اتفاق سلام تاريخي بين واشنطن وطالبان

وقّعت الولايات المتحدة وحركة طالبان السبت اتفاق سلام “مبدئيا” ينهي حالة الحرب متعددة الأطراف في أفغانستان بعد ثمانية عشر عاما من الحرب، وتسع جولات من المفاوضات المباشرة على مدى عشرة أشهر. إلا أن هذا الاتفاق ليس صكّا على بياض ونجاحه رهين بالتزام الحركة المتمردة ببنود الاتفاق.
واشنطن - يجسّد الاتفاق الذي وقّعته الولايات المتحدة، السبت، مع حركة طالبان للخروج من أطول حرب في تاريخها، منعطفا دبلوماسيا مهما إذ أنّه يؤشر على تراجع زخم التدخلات الأميركية في أنحاء العالم.
ولم تواجه “الحرب على الإرهاب” التي أعلنتها واشنطن غداة هجمات الـ11 من سبتمبر 2001 اعتراضات واسعة في بلد ستظل صدمة انهيار برجي نيويورك ماثلة في أذهانه.
ولكن مع مرور الوقت، أدى تراكم الخسائر البشرية في أفغانستان والعراق، وكذلك تخصيص المليارات للنفقات العسكرية، إلى تراجع القناعات، فيما وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعدما تعهد بالانسحاب من “الحروب التي لا تنتهي”.
وسوف يتيح الاتفاق انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، ليعلّق مصير هذا البلد بعد عقدين من النزاعات بحبل المفاوضات الغامضة التي يفترض أن تقوم بين المتمردين وحكومة كابول.
ويعتبر آدم وونيش، المتخصص في الشؤون الأفغانية في معهد كوينسي الأميركي والمناهض للتدخلات الخارجية، أنّ الرمال بدأت تتحرك حتى في ما يخص المسألة الأفغانية التي ظلّت لوقت طويل في خانة المحرمات في الولايات المتحدة.
وقال وونيش إنّ “الطبقة السياسية تخاف من فكرة الإعداد لهجوم إرهابي انطلاقاً من أفغانستان، واضطرارها في ما بعد إلى تبرير ذلك أمام الناخبين”، مشيراً إلى أنّ سبب ذلك هو “الجرح” الذي خلّفته أحداث الـ11 من سبتمبر.
ويوضح أنّ “انتخاب ترامب رئيساً لم يمثّل منعطفاً بحد ذاته، وإنّما جاء كمؤشر على أنّ التحوّل حصل”، مستبعداً في الوقت نفسه عودة الولايات المتحدة إلى الوراء في هذه المسألة، حتى أنّ كل المتنافسين ضمن الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي الهادفة إلى اختيار مرشح يواجه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، أبدوا تأييدهم للانسحاب من أفغانستان، وإن بدرجات متباينة.
أهم بنود الاتفاق
- سحب 5000 جندي أميركي.
- إغلاق خمس قواعد عسكرية أميركية خلال 135 يوما.
- قطع علاقة طالبان مع تنظيم القاعدة.
- عدم السماح للتنظيمات المتطرفة باستخدام الأراضي الأفغانية لمهاجمة الولايات المتحدة والدول الحليفة لها، ومصالحها في العالم.
- دخول طالبان في مفاوضات مباشرة مع الحكومة المركزية في كابول.
ويقول النائب رو خانا، الداعم للمرشح الديمقراطي ذي الحظوظ الوافرة بيرني ساندرز، “القول إن بمقدور القنابل حمايتنا من الإرهاب رأي خاطئ”.
ويتساءل “كان ثمة توافق واسع على أنّ الضربات الأولى في أفغانستان كانت مبررة. ولكن ماذا نقول بعد 20 عاماً؟ لم يقل أحد إننا كنا نريد تحويل المجتمع الأفغاني”.
وبالرغم من وعود دونالد ترامب بشأن “الحروب التي لا تنتهي”، ثمة أكثر من 200 ألف جندي أميركي لا يزالون منتشرين في الخارج، علاوة على التعزيزات التي أرسلت العام الماضي إلى الشرق الأوسط.
ورغم الإشارة إلى التركيز من الآن فصاعداً على التهديدات التي تمثلها روسيا والصين، فإنّ إدارة ترامب انخرطت في مواجهة شديدة مع إيران، ووصل بها الأمر إلى شن هجوم لاغتيال أحد أبرز جنرالاتها.
ويعتبر دبلوماسي رفيع في دولة حليفة للولايات المتحدة أنّ “ترامب ليس انعزاليا، ولكنّه شخص يفضّل اختيار الأمكنة التي يتوجب أن تتدخل فيها الولايات المتحدة”. ويضيف “هذا (النهج) يظلّ جيداً إلى حين أن تملأ الفراغ قوى أخرى أكثر إشكالية على غرار روسيا”. وهذا شبيه بما يحصل في سوريا حيث تدعم روسيا نظام الرئيس بشار الأسد.
ولاقى قرار ترامب بسحب القوات الأميركية من شمال سوريا الكثير من الانتقادات حتى ضمن الفريق الجمهوري ، ما فتح المجال أمام هجوم تركي على القوى الكردية الحليفة لواشنطن. غير أنّ قلّة من هذا الفريق شككت بمبرر انتشار أميركي طويل المدى في الشرق الأوسط.
ومنذ الـ11 من سبتمبر، أسفرت الحروب التي قادتها الولايات المتحدة بشكل مباشر عن مقتل أكثر من 800 ألف شخص وكلّفت واشنطن ما يقدّر بنحو 6 آلاف مليار دولار، بحسب دراسة أعدتها جامعة براون.
وهذا ما أدى إلى تراجع دعم الأميركيين للتدخلات العسكرية مع مرور الوقت. ففي إحصاء نشره معهد غالوب في سبتمبر الماضي تبيّن أنّ 43 في المئة يعتقدون بأنّ الحرب في أفغانستان كانت خاطئة منذ البداية.
ويعتبر الجنرال الأميركي المتقاعد ديفيد بترايوس الذي عمل في العراق وأفغانستان، أنّه بمقدور الولايات المتحدة القيام بانتشارات عسكرية طويلة الأمد في الخارج ولكن بشرط تقليص “الكلفة الإنسانية والمالية”.
ويرى أنّ العقدين الأخيرين أظهرا أنّ “المناطق المحكومة بشكل سيء، أو غير المحكومة، في العالم المسلم، وخاصة في الشرق الأوسط توفر أرضاً خصبة للمتطرفين الإسلاميين”. وشدد أمام الحضور في معهد كوينسي على أنّه “من غير الممكن أن ننتظر أن تُحلّ المشكلة ونحن مكتوفو الأيدي”.
ومن المفترض أن تبدأ مفاوضات سلام مباشرة غير مسبوقة بين الحركة وسلطات كابول بحلول 10 مارس، استكمالا للاتفاق الموقّع مع واشنطن، وفقا لمسؤولين أميركيين.
وقال مسؤول لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ “الاتفاق ينص على تاريخ 10 مارس، لكن علينا أن نكون واقعيين”، بينما رجّح مسؤول آخر أن تبدأ المفاوضات في النصف الأول من مارس وأن تعقد في أوسلو.
وبحسب المسؤولين، فإنّ التحدي الرئيسي يكمن في صعوبة تشكيل وفد موحد يجمع الحكومة الأفغانية والمعارضة والمجتمع المدني في ظل الخلافات القائمة حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وقد وافقت واشنطن وحركة طالبان على تبادل آلاف الأسرى ضمن “إجراءات لبناء الثقة” قبل انطلاق المفاوضات الأفغانية.
وحضّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشعب الأفغاني على اغتنام الفرصة، قائلا إنه “في حال كانت طالبان والحكومة الأفغانية على مستوى الالتزامات، سنمضي قدماً لوضع حد للحرب في أفغانستان وإعادة جنودنا إلى الوطن”.