إيمان الحصري المذيعة المفضلة للسلطة والجمهور في مصر

موقفها الصارم من بث تسريبات شخصية في برنامجها لمعارضين أو غيرهم، كما فعلت بعض البرامج الأخرى، يبقى دليلا قويا على تعاملها مع مهنتها باحترام.
الثلاثاء 2021/12/21
إعلامية تعادي التسريبات وتبرع في تقديم المناسبات الرئاسية

أمام كثرة التغيير الحاصل على مستوى الوجوه في المنظومة الإعلامية المصرية وتراجع منسوب المهنية لم يعد الجمهور مرتبطا بأسماء مذيعين بعينهم إلا ما ندر. فهذا يرحل وآخر يحل مكانه، لكن هناك وجوها، من النساء والرجال، مهما طال غيابها ينتظر الناس لحظة عودتها إلى الشاشة مرة أخرى من شدة الارتباط بها.

من هؤلاء المذيعة الشابة إيمان الحصري التي غابت عن جمهورها لقرابة ثمانية أشهر بعدما تعرضت لوعكة صحية خطيرة نتيجة خطأ طبي فادح، كاد أن يودي بحياتها لولا إنقاذها في اللحظات الأخيرة عندما سافرت إلى ألمانيا وخضعت لأكثر من عملية جراحية حتى تحسنت حالتها وأطلت على الجمهور لأول مرة بعد غيابها في احتفال رسمي خلال افتتاح طريق الكباش بالأقصر الشهر الماضي.

عكس الاحتفاء الجماهيري بعودة الحصري إلى الشاشة من جديد أن أزمة الشارع المصري مع الإعلام ليست في الوجوه أو السياسة التحريرية التي تتماهى مع الحكومة، بقدر ما يتعلق الأمر بشخصية المذيع نفسه والمضمون الذي يقدمه للناس، والتنوع في القضايا التي يطرحها مع تبني وجهات نظر المواطن لينقلها إلى صانع القرار.

شهدت السنوات الأخيرة اختفاء أسماء إعلامية كثيرة، لكن الجمهور لم يتأثر بغيابها أو يسأل عنها أو يطلب عودتها، لأنها بلغة الإعلام “احترقت” بعدما ارتمت في كنف الحكومة تماما وتحدت الشريحة التي يُفترض أن تتحدث بلسانها، وهي الناس، وأن يحتفي الكثيرون بمذيعة ويتعاطفون مع أزمتها فذلك حدث نادر في مصر.

بين الحكومة والمعارضة

[ ارتباط الجمهور بالحصري ينبع من مسيرة شخصية نجحت خلالها في أن تثبت جدارتها وسط المشاهير
ارتباط الجمهور بالحصري ينبع من مسيرة شخصية نجحت خلالها في أن تثبت جدارتها وسط المشاهير

تتبنى الحصري وجهة نظر الحكومة في أحيان كثيرة وتدافع عن قراراتها في مناسبات عدة، لكنها تمتلك قدرة ومهارة التسويق للخطاب الرسمي ببراعة وذكاء وحس سياسي، بعكس الكثير من أبناء المهنة الذين قد يصل بهم الحال إلى إعطاء دروس في الأخلاق للجمهور لمجرد أنه ممتعض من قرار بعينه.

أثبتت خلال مسيرتها الإعلامية أن المهنية والموضوعية من السمات التي لا تُكتسب بالخبرات وطول فترة العمل بالمهنة فقط، بقدر ما هي صفات نابعة من الشخصية ذاتها. فهناك شيوخ في الإعلام يرتكبون أخطاء قد ترتقي إلى مرتبة الجرائم الإعلامية، مع أنهم من المفترض أن يكونوا قدوة لشباب المهنة.

هي من المذيعات القليلات على الشاشة المصرية التي تمتلك وجها بشوشا وصاحبة ملامح رقيقة، ويكاد لا يسمع الجمهور صوتها أمام الميكروفون من شدة هدوئها ورصانتها واتزانها، فلا تميل إلى سياسة الصوت العالي أو الدخول في صراعات، بل قد تغلق الهاتف بوجه المتحدث بكل هدوء من دون أن تتصادم معه إذا وجدته يخرج عن سياق الموضوع محل المناقشة.

لدى الحصري العديد من الصفات التي يفضلها الجمهور الممتعض من الإعلام، حيث اعتادت في كل البرامج التي قدمتها عبر مسيرتها أن تتطرق لقضايا كل الشرائح المجتمعية دون تمييز أو عنصرية، وفي كل ملف تتحدث عنه تتكلم بثقة وفهم عميقين، لا تميل لمناقشته بشكل سطحي لمجرد التطرق إليه.

أهم ما يميزها أنها مذيعة لبقة وتنتقي كلماتها بدقة ونادرا ما تُخطئ في حديثها أو تهتز لمجرد أنها تتحدث أمام مسؤول بارز في السلطة حتى لو كان رئيس الجمهورية نفسه، بل تتكلم بطريقة تعكس ثقتها في نفسها وقدراتها، وتُدرك جيدا أنها في النهاية مذيعة، من حقها إدارة الحوار بالطريقة التي تناسبها طالما أنها لا تخل بالمهنية.

تلقب الحصري بأنها مذيعة المناسبات الرسمية، منذ وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى حكم البلاد، حيث يثق في قدراتها ومهاراتها وجديتها وانضباطها في كلامها حتى لو كانت تتحدث بطريقة عفوية بعيدا عن العبارات المكتوبة، لكنها في النهاية واعية لما تقول وتفهم جيدا في الكثير من الملفات والقضايا المطروحة.

تتطلب المناسبات التي تنظمها رئاسة الجمهورية أن يكون الواقف أمام الرئيس ليتحدث فيها أو يقدمها على قدر واف من الانضباط واللباقة، وغالبا ما يكون اجتاز الكثير من الاختبارات قبل أن يظهر في فعالية رسمية، ونجحت الحصري في نيل ثقة رئيس السلطة نفسه مع أنه كثيرا ما يبدي امتعاضه من الإعلام واشتكاه للمصريين.

مذيعة اللحظات الحساسة

ارتباط الجمهور بالحصري ينبع من مسيرة مهنية نجحت خلالها في أن تثبت جدارتها وسط العمالقة
ارتباط الجمهور بالحصري ينبع من مسيرة مهنية نجحت خلالها في أن تثبت جدارتها وسط العمالقة

قدمت أمام السيسي أهم الفعاليات التي كانت تحمل صبغة دولية، مثل المؤتمر الاقتصادي الذي حضره مسؤولون دوليون وأمراء وحكام عرب، كما تركت بصمة واضحة عندما قدمت حفل افتتاح قناة السويس الجديدة بحضور دولي بارز واستحواذها على منصة تقديم معظم المؤتمرات الشبابية التي تنظمها رئاسة الجمهورية.

في إحدى المرات، دخلت في نقاش مع الرئيس السيسي حول تمكين المرأة، وقالت له “حدث التمكين في البرلمان والوزارات، فأين باقي التمكين؟”، فابتسم وقال لها “لا يتبقى سوى أن تصبح رئيسة الوزراء امرأة”، فسألته بشجاعة “ولم لا تكون لدى مصر امرأة تترأس الحكومة”، في موقف عكس شجاعتها وثقتها في أن تجادل الرئيس.

كانت الحصري مفاجأة الحفل الكبير الذي تم تنظيمه مؤخرا لافتتاح طريق الكباش بمحافظة الأقصر جنوب مصر، حيث فوجئ الجمهور بظهورها لأول مرة منذ غيابها بعد الوعكة الصحية، واللافت أن هناك شريحة اهتمت وتفاعلت مع مشاركتها في تقديم الاحتفالية بشكل جيّد كنوع من التعبير عن سعادتهم بها.

تؤكد مثل هذه الشواهد أن الحصري يُنظر إليها رسميا وجماهيريا على أنها مذيعة تمتلك خصالا جيدة. وتبدو أحيانا نقطة بيضاء وسط منظومة أصابتها العتمة والفوضى وفشلت معها محاولات الإصلاح، فالناس من شدة غضبها على الحالة التي وصل إليها الإعلام تتمسك بأي وجه لديه قدر من الموضوعية.

ينبع ارتباط الجمهور بالحصري من مسيرة مهنية نجحت خلالها في أن تثبت جدارتها وسط العمالقة، ورغم ذلك لم تتغير أو تتبدل، فهي التي تخرجت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية والتحقت للعمل بقناة النيل للأخبار التابعة للتلفزيون الرسمي عام 2002، لم يمر على تعيينها وقت طويل وطلبت العمل مراسلة بالأراضي الفلسطينية.

في ذلك الوقت كانت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مشتعلة فكتبت لرئيس القناة بأنه ليس معقولا ألا يكون التلفزيون المصري حاضرا على الأرض ليرصد معاناة الفلسطينيين، ويقوم بتغطية الأحداث هناك، فتمت الموافقة لها على أن تمكث في قطاع غزة والضفة الغربية شهرا، لكنها قررت أن تظل هناك ثلاثة أشهر للتغطية.

استطاعت خلال فترة وجيزة أن تقدم نفسها لرؤسائها والجمهور أيضا. فقد كانت صغيرة في السن آنذاك، حتى اختيرت بعدها لتشارك في تقديم أهم وأبرز برنامج “توك شو” على شاشة التلفزيون المصري وقتها، وكان يحمل اسم “البيت بيتك”، مع الإعلاميين تامر أمين ومحمود سعد وخيري رمضان، لتصبح أصغر مذيعة تقدم برنامجا حواريا يتابعه قطاع كبير من المصريين.

شجاعة نادرة

الحصري تلقب بأنها مذيعة المناسبات الرسمية، منذ وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى حكم البلاد، حيث يثق في قدراتها ومهاراتها وجديتها وانضباطها في كلامها حتى لو كانت تتحدث بطريقة عفوية بعيدا عن العبارات المكتوبة

تمتلك شجاعة ومهارة الحديث منذ بداية عملها في الإعلام، واستطاعت أن تحجز لنفسها مكانا في البرنامج، رغم حداثة سنها مقارنة بخبرات أمين وسعد ورمضان، فهي التي تعلمت أصول المهنة من والدها الكاتب الصحافي البارز أحمد الحصري الذي كان يشغل منصب مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، المنبر الرسمي للدولة.

اعتادت إيمان الحصري أن تتعامل مع الإعلام كمهنة تتطلب قدرا من الاحترافية، وصقل الموهبة من خلال الانتقال بين المنابر الشهيرة، لذلك، وأمام محاولة الحزب الوطني الحاكم في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك الهيمنة على السياسة التحريرية لبرنامج “البيت بيتك” قررت أن ترحل وتلتحق للعمل بقناة الحرة الأميركية لتقديم برنامج جديد عن المرأة.

حمل اسم البرنامج وقتها “هن” وكان يختص بالحياة السياسية والاجتماعية للمرأة المصرية والعربية، واستطاعت أن تكتسب المزيد من الخبرات الإعلامية بحكم العمل في محطة دولية لا تخضع للإملاءات المباشرة، واشتهرت في بعض الأوساط بعدما تبنى برنامجها الدفاع عن المرأة وقضاياها والوقوف في وجه تهميشها مجتمعيا.

بعدها انتقلت إلى فضائية “صدى البلد” الخاصة، لكنها لم تستمر طويلا، حتى أسندت إليها فضائية “المحور” تقديم برنامج “90 دقيقة”، وكان وقتها من أشهر البرامج المصرية، وله جماهيرية واسعة، إلى أن استقرت أخيرا في فضائية “دي.أم.سي”، لتقدم برنامج “مساء دي.أم.سي” الذي ضاعف شعبيتها، وأعاد تقديمها للجمهور.

أهم ما نفع الحصري في مسيرتها الإعلامية دراستها للعلوم السياسية، فعندما تتطرق لأي قضية مرتبطة عامة تناقشها بطريقة عميقة، وتفهم ما تقول أو تحلل، ومهما كانت القضية لا ترتبط بالشأن المحلي، فهي تفتح النقاش حولها بأسلوب مرن وسهل وبسيط لتقدمها للجمهور بطريقة مناسبة.

صحيح أن أغلب البرامج المنافسة لها تؤدي نفس الدور تقريبا، لكنها مختلفة عن الآخرين في اهتمامها الواضح بالموضوعات الإنسانية التي تمس البسطاء، حتى لو كانت القضية المطروحة تستهدف إنقاذ أسرة أو رفع الظلم عن شخص واحد، فلا يعنيها أن الموضوع يهم شريحة كبيرة بالمجتمع، فمن المهم أن هناك حالة سوف تستفيد وتتغير ظروفها للأفضل من خلال منبرها.

اعتادت تخصيص وقت طويل من برنامجها للحالات الإنسانية لحل مشكلاتها على الهواء عبر التواصل مع المسؤول المختص، ونجحت في تكوين شعبية عند فئة البسطاء، بعكس بعض المنابر التي تهتم بتوجيه الخطاب إلى شرائح معينة، لا تمانع الدخول في نقاش مع أي مسؤول طالما تؤمن أنها على صواب.

ورغم جرأتها في النقاش هي من المفضلين عند الكثير من وزراء الحكومة، فلا تسبب لهم حرجا أو تطرح عليهم تساؤلات تسقطهم في دوامة الهفوات الكلامية التي تثير الناس عليهم، وتُذاكر موضوعها جيدا قبل بدء البرنامج، ومن عادتها أنها تحترم كل من هم خلف الكاميرا، ولا تتعامل بأنها المهيمنة على كل شيء في البرنامج.

شهرة بلا معارك

Thumbnail

يخلو رصيدها من المعارك الإعلامية الصاخبة لقناعتها بأن الشاشة ملك للمشاهد فقط، ولا يستهويها الدخول في خصومات أو صدامات، فقد قال مقربون منها لـ”العرب”، إنها تعتبر الإثارة والضوضاء ستضعانها في خانة الدخيلة على المهنة، وأكثر ما يعنيها أن تتطور وتتعلم من مدارس إعلامية مختلفة لتظهر بالصورة التي ترضي الجمهور.

الإعلام في نظر الحصري، مهنة تتطلب أن يمتلك العاملون فيها أدوات على رأسها المهنية، والمنافسة الحقيقة تكون في تطوير المحتوى، وتقديم خطاب مفيد للناس واستضافة شخصيات مختلفة لهم آراء متباينة لإظهار الحقيقة من كل اتجاهاتها.

يُحسب لها أنها من المذيعين الذين يكنون العداء للتهافت على مناقشة الموضوعات التي تتصدر “التريند”، وترفض تماما أن تقدم عملا لمجرد إرضاء الناس، وتقول عن ذلك “هل يعني أن بعض الجمهور يستهويه الحديث بطريقة سوقية أن يتحدث المذيع بنفس الأسلوب؟ الإعلامي هو القدوة والمؤثر في الجمهور، وليس العكس”.

تبدو مختلفة عن الكثير من مقدمي البرامج التلفزيونية، وقد ترى الأغلبية منهم يناقشون قضية تصنع نسب مشاهدات عالية لأن شبكات التواصل الاجتماعي مهتمة بها، لكنها لا تهتم ولا تتطرق إليها، طالما تراها سطحية أو مفتعلة، فهي منذ بداية عملها تضع لنفسها خطوطا حمراء، على رأسها الابتعاد عن الإثارة وتجاهل التركيز على الحوادث الشاذة.

مهما حاولت بعض الوجوه الإيحاء بأنها الأفضل والأكثر جماهيرية لا تمانع إيمان الحصري أن تصف مذيعا بعينه بأنه النموذج الأفضل والأشهر والأكثر تميزا، ما يعكس جزءا من شخصيتها المتواضعة واتزانها الشخصي، وعدم إصابتها بالغرور، رغم أنها من القلة التي اختارتها مؤسسة الرئاسة في مصر لتقديم المناسبات الرسمية، ولم تخرج في أي حلقة من برنامجها لتتاجر بهذه المكانة.

يظل موقفها الصارم من رفضها إذاعة تسريبات شخصية في برنامجها لمعارضين أو غيرهم، كما فعلت بعض البرامج الأخرى، دليلا قويا على تعاملها مع مهنة الإعلام باحترام، وأعلنت بشجاعة عدم قانونية هذا التصرف ورفضها القاطع لانتهاك الخصوصيات حتى صارت عند شريحة كبيرة من الجمهور المذيعة المفضلة.

12