"احلقوا" لوكالات العلاقات العامة

وكالات العلاقات العامة تدفع ثمن بخلها. هي تعاني لأن المؤسسات الإعلامية تختفي بسبب نقص الموارد وتضاؤل الإعلان المدفوع.
الخميس 2024/07/18
ابحثوا لكم عن مؤسسات بمحررين بشوارب ولحى لترسلوا لهم مكائن حلاقة

في عالم الإعلام، لا يوجد أبخل من وكالات العلاقات العامة. هذه مؤسسات تشتغل على أساس إقناع الشركات بأنها قادرة على إيصال أخبار منتجاتها أو خدماتها إلى المستهلكين عبر تمرير البيانات الصحفية والصور إلى المؤسسات الإعلامية، وخصوصا الصحف والمواقع. تأخذ هذه الوكالات أموالا، قليلة أو كثيرة، من الشركات، ثم تقوم بتوزيعها عبر قاعدة بيانات متضخمة هي إيميلات الصحف والمواقع، وربما الفضائيات. في السابق كان موظفو الوكالات يبذلون جهدا للتواصل مع المؤسسات الإعلامية لحثها على نشر البيانات. الآن تعقدت المهمة بحكم تكاثر المؤسسات الإعلامية، الإلكترونية منها على وجه الخصوص، مع دخول عصر الإنترنت. صار مندوب أو موظف وكالة العلاقات العامة يعول على إرسال ألف أو خمسة آلاف إيميل، ويعتقد أنه لو التقط 1 في المئة أو 5 في المئة من المواقع أو الصحف الخبر ونشرته، فإنه يكون قد حقق الكثير.

الجزء المالي من هذه العملية هو المشكلة. فالشركات تدفع لوكالات العلاقات العامة. لكن وكالات العلاقات العامة لا تدفع للمواقع والصحف. كان الأمر قبل 20 عاما مبنيا على إيهام الصحف والمواقع بأن نشرها لأخبار الشركات سيزيد من حظوظها في الحصول على إعلانات مباشرة. تستمر عملية الإيهام لأسابيع أو أشهر، ثم تدرك المؤسسة الصحفية أن الأمر مجرد تخدير بلا طائل. خيط المال يتوقف عند وكالة العلاقات العامة ولا يصل إلى الصحف أو المواقع.

انتبهت بعض الوكالات إلى الأمر. ابتكروا طريقة تشجيعية لحث المحررين في المؤسسات الصحفية، أو حتى أصحاب تلك المؤسسات، على أن التجاوب معهم يمكن أن يأتي بعائد من نوع ما. حدث هذا معي قبل حوالي 20 عاما. كانت وكالة علاقات عامة سعودية تروّج لمنتجات مختلفة، وكان الموقع الذي أعمل به يجد اهتماما في السعودية. كانوا حريصين على نشر بيانات الشركات من خلالنا. بعد فترة، بادرت ونبهت موظف الوكالة بأن الموقع لا يمكن أن يستمر بنشر أخبارهم محبة بهم، وأننا ننتظر منهم إعلانات مدفوعة وليس بيانات صحفية غير مدفوعة. الموقع يحتاج إلى دخل ليستمر.

تجاوب الموظف الشاب بعد “قرصة” تأخير في نشر البيان الصحفي الأخير الذي وصل منه. اتصل وقال إن إدارة وكالة العلاقات العامة رتبت مع الشركات المعنية على تقديم هدايا للمؤسسات الصحفية المتجاوبة. كانت تصلنا بيانات من شركات سيارات وساعات فاخرة ومعدات كهربائية منزلية. رن الهاتف في المكتب وكان على الطرف الآخر الموظف الشاب ليبلغنا بأن نتوقع “وصول” هدية. منينا النفس بسيارة أو ساعة ثمينة. وصل سائق شركة البريد “دي أتش أل” يحمل طردا. فتحنا الطرد وإذا في داخله ماكنة حلاقة لتشذيب اللحى والشوارب. إرسال الطرد لا شك كلّف أكثر من الهدية. تبددت الأوهام بسيارة أو ساعة ثمينة، وتحول بريد شركة العلاقات العامة تلك إلى فئة البريد العارض (سبام). وباءت كل محاولات المندوب معنا بالتراجع عن قرار شطب الاهتمام ببياناتهم بالفشل، ولم تنفع زيارته إلى مقر الموقع في لندن في تغيير موقفنا. من يومها، نحيل بريد وكالات العلاقات العامة إلى سبام مع أول رسالة. موظفو الشركات، وخصوصا في الخليج، يتنقلون بين شركة وأخرى ويأخذون معهم قائمة البريد الإلكتروني. ونحن نكافح جهودهم بالشطب عبر سبام.

اليوم قرأت أن وكالات العلاقات العامة تدفع ثمن بخلها. هي تعاني لأن المؤسسات الإعلامية تختفي بسبب نقص الموارد وتضاؤل الإعلان المدفوع. ابحثوا لكم عن مؤسسات بمحررين بشوارب ولحى لترسلوا لهم مكائن حلاقة.

18