إلياس الفخفاخ والحزام المُفخخ

القضية ليست مرتبطة بجمع الأطراف السياسية المتباينة على طاولة واحدة، بل هي متعلقة بالقدرة على التجميع السياسي وفق برنامج مُشترك وهو ما لم يحصل إلى حد اللحظة.
الأربعاء 2020/02/05
في انتظار تشكيل حكومة

هل وصلت مُشاورات إلياس الفخفاخ، رئيس الحكومة التونسي المكلّف، إلى طريق مسدود، عقب أسبوعين فقط من بداية المُفاوضات مع الشُركاء المفترضين للحكم.

يبدو أنّ فرضيّة انهيار المشاورات وفشل جهود تشكيل الحكومة، هي الأقرب إلى الواقع رغم الخطاب التفاؤلي للفخفاخ خلال المؤتمر الصحافي الأخير، والذي شكّل بالنسبة للكثير من المتابعين تعبيرا عن الآمال القريبة من الأوهام، أكثر من انعكاس لواقع سياسي متشظ سبق وأن عبّر عن تنافره خلال الجولة الأولى لتشكيل الحكومة مع الحبيب الجملي.

لم يُحسن الفخفاخ -رغم تجربته السياسية المُعتبرة- قراءة المشهد السياسي ما بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ولم يستوعب اللحظة السياسية الفارقة والمتمثلة في إسقاط حكومة الحبيب الجملي في البرلمان، وبالتالي إحداث هوّة رمزية سحيقة بين حركة النهضة من جهة، والكتلة الديمقراطية من جهة ثانية.

وفي اللحظة التي كان الفخفاخ، يختار حزامه وفق “الخطّ الثوريّ” ويجتبي حلفاءه على هدى التقاطع مع الخزان الانتخابي للرئيس قيس سعيّد، كان في الحقيقة يفخّخ مسار تشكيل حكومته ويحكم عليها بالوصول إلى طريق مسدود، لا فقط لأنّ حالة التضاد ضمن “الصفّ الثوريّ” أشد وطأة بين مكوناته على من هم خارجه، بل أيضا لأنّ واقعة البرلمان تحتاج إلى زمن سياسي طويل يُضمّد ندوب التباين ويعيد خلق الثقة بين الأطراف السياسية.

فالقضية ليست مرتبطة بجمع الأطراف المتباينة على طاولة واحدة، بل متعلقة بالقدرة على التجميع السياسي وفق برنامج مُشترك وهو ما لم يحصل إلى حدّ اللحظة.

والقضية متصلة أيضا بالخطأ المبدئيّ في تفريق الفرقاء السياسيين بين “خط ثوريّ” و”خطّ فساد واستبداد”، أو بين “خطّ 17 ديسمبر” و”خطّ 14 يناير”، كما يحلو للرئيس قيس سعيد الإشارة إليه، في حين أنّ المرحلة الاقتصادية والاجتماعية تفرض مبدأ التوافق التاريخي والتقاطع الاستراتيجي بين الخط الثوري المؤمن بالدولة وبين خط الدولة المؤمن بالثورة.

لن نُجانب الصواب إن وصفنا الحزام السياسي لحكومة الفخفاخ، بالحزام المفخّخ القابل للانفجار، فأن تكون حيال تكتلات سياسية تعيش ترف الاشتراط المسبق، فمعناه صعوبة التجميع بينها ضمن حكومة شبه مستقرة.

هل يعني كل ما تقدم أنّ تونس ذاهبة إلى خيار الانتخابات التشريعية المبكرة، قد يكون من المبكر التسليم بهذا الأمر، ولكن من الواضح أنّ على الفخفاخ استبدال حزامه السياسي من حزام مُفخخ بمقولات التضاد إلى مُخفف من حمولة الصفّ الثوري.

وأن ينتقل الفخفاخ من مُشاورات الخيارات الثورية، إلى مفاوضات خيار الضرورة، حيث الانفتاح على الكتلة الثانية والتي لا يُمكن تجاوزها أو القفز عليها، سواء لتعبيرها عن رغبة جزء معتبر من الشعب التونسي أو لطبيعتها كبيضة قبان في منظومة الحكم أو في تشكيل الحكومة أو في مشهدية المعارضة، لهو الخيار الأقل تكلفة على المجموعة الوطنية برمتها.

فهل سيقبل الفخفاخ مبدأ تدوير زوايا المشاورات لضمّ المهمشين من القائمة الأولى للأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة؟ المعلومات الواردة من قصر الضيافة تؤكّد أن الفخفاخ وفريقه الاستشاري لا يزالان متمسكين بخيار حكومة الصف الثوري، والأكثر من ذلك أنّ هناك من يُراهن على قدرة الحقائب الوزارية على التخفيف من حدّة الفيتوات المتبادلة.

وإن صدقت هذه المعطيات، فهو رهان خاطئ، واستنساخ رديء لسيناريو حكومة الجملي، فالذين لا يجمعهم استحقاق الحكم المشترك والتنازل الجماعي لن تستوعبهم الحقائب الوزارية للحكومات.

8