إنجازات وإخفاقات وفضائح في السينما العالمية والعربية

بدأت فضيحة المنتج السينمائي الأميركي هارفي وينستين، مؤسس ومدير شركة “ميراماكس”، عندما نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” في 5 أكتوبر الماضي مقالا يتضمن اتهامات مباشرة للرجل بارتكاب تحرشات جنسية ضد عدد من ممثلات هوليوود خلال ثلاثة عقود، ذُكر من بينهنّ روز ماغواين وأشلي جود، وسرعان ما تداعت الاتهامات من أسماء أشهر ممثلات هوليوود اللاتي بلغ عددهنّ نحو 80 ممثلة، وتراوحت الاتهامات من التحرش العابر إلى الاغتصاب، مرورا بالتهديد والإهانات والإرغام على ممارسات جنسية مختلفة.
وقد جاءت خاتمة هذه الاتهامات بالمقال الذي نشرته النجمة المكسيكية سلمى حايك في “نيويورك تايمز”، اتهمت فيه وينستين بتهديدها ومحاولة إرغامها على معاشرته جنسيا خلال تصوير فيلم “فريدا” عام 2002، وقالت إنه هددها أيضا بالقتل!
ورغم أن وينستين أصدر بيانا يعتذر فيه عمّا يمكن أن يكون قد سبّبه من ألم للبعض، إلاّ أنه نفى تماما ارتكاب أي اعتداءات جنسية، ويرى الكثير من المراقبين أن توجيه اتهامات كهذه من قبل عدد كبير من ممثلات هوليوود الشهيرات أمثال ميرا سورفينو وجوينيث بالترو وروزانا أركيت وآسيا أرجنتو، قد يتكفّل أخيرا بـ”تطهير هوليوود” من هذا النوع من الممارسات الذكورية التي تسيء إلى المرأة عموما، وتزدري عمل الممثلات بوجه خاص، خاصة بعد أن امتدت سلسلة الفضائح إلى أسماء شهيرة اتهمت بالاعتداء أو التحرش الجنسي، مثل آل باتشينو وداستين هوفمان وروي مور وريتشارد دريفوس وكيفن سبايسي والمخرج أوليفر ستون، بل واتهمت خمس نساء أيضا، الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب بالتحرش الجنسي!
وقبل نهاية عام 2017، أعلنت إدارة تلفزيون بي بي سي البريطاني أنها بصدد إنتاج فيلم تسجيلي بعنوان “وينستين” ستخرجه المخرجة أورسولا ماكفرلين، التي أخرجت فيلم “شارلي إبدو: ثلاثة أيام هزّت باريس”، وأن الفيلم سيشمل مقابلات مع عدد من الصحافيين والسينمائيين والمحامين ورجال الشرطة. وتعتزم المخرجة أن تروي من خلال الفيلم قصة هوليوود منذ نشأة شركات الإنتاج الكبرى في الثلاثينات من القرن الماضي، وصولا إلى انفجار فضيحة وينستين وبتركيز خاص على نشاط الشركة منذ السبعينات من نفس القرن.
|
الأرقام تتحدث
بعيدا عن فضيحة وينستين، شهدت هوليوود في 2017 انخفاضا ملحوظا في ما حققته من دخل خلال توزيع أفلامها، على الرغم مما حققته أفلام “المرأة الخارقة” لباتي جنكنز، و”دنكرك” لكريستوفر نولان، و”لوغان” لجيمس مانغولد من نجاح تجاري كبير، فقد حقق الفيلم الأول نحو 800 مليون دولار في عروضه الأميركية والخارجية، وهو رقم قياسي في فترة زمنية قصيرة نسبيا، وحقق الفيلم الثاني أكثر من نصف مليار دولار في عروضه العالمية والأميركية، بينما حصد الفيلم الثالث 616 مليون دولار.
وأرقام توزيع الأفلام في فصل الصيف الذي يشهد عادة عرض الأفلام التجارية أشارت إلى انخفاض ملحوظ بنسبة توازي نحو 14 في المئة مقارنة بصيف العام الماضي، فعلى الرغم من الآمال الكبيرة التي عقدها منتجو فيلم مثل “البرج الداكن” المأخوذ عن رواية ستيفن كنغ والذي قام ببطولته إدريس ألبا وماتيو ماكونوي، لم يحقق الفيلم أكثر من 111 مليون دولار في حين بلغت تكاليف إنتاجه 60 مليون دولار.
أما فيلم “الجبل بيننا” للمخرج الفلسطيني هاني أبوأسعد، أول فيلم يخرجه في هوليوود، فلم يحقق في عروضه الأميركية أكثر من 30 مليون دولار ومثلها في عروضه العالمية خارج الولايات المتحدة، رغم وجود النجمة الشهيرة كيت وينسليت في بطولته أمام إدريس ألبا، وربما يرجع السبب إلى تكرار الفيلم لثيمة مألوفة سبق اختبارها كثيرا من قبل في السينما.
وانتهى فيلم “المومياء” من بطولة توم كروز إلى أن وصفه أحد المحلّلين في أوساط الصناعة السينمائية بأنه “سيكون المسمار الأخير في نعش المومياء”، فالفيلم الذي بلغت تكاليف إنتاجه وتوزيعه 345 مليون دولار لم يحقّق في السوق الأميركية أكثر من 80 مليون دولار وفي الخارج 329 مليون دولار، أي 408 ملايين دولار إجمالا، وبالتالي لم تتجاوز أرباحه 60 مليون دولار في حين كان الأمل معقودا عليه لحصد نحو مليار دولار!
وقبيل نهاية العام نزل إلى دور العرض الفيلم المنتظر “ستار وورز: الجيدي الأخير” ليحقق في عطلة نهاية الأسبوع فقط 220 مليون دولار، ورغم احتفاء النقاد بالفيلم إلاّ أن الجمهور الذي شاهده لم يتحمس له، وهو ما يمكن أن يؤثر على وضعه في السوق بعد تلك الطفرة الأولى.
|
الأفلام الفنية
من زاوية الأفلام الأميركية والأوروبية الأكثر طموحا من الناحية الفنية يعتبر فيلم “بيبي درايفر” أحد أفضل الأفلام الأميركية وأكثرها نجاحا تجاريا أيضا. فالفيلم الذي أنتج بميزانية لا تزيد عن 34 مليون دولار حصد أكثر من 200 مليون دولار، أما فنيا فيتمتع الفيلم بنفس جديد وروح شابة، جعلت الإقبال عليه كبيرا.
والفيلم يثبّت قدمي المخرج البريطاني إدغار رايت في هوليوود، وهو يصوّر كيف أدمن شاب منذ حادث سيارة فقد خلاله أمه، على الاستماع للموسيقى الصاخبة عن طريق سماعات يضعها في أذنيه، للتغلب على ما أصابه من الحادث من طنين في أذنه اليمنى، ثم يتورّط في العمل كسائق بارع في خدمة عصابة للسطو المسلّح وما يتعرّض له من مفارقات. ومن ناحية الأسلوب يجمع الفيلم بين طابع أفلام الجريمة والإثارة والتشويق والرومانسية والموسيقى، ويحتوي على جرعة كبيرة من العنف، كما لا تغيب الموسيقى وكل أنواع الأغاني (البوب والروك والديسكو والبلوز) عن شريط الصوت.
وفي 2017 عادت المخرجة كاثرين بيغلو إلى السينما بفيلم “ديترويت”، وهو أول عمل تخرجه منذ فيلم “30 دقيقة بعد منتصف الليل” (2013) الذي كان يصوّر عملية تعقب وقتل أسامة بن لادن.
ويستند “ديترويت” إلى وقائع وأحداث حقيقية وقعت في مدينة ديترويت في يوليو عام 1967، عندما اندلعت أعمال شغب وحرق ونهب في أرجاء المدينة بعد قيام الشرطة بالاعتداء بوحشية على عدد من الشباب السود وقتل اثنين منهم دون مبرّر، ثم تبرئة ضباط الشرطة المسؤولين. والفيلم مصوّر بأسلوب الفيلم التسجيلي، لكنه رغم براعة مخرجته في التنفيذ، إلّا أنها اكتفت بوصف الأحداث كما وقعت، دون النفاذ إلى أعماق الموضوع والشخصيات، كما يعاني السيناريو من غياب الحبكة الدرامية والشخصية التي كانت يمكن أن تقبض على الأحداث وتدفعها إلى الأمام.
ومن أهم أفلام العام الفنية الفيلم المجري “عن الروح والجسد” لإيديكو إنيدي الذي تعود به هذه المخرجة إلى السينما بعد 18 عاما من الغياب، لتدهشنا بموضوعها المبتكر، المثير للفكر والخيال، وهو يصوّر كيف تنشأ علاقة حب حقيقي بين اثنين لا يربطهما شيء مشترك، رجل وامرأة يعملان داخل مسلخ لذبح الحيوانات وإعداد لحومها للتوزيع، بل إن كليهما يعاني من التردّد والتلعثم والخجل وغياب اأي وسيلة حقيقية للتواصل.
|
ويأتي بعده الفيلم الشيلي “امرأة رائعة” للمخرج سباستيان ليلو الذي يصوّر كيف تصمد امرأة لكل أشكال القمع والانتهاك الجسدي والمعنوي لمجرد التشكّك في ما إذا كانت طرفا في جريمة قتل رغم غياب أي دليل على ذلك، وهي تقاوم وتتسامى بقوة إرادة مذهلة ورغبة دائمة في الاحتفال بالحياة.
وكان الفيلم البريطاني “قتل غزال مقدس” للمخرج اليوناني الشهير يوغوس لانتيموس أحد أفضل الأفلام التي عرضت في مهرجان كان، وهو ينتمي أساسا إلى سينما الفكر والفن الرفيع، ويعبر عن رؤية مدهشة للعالم، تعتبر امتدادا لرؤية مخرجه ومؤلفه وحسه العبثي الساخر، وعنوان الفيلم وموضوعه مستمدان من الأسطورة اليونانية التي تتلخّص في ضرورة التضحية بأحد أفراد العائلة تفاديا لإصابة أفراد العائلة جميعا بلعنة الآلهة.
ورغم طابعه الذي يجعله يبدو كأحد أفلام الرعب، إلاّ أنه يذكرنا على نحو ما، ببعض أفلام المخرج الإيطالي الراحل بيير باولو بازوليني، في هجائه للبرجوازية وكشفه نفاقها وكذبها وإزاحة الستار الزائف الذي يخفي ضعفها وتشويشها، وهو يجاري في هذا على صعيد آخر، الفيلم الفرنسي البديع “نهاية سعيدة” للمخرج النمساوي مايكل هانيكه الذي عرض بمسابقة مهرجان كان.
وعلى صعيد السينما العربية برزت عدة أفلام في 2017 أولها فيلم “القضية 23” للبناني المخرج زياد دويري، الذي أثار الكثير من الجدل والخلافات التي لا تزال قائمة، خاصة بعد أن دخل الفيلم القائمة الأولية للأفلام المرشحة لأفضل فيلم أجنبي في مسابقة الأوسكار.
السينما العربية
من الناحية الفنية يتمتع فيلم “القضية 23” بصورة جيدة ومونتاج محكم وإيقاع متصاعد وكشف تدريجي عن التفاصيل، فزياد دويري مخرج محترف وجيّد يعرف ما يريد من كل مشهد من مشاهد فيلمه، ويعرف كيف يقوم بتصعيد المواقف والانتقال من تفصيل إلى آخر، والتحكم في رسم ملامح الشخصيات.
أما من ناحية الموضوع، فالفيلم الذي يتناول الوضع الشائك للفلسطينيين في لبنان، والعلاقة بينهم وبين اللبنانيين على خلفية الأحداث السياسية التي وقعت في لبنان زمن الحرب الأهلية، كان يمكن أن تصنع عملا شديد الجاذبية والتأثير، خاصة أنه يحمل بصمات أسلوب دويري الذي يجنح عادة إلى السخرية السوداء، ويميل إلى تصوير عبثية “الحالة السياسية”.
|
لكنه بعد البداية الواعدة سرعان ما يقع في المباشرة والخطابة والنزعة التوفيقيّة دون أن ينجح في إخفاء انحياز واضح إلى طرف معين، يجعل من هزيمته نصرا، ومن تعصّبه وتعنّته نبلا، ومن رفضه المقيت قبول الآخر أمرا مبرّرا في ضوء ما تعرّضت له “قبيلته” في الماضي.
ولعل أفضل عناصر الفيلم الأداء التمثيلي لبطليه الممثل الفلسطيني كمال الباشا الذي فاز بجائزة أحسن ممثل في مهرجان فينيسيا، والممثل اللبناني عادل كرم الذي كان يستحقّ أيضا جائزة موازية.
وبعد فينيسيا عرض الفيلم في مهرجان الجونة السينمائي في أولى دوراته، وهو المهرجان الذي أسّسه الملياردير المصري نجيب ساويرس وأصبح أهم أحداث العام السينمائية، حيث قيل الكثير عن منافسته لمهرجان القاهرة السينمائي الذي شهد أيضا أزمة انتهت بإعلان استقالة رئيسته ماجدة واصف، لتصبح الرئيس الرابع للمهرجان الذي يستقيل احتجاجا على تعامل وزارة الثقافة المصرية مع المهرجان وتدخلها في عمل المسؤولين عنه.
وغاب في 2017 مهرجان مراكش السينمائي الذي تأسس عام 2001، وتردّد أنه توقّف مؤقتا وأنه سيعود في العام القادم.
وبرزت في مهرجان دبي أفلام سبق عرضُها عروضا أولى في المهرجانات الأوروبية، فقد فاز بجائزة مسابقته العربية الفيلم الفلسطيني “واجب” للمخرجة آن ماري جاسر، وفاز بجائزة أحسن ممثل بطلا الفيلم نفسه محمد بكري وصالح بكري، وفازت بجائزة أحسن ممثلة المصرية منحة البطرواي عن دورها في الفيلم الطليعي الجديد المدهش بأسلوبه ورؤيته الفنية “زهرة الصبار” للمخرجة والفنانة البصرية الموهوبة هالة القوصي.
ومن الأفلام المصرية الجديدة التي أثارت اهتماما كبيرا في 2017 فيلم “مولانا” لمجدي أحمد علي، وفيلم “الشيخ جاكسون” لعمرو سلامة، وفيلم “الأصليين” لمروان حامد، و”أخضر يابس” لمحمد حماد، وهي تعتبر أفضل الأفلام المصرية التي عرضت تجاريا في مصر.
ناقد سينمائي مصري