إيران تواجه شيخوخة السكان بالحد من تنظيم الأسرة

السعي إلى زيادة معدل المواليد يضع حواجز أمام دخول النساء لسوق العمل.
الخميس 2020/06/18
طفل واحد يكفي

شجعت إيران الأسر على اتباع سياسة تنظيم النسل للتقليل من عدد أفرادها لسنوات طويلة، إلا أنه في السنوات الأخيرة انقلبت الموازين وغيرت توجهها وأصبحت تبحث عن سياسات جديدة لزيادة معدل الولادات، بعدما أصبح التهرم يهدد المجتمع الإيراني.

طهران – في إطار سعيها إلى زيادة عدد سكانها قيدت إيران توفير خدمات تنظيم الأسرة وقررت عدم إجراء عمليات التعقيم في المراكز الطبية الحكومية، وتوقفت بذلك المستشفيات والعيادات الحكومية عن إجراء عمليات قطع القناة الدافقة أو إعطاء وسائل منع الحمل للنساء في محاولة لإحياء النمو الديموغرافي الضعيف في البلاد.

ولكنها، وفق هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي”، ستحافظ على توفير موانع الحمل للنساء اللاتي قد تكون صحتهن معرضة للخطر فقط. وفي مقابل ذلك ستظل هذه الخدمات متاحة في المستشفيات الخاصة.

وأصبحت الحكومة قلقة بسبب قلة عدد المواليد وزيادة عدد كبار السن بين السكان. وكان نمو السكان قد انخفض إلى نسبة واحد في المئة. وإن لم يتخذ إجراء، بحسب ما قالته وزارة الصحة، فقد تصبح إيران أكبر دول العالم سنا خلال الـ30 سنة المقبلة.

وبحسب بيانات البنك الدولي، كانت نسبة النمو السكاني في البلاد قبل عامين 1.4 في المئة. وتبلغ هذه النسبة في العراق المجاور 2.3 في المئة، وفي السعودية 1.8 في المئة.

وبحسب ما ذكرته وكالة إرنا الرسمية للأنباء، فإن نسبة عدد الزيجات، والأطفال المولودين عبر الزواج في انخفاض، بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.

سكان إيران يتقدمون في السن بشكل أسرع من المتوسط العالمي وعملية الشيخوخة أسرع مما كانت عليه في بقية العالم

وأفاد نائب وزير الصحة، سيد حامد بركاتي، الشهر الماضي بأن معدل الزواج انخفض بنسبة 40 في المئة خلال العقد الماضي. وقال “مع استمرار هذا المعدل سنكون أكبر بلدان العالم سنا خلال الـ30 سنة القادمة”.

وأكد علماء الاجتماع أن تحول إيران إلى مجتمع هرم يعني تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في المستقبل، لافتين إلى أن طغيان فئة المسنين على المجتمع، وما يحتاجونه من خدمة ورعاية صحية ورواتب تقاعدية، من دون وجود فئة منتجة، يعني خللا في التوازن.

وقال تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية إن بركاتي كشف في مقابلة مع وكالة أنباء إيرانية، إن النساء الإيرانيات ينجبن الآن 1.7 طفل في المتوسط، وهو أقل بكثير من معدل 2.2 طفل المطلوب للحفاظ على السكان. وأشار التقرير إلى أن عمر ثلث البلد سيكون أكثر من 60 عاما بحلول عام 2050، وأضاف بركاتي “سواء أحببنا ذلك أم لا، سوف نصبح بلدا مسنا”.

وقال إن إجراءات ومنتجات تنظيم الأسرة ستظل متاحة في الصيدليات والمستشفيات الخاصة والعامة للنساء اللواتي تتعرض حياتهن للخطر.

وأظهر التقرير أن كل هذه الإجراءات لم تنجح، واستمرت معدلات المواليد في الانخفاض، وهو ما عزاه بركاتي إلى الظروف الإقتصادية السيئة التي تمنع الرجال من الزواج وتكوين أسرة. وقال إن النساء يؤخرن الزواج لمتابعة التعليم العالي، فضلا عن النفور الثقافي من إنجاب أكثر من طفلين.

عمر ثلث البلد سيكون أكثر من 60 عاما بحلول عام 2050
عمر ثلث البلد سيكون أكثر من 60 عاما بحلول عام 2050

ولجأت إيران في أواخر التسعينات لسياسات تنظيم الأسرة، وخفضت معدل المواليد من حوالي سبعة أطفال لكل امرأة في عام 1980 إلى أقل من طفلين بحلول عام 2011، وشجع رجال الدين الذين كانوا قلقين من أن يؤدي النمو السكاني الهائل خلال الثمانينات إلى الضغط على الموارد وارتفاع معدلات البطالة في المستقبل، على خفض معدل المواليد.

ويرى حقوقيون أن سعي إيران إلى زيادة معدل المواليد قد يؤدي إلى وضع حواجز جديدة أمام دخول النساء إلى سوق العمل وتحولهن إلى آلات لصنع الأطفال، وحذر مسؤولو الصحة العامة من أن محاولات مكافحة الإيدز وغيره من الأمراض المنقولة جنسيا ستتراجع من خلال تقييد وسائل منع الحمل.

وبحسب ما نقله راديو “فاردا” الإيراني، تسبب اقتراح رجل الدين المحافظ محمد إدريسي في إيران، الذي طالب بأن يدفع الشباب الذين بلغت أعمارهم 28 عاما وما فوق، وهم دون زواج، ضريبة للحكومة، في موجة من الغضب والسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وطالب إدريسي بأن يكون الزواج إلزاميا، وعلى أولئك الذين لم يتزوجوا في سن الثامنة والعشرين أن “يواجهوا العواقب”.

ويناشد رموز النظام الإيراني المواطنين للزواج والإنجاب باستمرار، في ظل عزوف الشباب عنه بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها البلاد. واقترح إدريسي فرض ضريبة تبلغ قيمتها ربع دخل الشخص الذي يبلغ 28 عاما ولا يزال عازبا.  كما اقترح أن يتلقى الأشخاص الذين يعانون مشكلات صحية تعيق الزواج والإنجاب بين سن 17 و28 عاما علاجا مجانيا.

واقترح رجل الدين أيضا حرمان الشباب غير المتزوجين من تولي مناصب إدارية عليا في البلاد أو التدريس في الجامعات، ودعا الحكومة لتقديم حوافز للمتزوجين في سن مبكرة، من بينها توفير فرص عمل. وأشارت إحصائيات حديثة إلى أن نحو مليون و400 ألف إيراني تتراوح أعمارهم بين 30 إلى 59 عاما، لم يتزوجوا بعد. وتظهر الإحصاءات الصادرة رسميا خلال السنوات الأخيرة أن عدد الزيجات مازال في انخفاض. وفي المقابل، تشهد حالات الطلاق وتيرة متصاعدة.

محاولة لإحياء النمو الديموغرافي الضعيف
محاولة لإحياء النمو الديموغرافي الضعيف

وفي وقت سابق قالت مستشارة وزير الصحة في إيران في قضايا الإنجاب، شهلا خسروي، حول معدل النمو السكاني في البلاد ”انخفض معدل الخصوبة في البلاد بشكل حاد على مدار الثلاثين عاما الماضية“.

وأضافت أن ”تأجيل الولادة الأولى في الأسرة والطلاق وعوامل أخرى قللت من معدل الخصوبة بشكل حاد”، منبهة إلى أن ”الاتجاه التنازلي لمعدلات الخصوبة حدث في جميع أنحاء العالم، لكن الدراسات أظهرت ارتفاعها بشكل حاد في إيران”. وتابعت ”سكان إيران يتقدمون في السن بشكل أسرع من المتوسط العالمي، وعملية الشيخوخة في إيران أسرع بكثير مما كانت عليه في بقية العالم”.

وحذر رئيس لجنة السياسات السكانية في المجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران، محمد جواد محمودي من أن البلد سيواجه أزمة سكانية عاصفة بحلول العام 2030، متوقعا أن تصل نسبة النمو السكاني في إيران بين عامي 2030 و2035 إلى صفر في المئة.

ونبه تقرير لموقع “راديو فردا”، نبه إلى أن السبب في ذلك هو تزايد معدلات الهجرة إلى الخارج وجنوح الشعب الإيراني إلى إنجاب عدد أقل من الأطفال، بجانب شيخوخة نسبة كبيرة من السكان.

وأدى تفشي فايروس كورونا في إيران إلى أن تكون أوضاع الإنجاب أكثر صعوبة من ذي قبل، حيث نشرت صحيفة “إيران” في وقت سابق مقالا للمحلل السياسي عباس عبدي بعنوان “كورونا ومستقبل أعداد السكان” قال فيه “إن فايروس كورونا ترك تأثيرا سلبيا على النمو السكاني من جهتين، وهما: الإنجاب وحالات الوفاة”.

وأضاف “بعد انتهاء فايروس كورونا، ستنخفض عملية الإنجاب أكثر فأكثر. وقد ترتفع في العام الحالي حالات الإجهاض لأسباب مختلفة، منها الخوف من الذهاب إلى المستشفيات، كما سينخفض الدافع للإنجاب، وقد تظهر نتائج هذه القضية على الأرجح عام 2021”.

21