اختزال عفة المرأة في غشاء البكارة يكرس التشكيك في أخلاقيات النساء

التغاضي عن سلوكيات الأنثى وتربيتها مقابل فحص عورتها لمعرفة شرفها جهل تملّك بالعقول.
الأحد 2021/10/03
ربط الشرف بالبكارة يستنقص من قيمة المرأة ويحد من نجاحها

رغم أن الفتوى التي أصدرتها دار الإفتاء حول جواز ترقيع غشاء البكارة للفتاة كنوع من السُترة، تحميها من ألسن المجتمع إلا أنها تكرس، بطريقة أو بأخرى، أن البكارة تساوي العفة، وأنه طالما كان غشاء البكارة سليما، فإنه لم يسبق للمرأة ارتكاب ذنب أو فعل غير أخلاقي. هذه الفتوى أثارت جدلا كبيرا بين المدافعين عن حقوق المرأة في مصر ورأوا أنها تمنح صك الاحترام للمرأة بين الناس بناء على مدى سلامة غشاء بكارتها وهو اعتقاد خاطئ وراسخ في الأذهان عن عفة المرأة.

القاهرة – كان الجدل متصاعدا في مصر قبل أيام بعد فتوى أصدرتها دار الإفتاء حول جواز ترقيع غشاء البكارة للفتاة كنوع من السُترة، بينما كانت النيابة العامة تحقق مع سيدة أقدمت على تعذيب ابنتها الصغيرة حتى الموت لمجرد أنها اعتادت لمس عضوها التناسلي حتى تسببت في فض غشاء بكارتها دون أن تعلم ماذا تفعل.

أدلت الأم باعترافات تفصيلية حول الواقعة، وقالت إنها أصيبت بالصدمة من تكرار ملامسة طفلتها لعضوها التناسلي، والعبث به حتى شاهدت الدماء تنزف منها وأمام هذا المشهد انهالت عليها بالضرب المبرح حتى فقدت حياتها، باعتبار أن فض غشاء البكارة يعني في نظرها انتهاء حياة الفتاة ولن يرضى شاب الزواج منها لأنها بلا شرف أو عفة.

أحدثت الواقعة صدمة مع غضب شريحة واسعة من الفتوى التي أصدرتها المؤسسة الدينية حول ترقيع غشاء البكارة، ورأى هؤلاء أن ذلك الإجراء خديعة كبرى للشباب لأن ترميم الغشاء لأي سبب محاولة للتغطية على خطأ أخلاقي ارتكبته الفتاة، ويفترض أن يكون الخاطب أو الزوج على علم مسبق بذلك.يمكن البناء على الواقعتين بأن المجتمع ورجال الدين لديهما موروث ثقافي خاطئ وراسخ في الأذهان عن عفة المرأة، كلاهما يتعامل مع الغشاء من منظور أنه الانعكاس الوحيد للتعامل مع الأنثى باعتبارها سوية وشريفة وبعيدة عن الانحراف الأخلاقي وارتكاب المحرمات الجنسية، التي تمنحها صك الاحترام بين الناس.

انتصار السعيد:  لقد آن الأوان أن يكون الشرف  في أخلاق النساء وثوابتهن لا  في أجسادهن
انتصار السعيد: لقد آن الأوان أن يكون الشرف في أخلاق النساء وثوابتهن لا في أجسادهن

تعاملت جهة الفتوى بشكل عقلاني في مسألة ترقيع الغشاء من باب الستر، سواء للفتاة التي تعرضت للاغتصاب أو تلك التي فقدت عذريتها بسبب إرادتها أو حركة خاطئة، لكنها كرست في أذهان المجتمع، ولو بحسن نية، أن البكارة تساوي العفة، وطالما أن غشاء المرأة سليما، فإنه لم يسبق لها ارتكاب ذنب أو فعل غير أخلاقي.

جدل ديني وطبي

وصل الجدل ذروته حول البكارة بعد تصريحات أدلى بها رجال دين وأطباء في برامج تلفزيونية وتصريحات صحافية قالوا فيها لا يوجد شيء اسمه الغشاء أصلا، وإن وُجد فليس دليلا على العفة والطهارة، وبإمكان الفتاة أن ترتكب العديد من الأخطاء وتقوم بعلاقات جنسية دون أن ينفض.

بلغ الهوس تجاه غشاء البكارة أن تقدم أحد المحامين ببلاغ إلى النيابة العامة طالب فيه بمعاقبة رجال الدين والأطباء الذين ينكرون علاقة الغشاء بعفة المرأة، لأنهم بذلك يبيحون الانحلال الأخلاقي وإشاعة الفسق والفجور والعلاقات الجنسية المحرمة ويحرضون على أن تعبث الأنثى بغشائها متى وكيفما شاءت.

ترى نساء أن اختزال مفهوم العفة في جسدهن وبكارتهن ظلم وإهانة وتحقير للمرأة، إذ لا يمكن أن يتم التغاضي عن سلوكياتها وأخلاقها وتربيتها السليمة وتتبع عورتها لمعرفة ما إذا كانت شريفة أم لا، خاصة أنه يمكن بسهولة أن تفقد الفتاء الغشاء لأي سبب دون أن تقدم على إقامة علاقة جنسية قبل الزواج.

لا ينسى أحمد شجاع، وهو طبيب متخصص في النساء والتوليد، أنه استقبل ذات يوم في المستشفى الحكومي الذي يعمل به في محافظة البحيرة، شمال القاهرة، حالة لأم لا تتوقف عن الصراخ والعويل برفقتها ابنتها الصغيرة التي كانت تلهو على الأرجوحة وسقطت ونزفت الدماء من بين فرجها وتخشى الأم أن يكون حدث مكروه للغشاء.

الكثير من الوقائع المرتبطة بقدسية غشاء البكارة تشير إلى أن عددا من الأسر أمامها سنوات طويلة كي تتخلص من عقدة العفة المرتبطة بالعذرية

قال الطبيب لـ”العرب” إنه حاول جاهدا تهدئة الأم دون جدوى، فالفتاة كانت سليمة جسديا وفي وعيها بل تتحدث معه وتروي ما جرى لها، في حين تكاد أمها تمزق وجهها بأظافرها وطالبته سريعا بأن يطمئنها على غشاء البكارة، وعندما كشف على الفتاة وتبين له أنه انفض تردد في إبلاغها بالحقيقة خشية ردة فعلها، لكنه صارحها.

في هذه اللحظة كانت العبارة الوحيدة التي تتردد على لسان الأم “يا ويلي ضاع شرف بنتي.. ضاع مستقبل بنتي.. شرفك راح يا بنتي”، هنا حاول الطبيب طمأنتها بأنه سيمنحها شهادة صحية موثقة بأن غشاء بكارتها انفض نتيجة حادث بعيد عن أي علاقة جنسية، وهو ما ظهر في الفحوصات الطبية، لكنها صرخت في وجهه قائلة “كيف أصون شرف ابنتي بورقة”.

تعكس الواقعة لأي درجة وصلت عقلية شريحة من الناس في التعامل مع شرف المرأة، إذ يكون احترامها قبل الزواج نابعا من حفاظها على عذريتها ليس أكثر، وهو الميراث الثقافي الذي عانت منه نساء كثيرات على مدار عقود طويلة، نتيجة ضعف المواجهة وترهيب كل من يحاول الاقتراب من هذا الخط الأحمر لتغيير الصورة الذهنية الراسخة عنه.

لم تتطرق المناهج التعليمية لعفة النساء بشكل إنساني متحضر، ونادرا ما تجد المجلس القومي للمرأة في مصر أو أي حملة توعوية تحاول أن تقنع الناس بأن غشاء البكارة لا علاقة له بشرف الأنثى، الجميع يخشى الدخول في صدام مع المجتمع، حتى دفعت بعض السيدات فواتير باهظة لهذا الصمت، وليس أدل على تحقيرهن مما يحدث في ليلة الزفاف للكشف عن أخلاقهن بإثبات عذريتهن.

المقياس الحقيقي للشرف

شرف النساء يجب ألا يتم حصره في مجرد غشاء
شرف النساء يجب ألا يتم حصره في مجرد غشاء

صارت كل فتاة تستقبل ليلة عُرسها وهي قلقة وتعيش رهبة لا تتوقف، خشية ألا ينفض الغشاء لتبدو أمام أهلها وجيرانها كأنها غير شريفة ولها علاقات جنسية سابقة، ومع أول قطرة دم تنزف منها على فراش الزوجية تشعر بالراحة والطمأنينة فقد حصلت على صك البراءة في قضية يمكن أن تقودها للحكم عليها بالإعدام بأن تُقتل إذا كان هناك شك في سلوكها.

تشير الكثير من الوقائع المرتبطة بقدسية غشاء البكارة إلى أن عددا من الأسر أمامها سنوات طويلة كي تتخلص من عقدة العفة المرتبطة بالعذرية، مهما حصلت المرأة على حقها في التمكين والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تبقى النظرة لها دونية طالما شرفها في خطر وما دام الحكم على صلاحيتها للزواج والأمومة مرتبط بغشاء.

ما زالت “ليلة الدخلة البلدي”، أو زفاف الزوجة على زوجها، موجودة نسبيا في مناطق ريفية وشعبية وقبلية في مصر، ويتم تجريد العروسة ليلة زفافها من ملابسها عبر مجموعة سيدات العائلة ويتم القبض على يديها ليقوم الزوج بفض غشاء البكارة بخنصره، بعدها تتعالى أصوات الزغاريد فرحا بأن هذه الفتاة لم يسبق لها إقامة أي علاقة جنسية، ونجحت في الحفاظ على كرامتها وشرفها من المساس بهما.

قالت انتصار السعيد الناشطة النسوية والباحثة في قضايا المرأة بالقاهرة إن اختزال العفة والطهارة والشرف في البكارة يعكس ازدواجية المجتمع، فإذا كانت أخلاق المرأة يتم الحكم عليها من عذريتها قبل الزواج فلماذا لا يُمانع هؤلاء أن يتزوج أفراده من المطلقات أو الأرامل، هؤلاء يناقضون أنفسهم ويعلمون أنهم على خطأ، لكنهم يقدسون العادات والتقاليد بشكل أعمى.

وأضافت لـ”العرب” أن أي مكتسبات حصلت المرأة عليها سوف تظل منقوصة ومطعون فيها، إذا استمر التعامل مع جسدها بهذه النظرة، والحكم على أخلاقها بمعايير مختلة، فهل التي فقدت عذريتها في حادث سير أو لأي سبب بعيد عن العلاقات المحرمة غير شريفة؟ أي منطق عقلاني يقول ذلك، لقد آن الأوان أن يكون الشرف في الأخلاق والثوابت لا بالجسد.

جرائم بزعم الشرف

لا بد من حملات توعية تحطم الميراث القاتم حول مفهوم العفة
لا بد من حملات توعية تحطم الميراث القاتم حول مفهوم العفة

من شأن التضخيم من ربط البكارة بالعفة أن يصنع لدى شريحة من النساء حالة تمرد داخلي ضد هذه النظرة الدونية بطريقة فعل كل شيء محرم وغير أخلاقي دون المساس بالبكارة، فيمكن أن تقيم الفتاة علاقات محرمة كأنها تريد توصيل رسالة بأن ربط العفة بالغشاء لن يثنيها عن الجنس، وليثبت المجتمع مدى شرفها أو عهرها.

إذا كان المتهم الأول في شيوع هذا الفكر هو الرجل الذي يتمسك بأن يكون وصيا على المرأة، فالعقلية النسوية ليست بريئة، بل ضالعة بشكل رئيسي في تحقير النساء أيضا، فهوس الأمهات تجاه حتمية حفاظ بناتهن على الغشاء لأنه معيار الحكم على أخلاقهن انتقل إلى الذكور وإلا من أين اقتنع الرجل بقدسية العذرية قبل الزواج.

ترى بعض النساء المؤيدات لهذا الطرح أن المرأة هي من وضعت نفسها في خانة المتهمة دائما، طالما ارتضت على نفسها أن تكون خاضعة للرجل وتجعله يحكم على عفتها وأخلاقها من منظور مثل البكارة، واستسلمت لفكرة ربط شرفها بعدم ممارسة الجنس قبل الزواج ولم تتحرك لإقناع مجتمعها بأن الذكر ينهار شرفه إذا أقام علاقة غير مشروعة قبل الزواج.

يعتقد هؤلاء أن النظر للمرأة بشأن آليات الحكم على أخلاقها لن تتغير تجاه فكرة البكارة طالما أنه ما زال جاهل بالحد الأدنى من المعلومات العلمية عن الغشاء، فهناك نساء لا يمكن أن ينفض غشائهن إلا بإجراء عمليات جراحية، وأخريات يولدن من رحم أمهاتهن دون غشاء، أيّ أنه ليس شرطا أن تنفض بكارتها ليلة العُرس.

سامية الساعاتي:  إقناع المجتمع بأن عفة المرأة  في كرامتها وأخلاقها وصدقها، وليس بكارتها، ليس مستحيلا
سامية الساعاتي: إقناع المجتمع بأن عفة المرأة في كرامتها وأخلاقها وصدقها، وليس بكارتها، ليس مستحيلا

المعضلة أنه أمام الجهل الأعمى بأهمية وقيمة الغشاء بعيدا عن الشق الأخلاقي، صارت هناك جرائم تُرتكب باسم الشرف وتذهب ضحيتها فتيات تم الشك في سلوكياتهن لمجرد أن تطرقن إلى عدم وجود علاقة بين عفة المرأة وغشائها، وأدل مثال على ذلك أن شابا قتل شقيقته قبل أسابيع في صعيد مصر لمجرد أن سمعها تسأل أختها عن أهمية غشاء البكارة الصيني، وهو وسيلة انتشرت مؤخرا تلجأ إليها بعض الفتيات لتأكيد الحفاظ على غشاء البكارة بعد انفضاضه.

بلغ الأمر حد إقامة دعاوى قضائية في مصر من رجال يطالبون خلالها بفسخ عقد الزواج بدعوى الشك في أخلاق زوجاتهن وممارستهن الجنس من قبل، واستندوا إلى عدم فض غشاء البكارة ليلة العُرس رغم أكثر من محاولة، لكن القضاء المصري وضع قاعدة تاريخية بعدم ربط عفة وطهارة المرأة ببكارتها، إنما بسلوكياتها وأخلاقها وتربيتها وإنسانيتها وعقلها الناضج.

قالت سامية الساعاتي أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس في القاهرة، إن الإصرار على الحكم على أخلاقيات المرأة من خلال جسدها يعكس إدمان المجتمع الشرقي ااهتمام بشكل الأنثى لا جوهرها وتمسكه بالتعامل مع سلوكياتها وشخصيتها بطريقة سطحية من دون النظر إلى أي أبعاد أخرى، ما يتطلب مشروعا قوميا يستهدف إعادة تعريف المجتمع بمن تكون المرأة، وكيف تُحترم آدميتها.

وأوضحت لـ”العرب” أن إقناع المجتمع بما يحتويه من عقليات ذكورية متحجرة بأن عفة المرأة في كرامتها وأخلاقها وصدقها ونزاهتها ونقاء روحها، وليس بكارتها، ليست بالمهمة المستحيلة، لكن الأمر يتطلب إرادة وجرأة على مواجهة الثقافة البالية، مهما تطلب ذلك من وقت وجهد، لأن الاستمرار على نفس الوتيرة يكرس التقليل من الأنثى ويجعلها دائما تحت رحمة حكم الرجل عليها بأنها شريفة وعفيفة، فلا يمكن أن يظل شرف الرجل مرتبطا بجسده وحده، وشرف المرأة يرتبط بشخصية رجل.

وعلى كل أسرة ترغب في الحفاظ على شرف الفتاة الكف عن الربط بين أخلاقها وبكارتها، لأن ذلك يسمح للآخرين بالتشكيك في عفتها وشرفها لمجرد أن الزوج فشل في فض الغشاء بالمعاشرة، وصار حتميا أن تكون هناك حملات توعية واسعة تحطم الميراث القاتم حول مفهوم العفة من منطلق أن الكثيرات يفقدن شرفهن الأخلاقي بممارسات جنسية لا تفضي إلى فقد عذريتهن والاقتناع بأن الثقة في المرأة المدخل الأهم لأن تحافظ على نفسها لنفسها لا من أجل غيرها.

20