إيمان موسى ترسم صورة جديدة للمرأة في تونس والجزائر والمغرب

علاقة الأدب بالمجتمع والتاريخ والفلسفة وحتى علم النفس علاقة وثيقة. من الشخصيات الأدبية اشتق الكثير من علماء النفس نظرياتهم، ومن قصائد هوميروس وغيره أرخنا لحقب وأحداث ومعارك، وعبر الأدب قدمت الفلسفة نفسها. إذن يمكن للأدب الكشف عن الكثير من الخفايا الاجتماعية والسياسية وحتى العلمية والتاريخية. ولذا استغلال الأدب لرصد واقع المرأة في مجتمع ما، أمر بالغ الدقة والأهمية.
تسعى الشاعرة والباحثة التونسية إيمان موسى في كتابها “الجندر وتحرر النساء في الروايات المغاربية المعاصرة”، إلى رصد واقع النساء في البلدان المغاربية من خلال الروايات المعاصرة لكاتبات من ثلاثة بلدان هي تونس والجزائر والمغرب.
ما يميز دراسة موسى الجديدة أنها لا تنطلق من قالب أيديولوجي، أو من فكرة مسبقة، بل ترصد الواقع كما هو، لتحرير المرأة المغاربية من الصور النمطية الكثيرة التي علقت بها، والتي ترسخت مع لوحات المستشرقين وكتابات الرجال، امرأة خاضعة خانعة ومسكينة تعيش صداما عنيفا مع الرجل، وهذا ما يثبت الواقع أنه واقع متجاوز إن لم نقل إنه واهم اليوم.
أصوات النساء
في تقديمها للكتاب رأت الأكاديمية سيلفي برودزياك أنه ينطلق من أطروحة ممتازة حول الأدب المعاصر قبل سنوات قليلة من ولادة الحركة التحررية التاريخية “أنا أيضا”. إيمان موسى تبين مجددا قوة الأدب لا فقط في تشكيل الخيال، لكن أيضا في نشر صرخات وحتى وشوشات أولئك النساء في مجتماعتنا البطرياركية.
واختارت موسى أن تحلل بعض الروايات لكاتبات مغاربيات معاصرات من وجهة نظر اجتماعية وسياسية أيضا، لتكشف من خلال نقدها أصوات نساء مختلفات عما كون لهن نظرتهن إلى نوعهن.
حول ولادة هذا الكتاب والهدف منه تقول إيمان موسى لـ”العرب”، “هذا الكتاب جاء إثر بحوثي في الدكتوراه حول وضعية النساء المغاربيات المعاصرات من منطلق الأدب الحديث والمعاصر الذي كتبته نساء من تونس والجزائر والمغرب”.
قامت موسى بدراسة مقارنة بين كاتبتين من كل بلد من البلدان المغاربية الثلاثة، لنفهم كيف تعيش المرأة المعاصرة في هذه الدول في الألفية الثالثة، خاصة بعد التغيرات السوسيو سياسية فيها، مثل تنقيح المدونة في المغرب والحراك في الجزائر وغيره من أحداث سبقته، والثورة في تونس.
وتنطلق المؤلفة من سؤال ملح اليوم حول مكانة المرأة اليوم في خضم كل هذه التحولات. وتضيف موسى “أردت أن أكشف عن الصورة الجديدة للمرأة، لأن الأبحاث التي وقعت على الأدب المغاربي بعد الاستقلال، أغلبها إن لم نقل كلها، تصور المرأة بصفتها ضحية ومثار شفقة”.
وتتابع “استندت في كتابي على أبحاث سوسيولوجية وتاريخية ومستندة أيضا على علم النفس وعلى الأدب وعلى بحوث الجندر، لكشف ملامح المرأة المغاربية المعاصرة. صحيح أن المرأة في عدة مناطق مازالت مضطهدة، كما هو حالها في مختلف أنحاء العالم، مازال هناك العنف ضد المرأة وتغييبها من المناصب السياسية المهمة، لكن هناك أيضا صورة المرأة التي تصارع بشكل يومي سواء في تونس أو الجزائر أو المغرب لأجل تحقيق ذاتها وافتكاك حقوقها وتحقيق المساواة”.
وتواصل في حديثها لـ”العرب”، “هناك نقطة مهمة للغاية اشتغلت عليها، أن الرجل والمرأة تجاوزا تلك المساحة التي يقف فيها كل منهما ضد الآخر، مثلا نجد الآباء اليوم، رغم الإمكانيات المادية البسيطة، يدفعون بناتهم لمواصلة الدراسة وللوصول إلى أعلى المراتب، الأخ نفس الشيء. الرجل يعيش نفس الضغط في مجتمعنا الذكوري، مجتمع يطالبه بأن يقيم عائلة، وغيرها، بينما هو أيضا يعيش وضعا صعبا”.
وتلفت موسى إلى أنها تحدثت في كتابها أيضا عن المصاعب التي يعيشها الرجال، معتبرة من جهة أخرى أن الرجل والمرأة كانا كل منهما في عالم مختلف، لكن مع الأجيال الجديدة تحول الرجل والمرأة أكثر إلى التكامل، إيمانا بضرورة أن يكون كل منهما حافزا للآخر لتحقيق التكامل.
المنطقة المضطربة
تقول موسى لـ”العرب”، “تطرقت إلى علاقة الأم وابنتها كيف كانتا سابقا تضطهدان بعضهما بعضا. قمت بمقارنة بين الماضي والحاضر، والآن أصبحت الأمهات داعمات لبناتهن”.
ولا يمكن الحديث عن النساء دون التطرق إلى قضية الحجاب، وتبحث المؤلفة في هذه القضية من زوايا مختلفة، منطلقة من السؤال الملح، لماذا عاد الحجاب بين سنوات التسعينات ومطلع الألفية الثالثة إلى المجتمعات المغاربية، رغم المستوى الثقافي والتعليمي الأفضل للنساء؟ وتتساءل حول سبب العودة إلى الحجاب وعلاقتها بالتيارات “النسوية الإسلامية” إن صحت العبارة.
تتابع موسى “تطرقت أيضا إلى قضية جسد المرأة، كيف أن النساء يعشن إلى اليوم في ضغوط متعلقة بأجسادهن، محاولة أن أطرح رأيي في وسائل التحرر”.
وتثبت المؤلفة نظرتها إلى واقع النساء مستشهدة حتى بواقع النساء في الطريق، تقول “صحيح أن المرأة لم تعد تعيش في غرف مغلقة، النساء يرتدن المقاهي والمطاعم والحانات وقاعات السينما، لكن رغم كل ذلك هناك إحساس بعدم الراحة، هذا الإحساس كان جوهر انطلاقي في تأليف كتابي”.
الرجل والمرأة كانا كل منهما في عالم مختلف لكن مع الأجيال الجديدة تحول الرجل والمرأة أكثر إلى التكامل
وتوضح موسى أن المرأة تعيش في منطقة مقلقة وغير آمنة، رغم كل المسار التحرري الذي خاضته ورغم قوتها والمناصب التي تبوأتها، وكأن هذه المنطقة متجذرة في ذوات النساء، لأنها ربما أو من المؤكد لم تنفصل جذريا عن ماضيها، فالمجتمع يسلط، في رأيها، ضغوطا أكبر على “النساء المتحررات”.
من البداية إلى النهاية تركز المؤلفة على هذه المنطقة المضطربة التي تعيش فيها المرأة في العمل والعائلة والزواج وحتى في وسط المجتمع، حيث تكون عرضة دائما لشتى أنواع العنف.
ويحسب لموسى أنها لم تنغلق في موضوع المرأة فاصلة إياها عن محيطها، وكأنها ذات معلقة في عالم معزول، وهو ما تقع فيه العديد من الباحثات والباحثين، بل فتحت قضايا المرأة على عوالمها المحيطة بها، ولم تذهب أيضا إلى التعميم، إذ اختارت أمثلتها بدقة.
تقول “الجسد، الحجاب، الموقع الاجتماعي، تموقع المرأة في الشارع، في العائلة، كلها تصب في البحث عن أسباب الاضطراب في كل هذه المواقع”.
وتختم “المرأة تلعب دورا هاما للغاية اليوم وليست ضحية أو سجينة، وهذا ما أثبته في مقارنة بين مختلف البلدان من منطلق طبعا الأدب المعاصر”.