ارتفاع أسعار المحروقات يعيق نشاط المصانع العراقية

قرار وزارة النفط يهدد الآلاف من العمال بالتسريح.
الجمعة 2021/10/01
الآفاق تزداد قتامة

دخل قطاع الصناعة في العراق في صدام مع الحكومة بعد أن أقرت زيادة في أسعار المحروقات المخصصة لتشغيل المصانع، حيث يتوقع محللون أن يستمر هذا الوضع لبعض الوقت حتى تستجيب السلطات لمطالبهم قبل تفاقم المشكل، وبالتالي بدل أن تراهن الحكومة على القطاع الخاص للمساعدة على التنمية ستكون في وضعية قد تعيق خططها.

بغداد - لاقى قرار وزارة النفط العراقية رفع سعر المشتقات النفطية ردود فعل غاضبة خلال الفترة الماضية من قبل أصحاب المصانع لاسيما مصانع الإسمنت والطابوق والأسفلت التي تعتمد على هذه المواد في نشاطها، فيما حذر اقتصاديون من آثار سلبية للقرار.

ويتمسك أصحاب المصانع بموقفهم حيال الخطوة وقد قاموا بتظاهرة احتجاجية مؤخرا أمام مقر الوزارة في بغداد منتقدين ذلك ويقولون إن التكاليف أصبحت مرتفعة جدا، حتى أن العديد من الشركات قد سرحت عمالها وأغلقت أبوابها.

وكانت الحكومة قد رفعت سعر صرف الدولار أمام العملة المحلية بنسبة تجاوزت 20 في المئة إثر الأزمة الاقتصادية بعد انخفاض أسعار النفط العالمية، مما ألقى بثقله أيضا على الشركات العاملة في البلاد.

وتحاول الصناعة المحلية النهوض من جديد لحجز موقع لها داخل السوق العراقية، رغم كل الصعوبات التي تواجهها بسبب الأزمات التي تمر بها وتدمير وتهالك البنى التحتية.

نبيل جعفر: يفترض أن يحصل القطاع الخاص على دعم حكومي وليس العكس

وواجه القطاع تحديات كبيرة حتى قبل أزمة كورونا، كزيادة حجم المستوردات مقارنة بالصادرات. وهو ما شكل عوائق تنافسية وغير عادلة إضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، خاصة الطاقة، وارتفاع الضرائب والرسوم وإجراءات الاستثمار الطويلة والمعقدة.

ويرى الصناعيون ومسؤولون حكوميون أن زيادة الأسعار تفتح الباب أمام الاستيراد من دول الجوار ومنافسة الإنتاج المحلي وتدمير اقتصاد البلد، بعد أن حققت الصناعة المحلية اكتفاء ذاتيا ووفرت عملة صعبة لخزينة الدولة منذ عام 2016.

واعتبر الخبير الاقتصادي نبيل جعفر أن القطاع الخاص، ووفق مقتضيات الورقة البيضاء، من المفترض أن يحصل على دعم حكومي أكبر من أجل أن يساهم في عملية التطور الاقتصادي.

وقال في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العراقية الرسمية “لكن تفاجأنا جميعا بخطوة معاكسة قامت بها وزارة النفط عندما رفعت سعر طن الوقود المزود لمعامل الطابوق من 100 إلى 150 ألف دينار (68.5 إلى 102.7 دولار) ورفعت السعر إلى مصانع الأسفلت المؤكسد من 150 إلى 250 ألف دينار (102.7 إلى 170 دولارا) للطن”.

وتشير التقديرات الرسمية إلى أن مصافي العراق تنتج نصف كمية الطلب في السوق المحلية، فيما تصدر البلاد سنويا من زيت الوقود الثقيل أكثر من ملياري دولار، ويباع سعر الطن الواحد في السوق العالمية حاليا بحوالي 400 دولار.

ويعتقد جعفر أن خطوة وزارة النفط قصيرة الأجل يراد بها زيادة أرباح الشركات التابعة لها مع أن شركات المصافي تبيع الوقود الثقيل أو ما يطلق عليه اسم “النفط الأسود” لشركة التوزيع بمبلغ 60 دينارا للتر الواحد، وهو مبلغ زهيد جداً.

وقال إن “رفع السعر سيؤدي إلى زيادة أرباح وزارة النفط وأرباح شركات التوزيع والشركة العامة لتوزيع المنتجات النفطية”.

وتدهورت الصناعة العراقية بعد عام 2003 نتيجة الحرب والعمليات الإرهابية والفساد وغياب الخطط العملية للنهوض بواقع هذه الصناعة التي كانت تنافس مثيلاتها في المنطقة.

وأعربت جمعية مصنعي الإسمنت في العراق الشهر الماضي عن غضبها من السلطات بعد زيادة أسعار الوقود المدعومة في مصانعها بنسبة 66 في المئة، محذرة من أن الإجراء قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الإسمنت أو إغلاق بعض المنشآت.

رفع سعر المحروقات يؤجج غضب أصحاب المصانع
رفع سعر المحروقات يؤجج غضب أصحاب المصانع

ورفعت وزارة النفط أسعار النفط الأسود المستخدم في مصانع الإسمنت من مئة ألف دينار للطن إلى 250 ألف دينار (170 دولارا) للطن الواحد.

وأثار هذا الإجراء غضب شركات الإسمنت في بلد غارق في أزمة اقتصادية خطيرة مازالت تجر ندوب الحرب وفيما لا تزال إعادة الإعمار المكلفة معلقة في بعض المناطق.

وتقول الشركات إن القرار يضعها أمام مفترق طرق بين إغلاق المصانع والتسبب بتسريح آلاف العاملين فيها وتضرر عائلاتهم بالبقاء دون مصدر معيشة وتهديد تجربة الاستثمار في العراق أو زيادة أسعار البيع على المواطنين بما لا يقل عن 10 دولارات للطن الواحد بسبب رفع سعر النفط الأسود.

وقال نائب مدير جمعية الإسمنت عمار السعدي إن “صناعة الإسمنت هي الصناعة الوحيدة التي تمارس الاكتفاء الذاتي منذ 2016 حتى الآن ولم ترفع أسعارها”.

وأضاف أن “حوالي خمسين ألف شخص يعملون بشكل مباشر وغير مباشر في الصناعة باتوا مهددين مع أسرهم بالتسريح من العمل بسبب زيادة أسعار الوقود”.

وحذرت الجمعية في بيان من “خسائر فادحة” للقطاع قدرها “ملايين الدولارات”، داعية السلطات إلى التراجع عن قرارها.

وأوضحت الجمعية أن “هذا سيزيد العبء على السكان وعلى الدولة التي تشرع في إعادة إعمار البلاد وتريد تطوير مشاريع البنية التحتية”.

أدهم الشرقاوي: القرار سيضيف تكلفة إضافية مما قد يتسبب بخسائر بالغة للافارج

وقد تم اعتماد السعر المدعوم الذي تتمتع به مصانع الإسمنت في العراق لإمدادات الوقود مقابل التزامها ببيع الإسمنت بسعر ثابت.

وقال أدهم الشرقاوي، الرئيس التنفيذي لشركة لافارج الفرنسية التي تملك مصنعين في العراق، لوكالة رويترز إن “قرار رفع سعر النفط الأسود سيضيف تكلفة إضافية تبلغ 35 مليون يورو سنويا مما قد يتسبب بخسائر بالغة للشركة”.

وأضاف أن “الشركة تشغل أكثر من ألف موظف عراقي وإن هؤلاء أصبحوا مهددين بفقدان وظائفهم بسبب عدم تمكن الشركة من دفع رواتبهم في نهاية المطاف”.

وتظهر الحاجة الماسة في البلد العضو في أوبك، والذي يعاني من أزمة مالية، إلى مساعدة القطاع الخاص في عملية تمويل التنمية المستدامة لتحقيق أهدافها في مواجهة التحديات المحلية والعالمية، لاسيما مع تفاقم مشكلات الدولة وتراجع قدرتها على تحقيق تطلعات المواطنين.

لكن أغلب المهتمين بالشأن الاقتصادي يتفقون على أن ذلك يتطلب مناخ أعمال مستقرا وتشريعات وقوانين ملائمة، إضافة إلى مكافحة الفساد والبيروقراطية وتعزيز الشفافية والاستقرار الأمني وتقديم الدعم للشركات حتى تقوم بدورها.

وذكر المحلل الاقتصادي طارق الأنصاري أن التخبط في إدارة السياسة النفطية وفقدان التوازن في حوكمة هذه الإدارة أساءا كثيرا إلى أصحاب المهن والمعامل في القطاع الخاص، لكون مادة النفط الأسود تستخدم في الكثير من معامل القطاع الخاص ومنها معامل الأسفلت ومعامل الطابوق وأخرى تستخدم هذا المنتوج.

ودعا الأنصاري وزارة النفط إلى إعادة النظر في زيادة الأسعار والابتعاد عن خلق مأساة جديدة لإنهاك القطاع الخاص والتوقف عن هذه السياسات التي تعد بعيدة عن بيئة السياسة النفطية.

وتعتمد ميزانية العراق بنسبة تتجاوز 90 في المئة على إيرادات النفط الخام، فيما يعاني قطاع الاستثمار في البلاد من البيروقراطية.

11