اتحاد ديتيب التركي يناور لإعادة اختراق المدارس الإسلامية في ألمانيا

أكبر اتحاد إسلامي في ألمانيا يعود إلى تدريس حصص الدين الإسلامي عقب سنوات من تعليق التعاون.
الخميس 2021/06/03
ديتيب.. التابع لا يمكن أن يكون مستقلا

دوسلدورف (ألمانيا) - للوهلة الأولى يبدو الأمر أنه مجرد مقعد في هيئة جديدة، لكنه في الحقيقة يتعلق بقرار أثار موجة من الجدل في ولاية شمال الراين – ويستفاليا الألمانية. فقد عاد اتحاد “ديتيب” الإسلامي التركي إلى الهيئة المختصة بتدريس حصص الدين الإسلامي في مدارس الولاية عقب سنوات من تعليق التعاون.

وقد أعلنت وزيرة التعليم المحلية في الولاية إيفونه جيباور مؤخرا أنها ستتعاون مع ست منظمات إسلامية في نموذج مفوضية فريد على مستوى ألمانيا، والذي يشارك فيه “ديتيب”، أكبر اتحاد إسلامي في ألمانيا. ومنذ ذلك الحين تتوالى الانتقادات وتتعرض حكومة الولاية بقيادة أرمين لاشيت لضغط. وهو ما دفع “ديتيب” للدفاع عن نفسه ضد “الاستقطاب”.

وهذه المفوضية الآن هي مسؤول التنسيق الخاص بالولاية في ما يتعلق بتدريس العقيدة الإسلامية، على غرار مشاركة الكنائس من الطائفتين الكاثوليكية والبروتستانتية. وقبل بضع سنوات طلبت ولاية شمال الراين – ويستفاليا والحكومة الاتحادية الألمانية من “ديتيب” الانفصال عن أنقرة. ويُثار جدل حول الاتحاد بسبب اعتماده على رئاسة الشؤون الدينية التركية “ديانت”، التي تتبع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ومن بين أمور أخرى، تورط “ديتيب” في قضية تجسس: فبحسب بيانات هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في ولاية شمال الراين – ويستفاليا، وشى العشرات من أئمة “ديتيب” لديانت بأسماء أشخاص ومؤسسات، بما في ذلك من قطاع التعليم.

لكن وزارة التربية والتعليم في الولاية ترى الآن “تغيرات جوهرية”، حيث ذكرت الوزارة أن اتحاد “ديتيب” في الولاية شكل لجنة مستقلة مختصة بشؤون حصص الدين الإسلامي في المدارس، والتي من المفترض “ألا تضم أي مسؤولين من أي دولة أو موظفين من ديتيب”.

قبل سنوات طلبت ولاية شمال الراين - ويستفاليا من ديتيب الانفصال عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

وأوضحت الوزارة أن هذا التعديل الجوهري في لوائح ديتيب كان العامل الحاسم للولاية في تقرير التعاون مع الفرع الإقليمي لـ”ديتيب”، والذي ستجرى مراقبة تأثيره عن كثب. فإذا مارست الدولة التركية أو “ديانت” أو القيادة الاتحادية لـ”ديتيب” نفوذا على المفوضية، فسوف تنهي الولاية الاتفاق.

وعقب مراجعة مكثفة تفترض السلطات التعليمية في الولاية أن الفرع الإقليمي لـ”ديتيب” يعمل “باستقلالية” في التعاون الخاص بمفوضية تدريس الدين الإسلامي في المدارس.

وفي المقابل، يرى فولكر بيك من مركز الدراسات الدينية بجامعة بوخوم الأمر بشكل مختلف تماما، حيث قال إنه من السذاجة الاستنتاج من تعديلات محدودة في لوائح الاتحاد أن أعضاء “ديتيب” سيتصرفون بشكل مستقل في مفوضية تدريس الدين الإسلامي في المدارس.

وأضاف “هذا يتركني عاجزا عن الكلام. إنهم يستهزئون بالأوساط السياسية… هم يحاولون السيطرة على تحديد من يحصلون على تصريح بالتدريس بين معلمي الدين الإسلامي. فمن لا يدعم حزب أردوغان ‘العدالة والتنمية’، لا ينبغي قبوله”.

ويقدم حصص الدين الإسلامي معلمون دينيون مدربون وفقا لمناهج تدريس ألمانية رسمية، لكنهم يحتاجون أيضا إلى تصريح ديني بالتدريس، والمفوضية الجديدة هي التي تمنح هذه “الإجازة”.

ويعتبر الخبير الدستوري في بون يوزيف إيسنزيه أن تعديل اللوائح غير فعال، حيث قال في تصريحات إعلامية إن الفرع الإقليمي لديتيب “لا يمكنه أن يجعل نفسه مستقلا”، مضيفا أنه لا توجد ضمانة لاستقلالية الاتحاد عن الدولة التركية، و”بالتالي فإن هذه اللوائح لا تفي بمتطلبات قانون المدارس الخاص بولاية شمال الراين – ويستفاليا”.

ووصف إيسنزيه من قبل تعديلا مماثلا في لوائح ديتيب بولاية هيسن بأنه غير فعال. وتوقفت هيسن عن التعاون مع ديتيب عام 2020.

ودافع وزير الداخلية المحلي في ولاية شمال الراين – ويستفاليا، هربرت رويل مؤخرا عن قرار الولاية، حيث ذكر أنه صحيح لا يرى أي إيجابية في ديتيب كمنظمة، إلا أنها الأكبر على حد تعبيره، موضحا أن هناك حاجة إلى شريك اتصال في العالم الإسلامي “إذا أردنا تنظيم دروس دين إسلامي”.

تعديل جوهري في لوائح ديتيب للعودة إلى سالف نشاطه
تعديل جوهري في لوائح ديتيب للعودة إلى سالف نشاطه

ويتلقى في ولاية شمال الراين – ويستفاليا نحو 22 ألف طالب حصص دين إسلامي في 260 مدرسة على يد 300 معلم. والاتجاه في تصاعد، حيث تقدم العديد من الولايات الأخرى هذه الحصص أيضا.

ويقول الباحث في الشؤون الإسلامية يورن تيلمان “لدى الدولة التركية، إذا أرادت ذلك، وصول مباشر إلى ديتيب في نقاط كثيرة وعلى جميع المستويات عبر ديانت”. ويرى تيلمان أن المشكلة تظل قائمة، حيث يتمتع مجلس استشاري يضم مسؤولين في ديانت بسلطات بعيدة المدى على قيادة ديتيب الاتحادية في ألمانيا، و”يقرر أيضا جميع التغييرات التي تطرأ على نظامه الأساسي، بغض النظر عن المستوى”.

وفي المقابل، رأى تيلمان أنه لا ينبغي المبالغة في تقييم نفوذ محتمل لديانت في مفوضية تدريس الدين الإسلامي بالولاية بالنظر إلى المقعد الواحد الذي تشغله ديتيب في المفوضية.

ويشكو اتحاد “ديتيب” من أن سمعته مستهدفة بوجه عام، حيث يرى أن الإشارة مرارا إلى “الأجواء السياسية العامة” والتعاون مع ديانت، وهي “مؤسسة ذات توجه ديني – لاهوتي”، أمر ينافي المنطق. وأشار الاتحاد إلى أن النقاد “يتحدثون عن نفوذ مفترض من دول أجنبية، لم يكن له وجود ولن يكون في أي وقت”. وأكد الاتحاد أنه يمارس “حقوقه الدستورية” في المفوضية.

وللمفوضية تأثير غير مباشر أيضا على الحصص الدراسية من خلال الموافقة على الكتب المدرسية، كما يوضح موسى باجراك رئيس اتحاد معلمي الدين الإسلامي.

ومن أجل منع اتخاذ “قرارات تعسفية”، طالب باجراك بتشكيل مجلس تحكيم مستقل داخل المفوضية، معربا عن أسفه من أن مثل هذه المفوضية لا تشكل شريحة عرضية من الجالية المسلمة في ولاية شمال الراين – ويستفاليا، وقال “كنا نتمنى مشاركة أوسع بكثير”.

5