إنكار الرقابة على محتوى الإعلام الأردني هروب من الواقع

هيئة الإعلام الأردنية تسعى لفرض نفسها بإجراءات تتجاوز صلاحياتها.
الأربعاء 2021/08/25
رقابة غير معترف بها

يقتضي عمل هيئة الإعلام الأردنية إصدار تقرير رصد يومي لأي مخالفة تصدر عن وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، لكن نفي مدير عام الهيئة للدور الرقابي لها، طرح تساؤلات حول حقيقة مهمتها خصوصا بعد اقتراحه رفع رسوم ترخيص وسائل الإعلام في ظرف استثنائي.

عمان – تفاجأ الوسط الإعلامي في الأردن بتصريحات مدير عام هيئة الإعلام طارق أبوالراغب حول عمل الهيئة وعدم تدخلها في مراقبة المحتوى الإعلامي، رغم أن موقع الهيئة الإلكتروني يقول إن من مهام الهيئة متابعة مضامين محطات البث الإذاعي والتلفزيوني، وسبق أن وجهت إنذارات لمؤسسات إعلامية على خلفية ما تبثه.

وقال أبوالراغب في برنامج نبض البلد الاثنين على قناة “رؤيا” المحلية إن “الهيئة لا تكمم الأفواه ولا تتدخل في أي محتوى ولا بأي شكل من الأشكال، وإنها ليست من مسؤوليات الهيئة”.

وأضاف أن “المحتوى الذي تقدمة المؤسسات الإعلامية والصحافية هو حق لها، وأن ما يهمنا بالمحصلة الشكل والإطار التنظيمي”.

ويقتضي عمل هيئة الإعلام إصدار تقرير رصد يومي لأي مخالفة لأحكام القانون تصدر عن أي محطة إذاعية أو تلفزيونية. كما تراقب الهيئة كل المسلسلات والبرامج التي تقوم المؤسسات الإعلامية بشرائها قبل بثها، وهذا الأمر أيضا يخالف تصريحات أبوالراغب. وهو ما طرح تساؤلات حول وجود تضارب بين تصريحات أبوالراغب، وبين حقيقة مراقبة الهيئة لما تبثه وسائل الإعلام المرئية.

وتأتي تصريحات أبوالراغب وسط حالة من الغضب يعيشها الوسط الإعلامي بسبب رفع رسوم ترخيص المواقع الإلكترونية، والتي بررها رئيس الهيئة بأنها رسوم وليست جباية، وجاءت للتنظيم والرقابة.

وتمسك أبوالراغب بعدم سحب أنظمة الإعلام المعدلة التي رفعتها الهيئة إلى الحكومة هذا الأسبوع، متضمنة رفع رسوم تجديد ترخيص المواقع الإلكترونية، بالإضافة إلى فرض رسوم على البثّ المباشر عبر الإنترنت، ضاربا عرض الحائط بطلب نقابة الصحافيين ومركز حماية وحرية الصحافيين الصريح والمباشر بسحب مسودات الأنظمة.

الحكومة تتحدث يوميا عن أهمية دعم الإعلام، بينما تعديلاتها على الأنظمة تزيد من الأعباء المالية عليه

وساق أبوالراغب خلال استضافته في “راديو البلد” حجتين أساسيتين، الأولى أن تعديل تلك الأنظمة لازم من أجل مواكبة دمج هيئات المرئي والمسموع مع دائرة المطبوعات والنشر في هيئة الإعلام، وأن سحب الأنظمة المعدلة لن يحول دون إعادة تعديل الأنظمة، بحيث تتم مواكبة عملية دمج الهيئات.

أما الحجة الثانية التي تذرع بها أبوالراغب لعدم سحب مسودات الأنظمة المعدلة، فهي القول إن السحب ليس قرارا بيد الهيئة وحدها وإن هناك جهات أخرى لها علاقة بذلك، مع أن المنطق أن الهيئة التي رفعت التعديلات يُفترض أن تملك الحقّ في سحبها وتعديلها.

وانتقد صحافيون هذه المبررات على مواقع التواصل الاجتماعي، وطالبوا أبوالراغب بإبلاغهم بالجهات الأخرى التي لها علاقة بقرار سحب مسودات الأنظمة حتى يتوجهوا لها.

وأنشئت هيئة الإعلام بغية تنمية قطاع الإعلام والعمل على خلق مناخ استثماري سليم، لكن ما رفعته الهيئة من مقترحات للحكومة لإجراء تعديلات تتضمن رفع رسوم الترخيص للمواقع الإلكترونية، بدا غير مقبول لوسائل الإعلام في ظل المرحلة الاقتصادية الحساسة التي تمر بها بسبب جائحة كورونا، ومساهمة هذه المواقع في توفير فرص عمل لعدد كبير من الشباب، وسط توسع ملحوظ لرقعة الفقر والبطالة.

وينظر إلى الإعلام الإلكتروني في الأردن على أنه أكثر حرية من الإعلام التقليدي ويطرح قضايا أكثر جرأة، ويساهم في إسناد الإعلام الرسمي وتعويض قصوره في إيصال مشاكل الناس والتفاعل مع قضاياهم، مما يوجب تعزيزه لا تقييده.

ويبدو أن تصريحات أبوالراغب أثارت لغطا واسعا، ووضعت الحكومة في موقف محرج خصوصا أن رئيس الحكومة بشر الخصاونة ألمح إلى عدم ارتياحه للإعلام الإلكتروني، فيما أعرب وزير الدولة لشؤون الإعلام صخر دودين في تصريحات له عن ضرورة إيجاد حل لما تعانيه المؤسسات الصحافية.

وتساءل البعض عما إذا كانت الجهة التي قصدها أبوالراغب هي “جهة أمنية”.

ودعا ائتلاف ناشري المواقع الإلكترونية تحت التأسيس الحكومة إلى تحمّل مسؤولياتها في دعم وسائل الإعلام الإلكتروني، جراء ما أصابها بسبب تداعيات جائحة كورونا.

وطالب الائتلاف في بيان الثلاثاء الحكومة أن تعمل فورا على سحب مشروع قدمه مدير عام هيئة الإعلام إلى ديوان الرأي والتشريع لرفع الرسوم على المواقع الإلكترونية، ومنع الهيئة من استثارة وسائل الإعلام بإجراءات غير نظامية، حيث أصدر مديرها تعميما طلب بموجه من وسائل الإعلام تزويده ببيانات لا علاقة للهيئة بها.

Thumbnail

وأكد ناشرو المواقع في بيانهم أهمية تشكيل مجلس إدارة لهيئة الإعلام يتولى رسم السياسات العامة ويحدد سبل تنفيذها.

وجاء في البيان “بالعودة إلى الأنظمة والقوانين التي تحكم عمل هيئة الإعلام وتبين شروط ترخيص مختلف وسائل الإعلام، لم نجد ما يسمح لها بما أقدمت عليه سواء لرفع الرسوم أو طلبها بيانات خاصة بالمؤسسات الإعلامية”.

واعتبر متابعون أن هيئة الإعلام تسعى إلى دور أكبر في المشهد الإعلامي عبر ممارسات تتجاوز صلاحياتها.

وأعلن مركز حماية وحرية الصحافيين رفضه للتعديلات الحكومية المقترحة على الأنظمة المتعلقة بعمل الإعلام، وخاصة رفع رسوم الترخيص، فيما طالب مجلس نقابة الصحافيين بسحب النظام المقترح.

وأرسلت هيئة الإعلام إلى رئاسة الوزراء تعديلات على نظام الرسوم لترخيص المطابع ودور النشر والتوزيع والدراسات والبحوث، ومكاتب الدعاية والإعلان والمطبوعات الدورية، بالإضافة إلى نظام إجازة المصنفات المرئية والمسموعة ومراقبتها، ونظام معدل لرخص البث وإعادة البث الإذاعي والتلفزيوني.

وأبرز التعديلات استيفاء 500 دينار (700 دولار) عند تجديد رخصة الموقع الإلكتروني بدلا من 50 دينارا (70 دولارا)، وفرض رسم قدره 2500 دينار (3500 دولار) على منح رخص بث البرامج الإذاعية والتلفزيونية عبر الإنترنت.

وطالب مركز “حماية الصحافيين” في بيان الأحد الحكومة بالتراجع عن هذه التعديلات التي “تفرض قيودا على عمل وسائل الإعلام، ولا تتوافق مع المعايير الدولية لحرية التعبير والصحافة”.

وقال “إن فرض رسوم مالية جديدة مهما كانت مسمياتها وغاياتها يشكل إرهاقا لوسائل الإعلام المختلفة، التي تعاني من تراجع إيراداتها في السنوات الماضية، ومن تفاقم أزمتها مع جائحة كورونا”.

وأضاف أن “الحكومة تتحدث يوميا عن أهمية دعم الإعلام الوطني، وفي الممارسة تقدم تعديلات على الأنظمة تزيد من الأعباء المالية المترتبة عليها”.

ونبه “حماية الصحافيين” إلى أن التعديلات المقدمة إلى مجلس الوزراء “تثير القلق والمخاوف، ولا يمكن أن تسهم في تعزيز المهنية أو الحد من الإشاعات أو الإساءة للسمعة”، مشيرا إلى أن “الهدف الذي ستحققه يتمثل في تقليص عدد المؤسسات الإعلامية، وهذا يؤثر على تعدديتها وتنوعها، بالإضافة إلى الحد من فضاء الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي واستخداماتها”.

18