اتفاق السلام في ناغورني قره باغ يثير ارتباكا بشأن الحدود الجديدة

أسكيران (أذربيجان)- ينظر مقاتل أرمني يحمل رشاش كلاشينكوف على كتفه بمنظار في اتجاه معسكر للقوات الأذرية يقع على الجانب الآخر من واد وعر يفصل بين المقاتلين الأرمن وقوات باكو في ناغورني قره باغ، حيث بات هذا الوادي يشكل الحدود الجديدة والغامضة التي تفصل بين الطرفين بموجب اتفاق سلام أنهى أسابيع من الاشتباكات العنيفة.
لكن مزرعة أشجار الرمان التي يملكها فارجيز هاروتيونيان تقع في هذه المنطقة الفاصلة بين الجنود، وهو يخشى أنه لن يتمكن من جني الثمار هذا العام.
وقال هاروتيونيان (64 عاما) فيما ينظر باتجاه صفوف الأشجار التي اعتنى بها على مدار أكثر من عقد “يقف الآن جنود أذريون هناك”. وأضاف “إذا كانت تلك الأرض ملكهم، فماذا يمكننا أن نفعل؟”.
واندلعت الاشتباكات في أواخر سبتمبر بين الانفصاليين المدعومين من أرمينيا الذين سيطروا على المنطقة لمدة 30 عاما والجيش الأذري الذي عزم على استعادة السيطرة على هذا المنطقة الجبلية.
وقتل الآلاف ونزحت العديد من العائلات خلال الأسابيع الستة من القتال الذي وضع حدا له اتفاق سلام بوساطة روسية، شهد تنازل الأرمن عن مساحات شاسعة من الأراضي التي سيطرت عليها أذربيجان.
والآن، تشرف على الواقع الجغرافي الجديد لناغورني قره باغ والعديد من المناطق المحيطة التي كان يسيطر عليها الانفصاليون، قوة قوامها حوالي ألفي جندي حفظ سلام روسي، خدم عدد منهم في السابق بسوريا.
ولكن في انتظار وصولهم إلى ترسيم الحدود في هذا الوادي الواقع قرب بلدة أسكيران، يبقى هاروتيونيان ومستقبل أشجار الفاكهة معلقين. وأمام بقايا حريق مشتعل في تضاريس وعرة، يقر هاروتيونيان النائب السابق لقائد شرطة المنطقة، بأن نهاية الحرب ولّدت حالة جديدة من عدم اليقين. وقال “تنازلنا عن نصف البلاد”.
ومن أجل الحصول على توضيح بشأن مسألة الوصول إلى أرضه، يناشد هاروتيونيان أرفيد غوليان نائب رئيس الزراعة في المنطقة التي تقع مكاتبها في أسكيران. في مكتب غوليان، يمسح هاروتيونيان بإصبعه على خارطة معلقة على جدار، المنطقة لتحديد موقع مزرعته، فيما يبدي المسؤول المحلي تعاطفه لكنه غير قادر على تقديم حل.
وأوضح المسؤول “أراد أن يعرف ما إذا كانت المزرعة تابعة لنا أو لأذربيجان. لكن هذا غير واضح”. وتابع “لم يتم ترسيم الحدود بعد”. وهذه البلدة الفقيرة الواقعة بين منحدرات شديدة الانحدار، مزينة بصلبان ونصب تذكارية للحرب وأعلام المقاطعة التي أعلنت الحكم الذاتي في التسعينات لكن لم يتم الاعتراف بها دوليا.
وانفصل إقليم ناغورني قره باغ، وهو منطقة ذات أغلبية أرمنية في أذربيجان، عن باكو خلال حرب في أوائل تسعينات القرن الماضي خلفت حوالي 30 ألف قتيل. ومع استمرار توضيح بنود الاتفاق وانتقالها إلى حيز التنفيذ تبقى مسألة الحدود وأمور أخرى كثيرة غير واضحة.
الاتفاق الذي وُقّع برعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأنهى الصراع الأخير، لا يذكر أي حل طويل الأمد للمنطقة أو أي مفاوضات بهذا الشأن
وقد أثار قرار رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان الموافقة على التنازل عن الأراضي المتنازع عليها، أزمة سياسية فيما أصبحت حياته المهنية على المحك. كما أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الأسبوع تساؤلات حول “الغموض” في الاتفاق، مشيرا خصوصا إلى تساؤلات حول اللاجئين ودور تركيا في الهدنة.
وفي أسكيران، قال غوليان إن هناك انقطاعا غير مبرر في التيار الكهربائي خلال الآونة الأخيرة كما أن إمدادات الغاز أصبحت غير منتظمة. وختم “لا نعرف ماذا سيحصل بعد ذلك”.
وتوقف القتال في ناغورني قره باغ بعد أسبوع من توقيع اتفاق يكرّس هزيمة الأرمن في وجه أذربيجان. لكن رغم تنازل أرمينيا عن مساحات شاسعة من الأراضي ونشر جنود روس لحفظ السلام، فإن الحل الدائم للصراع المستمر منذ عقود ما زال بعيد المنال.
وسيتعين على أرمينيا وإقليم ناغورني قره باغ التنازل للقوات الأذرية بين 20 نوفمبر و1 ديسمبر عن ثلاث مناطق هي أغدام وكلبجار ولاتشين. وهذه المناطق، بالإضافة إلى أربع أخرى، أعادت باكو احتلالها عسكريا بين 27 سبتمبر و9 نوفمبر ولا تشكل في الواقع جزءا من ناغورني قره باغ لكنها شكلت حزاما أمنيا حول المنطقة لنحو ثلاثين عاما.
وبدأ السكان الأرمن الذين يبلغ عددهم عشرات الآلاف، بالفرار من هذه المناطق، كما فعل الأذريون في التسعينات. وفر ما بين 75 ألفا و90 ألفا من سكان المنطقة البالغ عددهم 150 ألف نسمة خلال القتال ويتوجّب عليهم أن يقرروا ما إذا كانوا سيعودون أم لا. ودعت السلطات المحلية السكان إلى العودة وقد وصلت الحافلات إلى ستيباناكرت عاصمة الإقليم بالفعل.
وسيشكّل استقبال هؤلاء السكان في أرمينيا تحديا اقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا لهذا البلد الفقير الذي يبلغ عدد سكانه ثلاثة ملايين نسمة. وترى هذه الجمهورية المعلنة من جانب واحد أن وجودها مضمون بموجب الاتفاق الموقع في 9 نوفمبر الجاري برعاية روسيا بين يريفان وباكو. وحتى لو تم إضعافها وتقليص مساحتها، يبدو أن بقاءها مضمون بنشر حوالي ألفي جندي روسي لحفظ السلام، لفترة خمس سنوات قابلة للتمديد.
ولم يطرح حل طويل الأمد للنزاع في ناغورني قره باغ والذي ابتلي به جنوب القوقاز منذ سقوط الاتحاد السوفييتي في العام 1991 في اتفاق السلام الذي أنهى القتال الأخير في الإقليم.
وهذا الاتفاق الذي وُقّع برعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأنهى الصراع الأخير، لا يذكر أي حل طويل الأمد للمنطقة أو أي مفاوضات بهذا الشأن. كما أنه منذ منتصف التسعينات، لم تسفر وساطة مجموعة مينسك برئاسة روسيا والولايات المتحدة وفرنسا، عن أي نتائج تذكر.
وتبنى الرئيس الأذري إلهام علييف الانتصار العسكري لبلاده وأعلن، خلافا للوعود التي قُطعت قبل الأعمال العدائية في الخريف، أن إقليم ناغورني قره باغ لن يتمتع أبدا بالحكم الذاتي عندما يعود إلى أذربيجان.