إيران تحصي خسائر بيع نفطها بفعل الحظر الأميركي

بدأت إيران في إحصاء التكاليف الاقتصادية الباهظة المترتبة عن الحظر الأميركي الذي شل تجارتها النفطية رغم أنها تتفاخر بأنها تمكنت من الالتفاف على قيود الولايات المتحدة، وسط شكوك محللين ومؤسسات مالية دولية في قدرة طهران على تحقيق إيرادات من بيع النفط، التي تحلم بجنيها خلال الفترة المقبلة.
طهران – استيقظت إيران على الثمن الباهظ للعقوبات الأميركية والتي زادت من تداعياته الأزمة الصحية التي أدت إلى تسجيل خسائر كبيرة بسبب عدم وصول نفطها إلى الأسواق العالمية، في الوقت الذي يتزايد فيه الغموض حول إمكانية عودة البلد سريعا إلى ضخ الخام.
وأقر مسؤولون إيرانيون بحجم الأضرار التي تكبدها الاقتصاد الإيراني، إذ لم تعد هناك حيلة لإخفاء الخراب الاقتصادي نظرا لعدم وجود السيولة الكافية لتسيير شؤون الدولة مما ينذر بتفجر الوضع الاجتماعي مرة أخرى في بلد يضم أكثر من 80 مليون نسمة.
ونسبت وكالة الأنباء الإيرانية إيرنا إلى جواد أوجي وزير النفط الإيراني الجديد في حكومة الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي قوله إن “الحظر الأميركي أدى إلى فقدان إيران حوالي 100 مليار دولار من العوائد النفطية بسبب حرمانها من إنتاج 1.8 مليار برميل من النفط من أبريل 2018 وحتى اليوم”.
وهوت صادرات النفط، المصدر الرئيسي للإيرادات لإيران، في ظل العقوبات الأميركية التي أُعيد فرضها قبل ثلاث سنوات بعد أن تخلت واشنطن عن الاتفاق النووي لعام 2015 الذي وقعته طهران مع ست قوى عالمية.
وفي مايو 2018 انسحبت الولايات المتحدة حينما كان دونالد ترامب رئيسا من الاتفاق النووي، وأعادت فرض عقوبات عليها اعتبارا من أغسطس لنفس العام، وهددت الشركات والدول بعدم التعامل مع طهران. وأضاف أوجي أن فرض إجراءات الحظر من قبل الولايات المتحدة، على اثنين من الأعضاء المؤسسين لمنظمة أوبك، في إشارة إلى بلاده وفنزويلا، “يتعارض مع المبادئ والقوانين الدولية”.

ولا تكشف طهران عن بيانات صادراتها من الخام، لكن تقديرات تستند إلى مصادر بقطاع الشحن البحري ومصادر أخرى تشير إلى هبوطها من حوالي 2.8 مليون برميل يوميا في 2018 لمستويات تصل إلى 200 ألف برميل يوميا. وأشار مسح أجرته رويترز إلى أن الصادرات بلغت 600 ألف برميل يوميا في يونيو الماضي.
وقبل العقوبات كانت إيران تنتج حوالي 3.85 ملايين برميل يوميا تراجعت بعد فرضها إلى متوسط 1.9 مليون برميل يوميا، ولكنه صعد هذا العام إلى متوسط 2.3 مليون برميل.
واعتبر الوزير الإيراني أن أوبك+ ورغم كل المصاعب خلال السنتين الماضيتين بسبب جائحة كورونا، تمكنت من التمسك بمبادئها وأهدافها، وواصلت حركتها المشتركة في مواجهة تحديات أسواق النفط العالمية.
والشهر الماضي طالب الرئيس الأميركي جو بايدن بزيادة إنتاج النفط من جانب تحالف أوبك+، لخفض أسعار الوقود المباع في الأسواق الأميركية، وهو ما تحقق بالفعل خلال اجتماع التحالف في وقت سابق هذا الأسبوع.
ويشكك محللون ومؤسسات مالية دولية في قدرة إيران على تحقيق العوائد النفطية، التي تحلم بجنيها خلال الفترة المقبلة في خضم العقوبات الأميركية المشددة عليها، ووسط تأكيد المؤشرات على انحسار هامش تحركاتها لتسويق الخام.
واعتبر محللو وكالة بلومبرغ للأنباء أن تلاشي إمكانية عودة النفط الإيراني للأسواق قبل نهاية العام يزيل إحدى العقبات التي كان من شأنها أن تحول دون ارتفاع أسعار النفط في الأشهر المقبلة.
وكان وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان قد ألمح إلى أن الحكومة الجديدة تحتاج من شهرين إلى ثلاثة أشهر لوضع خطتها التفاوضية، قبل العودة إلى المحادثات مع القوى العالمية.
ويعني هذا بقاء العقوبات الأميركية، وأن التجار لن يحصلوا على المزيد من النفط الإيراني قريبا. وكان من شأن التوصل إلى اتفاق سريع قيام إيران على الفور بإطلاق مخزونها من النفط الخام واستعادة مستوياتها الإنتاجية.
600 ألف برميل يوميا صادرات إيران حاليا بعدما كانت عند 3.85 ملايين برميل يوميا قبل العقوبات
وكان أوجي قد أشار الأربعاء الماضي إلى أن بلاده مصممة على زيادة صادراتها النفطية على الرغم من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على مبيعات طهران من الخام، مضيفا أن استخدام العقوبات النفطية “كأداة سياسية” سيلحق ضررا بالسوق.
ويجمع محللو أسواق الطاقة على أن هامش مناورة إيران للإفلات “مؤقتا” من العقوبات الأميركية عبر زيادة بيع نفطها في الأسواق العالمية، بات محدودا للغاية أكثر من أي وقت مضى.
وتكافح طهران من أجل جني عوائد مالية لترقيع موازنتها المختلة عبر صادرات الخام المتراجعة رغم أن السلطات تتوقع أن تبلغ صادرات النفط للعام المالي الجاري الذي بدأ في الأول من أبريل الماضي نحو 12 مليار دولار، وهو ما اعتبره كثيرون أمرا صعبا.
ويترنح اقتصاد البلاد على حافة الانهيار في ظل انهيار العملة المحلية بعد أن بلغ سعر صرف الدولار نحو 240 ألف ريال وفقدان السلع الأساسية من الأسواق، في ظل إقرار الحكومة الضمني بفشل مؤسسات الدولة في القيام بدورها.
كما تتوسل السلطات بشركات القطاع الخاص وتعرض عليها النفط لإيجاد سبل لتهريبه، كما عرضت عليها إدارة الشركات الحكومية المترهلة لإنقاذها من الإفلاس.
ويجمع محللون على أن الوضع الاقتصادي في إيران وصل إلى طريق مسدود ولم يعد معه بالإمكان تدارك الأزمة في ظل تفاقم معاناة المواطنين واستفحال الفساد وسيطرة السلطة الدينية على ثروات البلاد وتسخيرها للأجندات السياسية الخارجية وحرمان الشعب منها طيلة أربعة عقود.