"احتلال الصحافة".. كتاب يرصد علاقة الدبابة بالجريدة في العراق

بغداد – اختار الباحث العراقي عبدالهادي مهودر لكتابه الجديد عنوانا صادما ومثيرا، وربما غريبا، وهو “احتلال الصحافة”. وذلك لسبر غور زمن قديم جديد عن عراق “مدحت باشا… مس بيل.. بول بريمر”، هذا الثلاثي العجيب الذي شكل خارطة متجذرة في تاريخ العراق المعاصر.
واحتوى الكتاب رؤية صحافي عاصر الأحداث التي عصفت بالعراق بعد عام 2003، وسجلها بروح مهنية وبقلم عُرفت عنه الجزالة والرقة، فأعطى لمحات من تلك الأحداث، مقترنة بشواهد وأسماء وتواريخ، فكانت مرآة صافية للأجيال التي لم تعش تلك السنين، أو عاشتها بضبابية، وبالخصوص في عالم الصحافة التي شهدت “غرائب زمن منفلت”.
ويبدأ الكتاب بفصل أولي بعنوان “مآلات آخر الاحتلالات” يحتوي مقالات عديدة حملت أسماء ذات دلالات سياسية وإعلامية عميقة المعنى مثل “الدبابة والجريدة” و”الصحاف لا يتكلم” و”كلاشنكوف مدني صالح” و”تحولات الرئيس الأسمر” و”صوفتنا الحمرة”. ويستمر الكاتب على هذا المنوال، حتى يجد القارئ نفسه في “واحة إعلامية” بعنوان “صحافة الاحتلال في العراق”، وهذه الواحة هي رسالة المؤلف الأكاديمية التي حصل بها على شهادة الماجستير في الإعلام من جامعة بغداد.
وفي هذه الجزئية الأكاديمية يسحب الكاتب القراء إلى جولة بينت العوامل الخارجية لنشأة الصحافة في العراق، وبالخصوص صحافة العهد العثماني المتمثلة في صحيفة “زوراء”، وصحافة الاحتلال البريطاني المتمثلة في صحيفة “العرب”، وبوادر ظهور الصحف المستقلة، لينتقل بعدها إلى الصحافة كأداة في الصراع السياسي وفلسفة الدعاية الأميركية وسمات الإعلام العراقي الجديد مع إصدار سلطة الاحتلال الأميركي الصحيفة المسماة “بغداد الآن”. وأردف ذلك بخلاصة عامة لكل صحف الاحتلالات بعنوان “السمات المشتركة لصحف الاحتلال”.
وأوجد مهودر الرابط بين الصحف الثلاث التي رأى أنها ترمز إلى ثلاثة احتلالات (العثماني والبريطاني والأميركي).
ويغطي الكتاب الصادر حديثا عن دار ومكتبة المرهج في بغداد، في صفحاته التي قارب عددها 400 صفحة من الحجم المتوسط وبطباعة أنيقة، بمصداقية واسعة ما يشبع فضول القراء. ولعل في أسطر المؤلف التي زينت الغلاف الأخير ما يؤشر على الهدف الذي دعا مهودر إلى إصدار هذا الكتاب؛ إذ يقول “للمرة الأولى أكتشف أن ثمة علاقة بين الدبابة والجريدة، ووراء كل جريدة أولى عهد جديد واحتلال جديد، وكل فاتح يفتح لنا عهد صحافة جديدا، وأن الصحف هي رسل القوم إلينا لتوزع مجانا من فوق ظهور الدبابات مثل الموت، ثم يكتب على صدر صفحتها الأولى أنها مستقلة.. جميعهم جاؤونا محررين لا فاتحين ولا محتلين، وجئناهم مستجيرين من الرمضاء بالنار، وهي جميعا صحف الوالي المبجل ومنه واليه، سواء كان باشا أو مندوبا ساميا أو حاكما مدنيا، وكأنهم جاؤوا معا في زمن واحد واجتمعوا ورسموا سياسة واحدة للصحف الثلاث ‘زوراء’ و’العرب’ و’بغداد الآن’، والأخيرة هي جريدة لآخر الاحتلالات”.
وبعيدا عن الهدف الوطني للكتاب يحاول الكاتب الكشف عن أهمية الصحافة في التأثير المجتمعي؛ إذ يؤكد أن تأثير المجتمع الصحافي، لاسيما الوافد، ليس أحادي الاتجاه بالضرورة، بل إن صيرورة الأحداث والسياقات غالبًا ما تترك بصمتها على الفاعلين في المجتمعات الصحافية. ولعل ما شهدناه بعد أحداث 2003 ما يؤشر على حالة المؤثِّر والمتأثر إلى درجة أن الأوضاع قد تنتج إعلامها الخاص، الملغوم والواضح، وربما تتجاوز فكرة مرحلة التلقي دون صناعة الرسالة وصناعة معتقدات وقناعات الصحافي.
كما يفتح الكتاب النقاش حول أخلاقيات مهنة الصحافي عمومًا وما يعترضها من إشكاليات ضاغطة تعيد صياغة دوره، خاصة ما تعلق بالتشكيك في ضرورة الالتزام بالحيادية مع الإبقاء على الموضوعية، مما يفتح الباب واسعًا أمام تخندق المجتمع الصحافي ضمن مختلف الأطراف الموجودة على سطح الفعل اليومي.