاص على الشباب والأشخاص ذوي الإعاقة والنساء والعاملين في القطاع غير الرسمي والمهاجرين واللاجئين”.
وتأتي المخاوف من اتساع الفجوة بين الاقتصادات العربية بعد يوم من نشر منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) لتقرير تقول فيه إن المنطقة العربية تعد من أسرع مناطق العالم نموا في الطلب على الغاز الطبيعي بمعدل نمو سنوي بلغ نحو 4.8 في المئة في العقود الثلاثة الماضية.
ويعد معدل نمو الطلب على الغاز في الدول العربية ثاني أعلى معدل نمو بعد منطقة آسيا والمحيط الهادي، وأعلى من ضعف معدل نمو الطلب العالمي البالغ نحو 2.2 في المئة.
وأرجعت المنظمة أسباب ذلك إلى استخدام الغاز في عدة قطاعات أبرزها قطاع توليد الكهرباء الذي يستحوذ على 52 في المئة من إجمالي الاستهلاك.
وهوت مختلف المؤشرات الاقتصادية للبلدان العربية بشكل غير مسبوق بعد فترة وجيزة من تفشي الجائحة في مارس من العام الماضي، حيث سجلت اقتصادات عربية نقصا حادا في السيولة مما قلّص هامش إدارة الأزمة لديها بفعل هبوط أسعار النفط وتراجع السياحة وهي القطاعات التي تعدّ الأكثر تضررا من الوباء.