اختصار الأمومة في أعمال المنزل يلهي الأمهات عن تلبية الاحتياجات الأخرى للأبناء

تُلقى على عاتق الأمهات سواء كن عاملات أم لا مهام كثيرة وشاقة، تتراوح ما بين التنظيف وإعداد الطعام والاعتناء بنظافة الأطفال. وقد يؤدي اختصار دورهن على أعمال المنزل إلى إلهائهن عن احتياجات أبنائهن بطريقة تخلق فجوة كبيرة معهم. ويضع خبراء العلاقات الأسرية طرقا بسيطة تساعد في تنظيم عمل الأم ومواعيد تنفيذها واهتمامها بأبنائها.
يصل قلق بعض الأمهات الدائم حول نظافة البيت والأولاد حد إصابتهن بالوسواس القهري، وقد يزداد هذا الشعور حدة كلما سمعن تعليقات من أزواجهن بكونهن لا يفهمن شيئا ولا يُجدن فعل أي شيء، ما يدفعهن إلى وضع كل همهن وطاقتهن في التنظيف المُبالغ فيه فيتلهين بذلك عن الاحتياجات الأخرى للأبناء.
وتشتكي أغلب الأمهات وخاصة منهن المهووسات بترتيب المنزل من الفوضى التي يحدثها أطفالهن في كافة أرجائه، والتي تتعارض مع سعيهن المتواصل للحصول على منزل مرتب وهادئ على الدوام.
وأوضح خبراء التربية والعلاقات الأسرية أن هوس النظافة والنظام يجعل الأم متسلطة وتقوم بتقييد حرية أفراد أسرتها بشكل مزعج وغير منطقي، ما يؤدي إلى مشاكل عائلية لا حدود لها، كما أنه يشكل عبئا جسديا إضافيا خاصة على المرأة العاملة، ما يسبب لها المزيد من التعب والإرهاق.
وينتمي وسواس النظافة إلى فئة الوسواس القهري ويعتبر من أكثر أنواع الوسواس القهري وضوحًا، وهو الشعور القهري بضرورة التنظيف والتعقيم وما ينتج عنه من تصرفات وعادات وردود أفعال قهرية هي في الغالب غريبة وغير مفهومة بالنسبة إلى الأشخاص العاديين، وقد تكون مزعجة في الكثير من الأحيان.
وأكدت ناجية صويلح أم لطفلين تعمل موظفة بالقطاع الخاص أنها مشتته بين عملها وبين الاعتناء بأمور البيت وتنظيفه وقد زاد الأمر حدة مع انتشار جائحة كورونا. وأشارت إلى أنها أصبحت تستيقظ من نومها مفزوعة لأنها حلمت بوجود طبق مُتسخ في حوض المطبخ، كما أنها في بعض المرات تقوم من نومها لتتفقد أحوال المطبخ ثم تعود إلى النوم من جديد.
وقالت صويلح لـ”العرب” إن إصرار زوجها على أن يكون البيت في غاية الترتيب جعلها تتفانى في تنظيفه، مشيرة إلى أنه كثير الملاحظات والتعليقات ولا يفوت أدنى فرصة ليشعرها بالتقصير ما جعل حياتها مقتصرة على عملها بالوظيفة وعمل البيت حتى أنها لم تعد تتفقد أطفالها كالسابق أو تجلس معهم وتلاعبهم.
هوس النظافة والنظام يجعل الأم متسلطة وتقوم بتقييد حرية أفراد أسرتها بشكل مزعج وغير منطقي، ما يؤدي إلى مشاكل عائلية
وأظهرت دراسة حديثة أن الأمهات يتعرضن لضغوط أكثر بسبب الوقت ويعانين من ضعف في الصحة النفسية عن الآباء، كما وجدت أن ولادة طفل في الأسرة يزيد من شعور الوالدين بالضغط، لكن تأثيره مضاعف على الأمهات مقارنة بالآباء، أما ولادة طفل ثانٍ فتضاعف من ضغوط الوقت لدى الأم مما يؤدي إلى تدهور صحتها النفسية.
ويزداد تسرب النساء من وظائفهن عند ولادة طفل أو زيادة الأعباء الأسرية، وهن يتحملن ضغطًا نفسيًا أكبر يرتبط بتنظيم احتياجات الأسرة – ما بين نظافة الملابس والتقاط الأطفال من مدارسهم والاهتمام بالأطعمة الناقصة في الثلاجة – كل هذا الجهد يأتي على حساب التخطيط لعمل اليوم التالي وعلى حساب الترقية التالية، كما أن الأمهات مطالبات بأداء مهام الأسرة المتعددة في الليل، وعادة ما يقاطع الأطفال نوم الأمهات أكثر من الآباء.
وتساءل الباحثون إذا كانت أدمغة النساء يصيبها الإرهاق مثل أدمغة الرجال جرّاء المهام المتعددة، فلماذا نستمر في مطالبة النساء بالقيام بتلك الأعمال؟ والأهم من ذلك ما هي عواقب هذا الأمر؟
وكشفت رانية الخزري فتاة تبلغ من العمر 12 سنة أن اهتمام والدتها المبالغ فيه بالأعمال المنزلية لا يترك لها الوقت لتعتني بها وبإخوتها الصغار فهي لا تذهب معهم إلى المسبح أو إلى المنتزهات الطبيعية ولا تلعب معهم داخل المنزل أو في الحديقة. وقالت الخزري لـ”العرب” “أمي إما أن تكون في المطبخ أو في عملها بالمكتب. ونحن إما أن نكون في المدرسة أو في غرفة المراجعة”.
ويواجه الأبناء المراهقون كثيرا من القضايا، خاصة في مرحلة النمو والتطور الجسدي والفكري، ففي هذه الحالة على الأم العاملة أن تفهم الأبناء الذين يميلون إلى الشعور بالاستقلالية وأن تشعرهم بالأمان ولا تجعل ضغط العمل المنزلي يشكل فجوة بينها وبين أبنائها الذين أصبحوا في مثل هذا السن بأمسّ الحاجة إلى من يشاورونه ويثقون به، خاصة وأن الأبناء يتقربون بأفكارهم ومشاعرهم من أمهم.

وينصح خبراء العلاقات الأسرية أن تتعامل الأم مع أبنائها الغاضبين بحكمة ودراية، فالتعامل بالمثل يصعب حل المشكلة القائمة فتزداد تعقيدا.
ويرى الخبراء أنه على الأم أن لا تتجاهل أبناءها بأفكارهم وأن تستمع إلى وجهة نظرهم، وأن تحاول أن تكون قريبة من مستوى تفكيرهم حتى يسهل الحوار معهم، ومتابعة الأولاد في المرحلة الدراسية فهم أيضا يريدون عناية ومتابعة تامتين، فهذا يعطي انطباعا عن المرأة العاملة الناجحة التي تستطيع التوفيق بين عملها ونظافة بيتها وتربية أبنائها.
ويؤكد خبراء الأسرة على أهمية وجود جدول للمهام اليومية حيث وجدوا أن عقل الإنسان من الصعب عليه تحمل قائمة المهام الطويلة، التي يحتاج لتنفيذها يوميًا، ولاحظوا أن المرأة تغفل أشياءً مهمة كان عليها القيام بها.
كما أن القائمة تعطي للأم الإحساس بالإنجاز، وتستطيع من خلالها تقييم أدائها، ومن هنا ستجد الوقت لنفسها، وستكون سعيدة وهي تنظر في نهاية اليوم لقائمة مهامها التي أنجزتها.
ويفضّل الخبراء وضع قائمة الطعام شهريًا، ليكون من السهل على الأم شراء كل ما تحتاج له فعليًا، وفي التنظيف وجب وضع خطة تنظيف شهرية أيضًا، تتضمن مرة كل أسبوع تنظف فيها الأم المنزل تنظيفا عميقا أي رفع الأثاث والتنظيف تحته لكل غرفة، وسيكون هذا أفضل من تنظيف المنزل كله في يوم واحد.
كما سيكون على الأم العاملة إعداد نفس الجدول، لكن التغيير سيكون في المواعيد، فتبدأ بالمهام البسيطة قبل خروجها للعمل، وتؤجل باقي المهام بعد العودة من العمل. ويفضل أن تُعد المرأة العاملة طعام الغداء قبل نومها مباشرة، وتتركه جاهزًا للتسخين والأكل عند عودتها من عملها، وهو ما من شأنه أن يوفر لها المجهود والوقت.