إلهام شاهين فنانة مصرية تعادي مدرسة الأخلاق المفتعلة

الممثلة المصرية لا تُمانع من أن يتم وصفها بالفنانة المثيرة أو المغرية أو حتى المتمردة، المهم عندها أن يعترف الناس بأنها قدمت فنا حقيقيا.
الخميس 2021/12/02
تستهويها الأدوار المستفزة للمحافظين

أوحت الحملة الشرسة التي تعرضت لها مسرحية “المومس الفاضلة” بعد أن أعلنت الفنانة المصرية إلهام شاهين أنها تنوي القيام ببطولتها، بأن المستهدف هو شاهين نفسها وليس العمل المسرحي، حيث صارت منذ فترة عرضة للهجوم والسخرية والتنمر والاستهداف لكونها تسير عكس اتجاه التيار المحافظ في كل شيء، وأيّ وقت.

ورأى الكثيرون، ومنهم نواب داخل البرلمان، أن اسم المسرحية مستفز، ويشير بشكل غير مباشر إلى الانحلال الأخلاقي، لكنها خرجت ودافعت عن موقفها وتمسكت بعدم تغيير الاسم والمضي في طريقها غير عابئة بما تتعرض له من انتقادات لاذعة، فهذه هي إلهام شاهين التي لم تتغير منذ عرفها جمهور السينما في أواخر السبعينات.

اعتادت أن تناصب مدرسة الأخلاق المفتعلة العداء، وتتمسك بأن تكون حياتها ومهنتها خاضعة لرغبتها وحدها لا رغبة مدّعي الفضيلة. تضع نفسها في مواجهة معارضيها طوال الوقت، من شرائح مختلفة تتعامل مع ما تقدمه شاهين كدعوة صريحة للتحرر.

المسكوت عنه مجتمعيا

[ شاهين تؤمن أن الخجل لا يمكن أن يصنع فنانا ناجحا، وأنه لا بديل عن السير ضد المشعوذين سياسيا
[ شاهين تؤمن أن الخجل لا يمكن أن يصنع فنانا ناجحا، وأنه لا بديل عن السير ضد المشعوذين سياسيا

منذ بدأت حياتها الفنية من على خشبة مسرح الدولة رأت أن الفن في حاجة إلى جرأة غير عادية، فلا يمكن أن يصنع الخجل فنانا ناجحا، ولا بديل عن السير ضد المشعوذين سياسيا، فالوقوف أمام جمهور المسرح ليس بالأمر السهل، فقد كانت في البداية خجولة وتخشى النظر في أعين الآخرين، لكنها تعلمت الجرأة من المسرح.

رفض والدها أن تدخل مجال الفن، ولم يغير قناعاته بمرور الزمن، لكنها كانت تتمرد على وجهة نظره، وأبلغها صراحة بأن الفن في حاجة إلى جرأة، وألحقها بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، وتركتها بعد عامين لتدرس المسرح عن قناعة شخصية.

تحدت والدها الذي هدد أمّها بالانفصال عنها لأنها كانت تقف في صفها، ولم تتراجع، وقررت استكمال مسيرتها، فغضب عليها ولم تبالِ، وترك منزل الأسرة لعله يؤثر في ابنته، لكنها مضت نحو حلمها. وكان أول عمل لها مسرحية “حورية من المريخ”، ومن بعدها اختيرت للوقوف أمام الفنان عادل إمام في فيلم “الهلفوت” لتتغير حياتها بعدما أدت الدور ببراعة.

أدركت مبكرا أن نجومية الفنان تتطلب أن تكون له قيمة ويختار الأعمال التي تناقش قضايا مسكوتا عنها، ولا أحد يقترب منها خوفا على شعبيته وجماهيريته، والأهم أن يهب نفسه وحياته للمهنة، بغض النظر عن تبعات ذلك على حياته الشخصية، فقررت أن تمارس الفن لأجل رسالة الفن، لا لأجل إلهام شاهين فقط.

بدت مستفزة أحيانا للكثيرين، فالمجتمع آمن بحرية الفن وقضاياه التي يناقشها، وهناك شريحة رأت أن قيامها بأدوار متحررة غير مقبول. وكل من رفضت أداء دور سينمائي لا يتناسب مع المجتمع كانت تقبله مهما بلغت جرأته.

الكثيرون ومنهم نواب داخل البرلمان يرون أن اسم مسرحية شاهين الجديدة "المومس الفاضلة" مستفز، ويشير بشكل غير مباشر إلى الانحلال الأخلاقي، لكن بطلة المشروع تمسكت بعدم تغيير الاسم

تجاوزت مبكرا فكرة التمثيل من بوابة أنها امرأة جميلة كما فعلت الكثيرات من جيلها، وتنقلت بين كل الأدوار، وناقشت قضايا الفساد والابتزاز الجنسي وذكورية المجتمع وإهدار حقوق النساء، وكان ذلك يتطلب منها مشاهد تبدو جنسية، لكنها لم تُبال، حتى حجزت لنفسها مكانا ضمن نجوم الصف الأول في وقت قصير.

اصطدمت في تسعينات القرن الماضي بصحوة من التيارات الإسلامية التي استهدفت الفن ورموزه، وأعلنت بعض الفنانات اعتزالهن، لكنها قاومت من حاولوا إقناعها أو ترهيبها للاعتزال، وأعلنت صراحة أنها ماضية في أعمالها الفنية واختارت بعض الأعمال التي تستفز المتطرفين وتتحداهم صراحة.

حرّم هؤلاء القبلات السينمائية،فاختارت الكثير من الأعمال التي تتضمن قبلات، وكانت من الممثلات القلائل اللاتي يقدمن أدوارا تتطلب منهن ارتداء ملابس مثيرة، وليذهب من يدّعون أنهم من أنصار مدرسة الأخلاق الحميدة إلى الجحيم.

وافقت على أفلام من نوعية “سوق المتعة” و”دانتيلا”، رغم أنه في حينها كان من الصعب على الكثيرات أن يقبلن بدور يحوي إغراءات جنسية، لم تتغير وتصرح دوما بأنه لو طُلب منها أداء دور فيه نفس جرأة هذه الأفلام سوف تقبل، لكن من المهم أن يكون عملا إبداعيا ينتصر لحرية الفن.

يضم أرشيفها الفني أكثر من 100 فيلم، ونحو 50 مسلسلا، ناقشت فيها أغلب القضايا الشائكة في المجتمع، حتى صارت حاضرة كل عام على منصات التتويج ليتم تكريمها من مهرجانات سينمائية مصرية أو عربية، ومشكلتها الوحيدة مع الفن في الوقت الراهن أنها لا تجد أفكارا جديدة بسهولة.

لا يهمها المكسب المادي كثيرا، ولا تتعامل مع الفن بمنطق الربح والخسارة، ولا يعنيها التنافس بقدر تفكيرها فقط في احترام رسالتها الفنية بتقديم أعمال جديدة لم يتطرق إليها أحد، والأعمال التي تستفزها هي التي توافق عليها، فقد ناقشت زنا المحارم، في فيلم “حظر تجول”، وهي قضية مسكوت عنها، وحصدت لقب أفضل ممثلة عربية خلال استفتاء شارك فيه مائة ناقد لأعمال عام 2020.

قدمت طوال مسيرتها الفنية العديد من الشخصيات، وراعت فيها التنوع، وهذه مهمة صعبة على أيّ فنان، وتمسكت بذلك كي لا تفقد حماس المهنة.

لا تُمانع شاهين من أن يتم وصفها بالفنانة المثيرة أو المغرية أو حتى المتمردة. المهم عندها أن يعترف الناس بأنها قدمت فنا حقيقيا، فمنذ بدايتها كانت جريئة وعنيدة إلى أقصى درجة، ما أدخلها في مواجهات شرسة، كانت ذروتها عندما تعرض لها الإسلاميون في ذروة الاستقطاب السياسي بعد ثورة يناير 2011، بكل أنواع الترهيب المعنوي.

ضد الترهيب

أرشيفها الفني يضم أكثر من 100 فيلم، ونحو 50 مسلسلا، ناقشت فيها أغلب القضايا الشائكة في المجتمع
أرشيفها الفني يضم أكثر من 100 فيلم، ونحو 50 مسلسلا، ناقشت فيها أغلب القضايا الشائكة في المجتمع

قاد ضدها الداعية السلفي عبدالله بدر حملة ممنهجة عبر قناة “الحافظ” الإسلامية. واعتمد وقتها على كونه ضمن الشيوخ المقربين من جماعة الإخوان المسلمين الذين وصلوا إلى الحكم، وفي إحدى الحلقات سأل شاهين على الهواء “كم واحد قبّلك في الأفلام؟“، وأضاف بعض الأسئلة الجارحة مستنكراً حديثها عن التطرف.

بلغ استهداف الإسلاميين أن بعض البرامج الدينية دعت إلى تنظيم مليونية في ميدان التحرير بوسط القاهرة ضدها. وبالفعل وقف الكثير من أنصار الإخوان والسلفيين ورفعوا صورا لها من أفلامها المثيرة، وطالبوا بالانتقام منها لمجرد أنها قالت “أخشى على الفن من بعض الإسلاميين المتشددين”. لكنها كانت أجرأ منهم بمراحل.

لم تتوار عن الأنظار أو تحاول التقرب من الإخوان والسلفيين كما فعل بعض رموز الفن، وكانت أكثر جرأة بعدما شنت هجوما ضاريا على الإسلاميين، وفي مقدمتهم الشيخ عبدالله بدر، ووصفته بالرجعي، وأعلنت أنها سوف تقوده إلى السجن، وبالفعل ربحت المواجهة، بعدما قضت المحكمة بحبسه لمدة عام، مع غرامة مالية.

بلغت جرأتها أنها خرجت في ذروة حكم الإخوان لمصر، وقالت إنها سوف تأخذ حق كل فنان مصري تعرض للأذى النفسي والترهيب على يد المتشددين، وأعلنتها صراحة “سأدافع عن كل الفنانين مهما بلغ التصعيد ضدي، وسأهزم التيارات الإسلامية وأفضح فكرها وانغلاقها، فليس على رأسي بطحة، ولا أخاف منهم، والشجاع منهم يواجهني”.

لم تكتف بحبس الداعية السلفي فحسب، بل تمسكت بغلق قناة “الحافظ” وصارت أول فنانة مصرية تقود القضاء للحكم بإغلاق فضائية إسلامية في ذروة حكم الإخوان، وتوعدت أيّ برنامج أو قناة تتعرض لفنان مصري أن يكون مصيرها الغلق.

استهداف الإسلاميين لشاهين وصل إلى درجة أن بعض البرامج الدينية دعت إلى تنظيم مليونية في ميدان التحرير بوسط القاهرة ضدها

تعادي شاهين كل أنواع الانغلاق والجمود. فهي وإن كانت تتماهى سياسيا مع نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، لكن لا تمانع أن توجه انتقادات للحكومة بسبب تمكسها بقوانين تراها مجحفة وتعادي حرية الرأي والتعبير.

مشكلتها أنها دائما في صراع مع كل ما يتعارض مع أفكارها وقناعاتها الشخصية. وحتى لو كانت القضية المطروحة بعيدة عنها، فهي لا تمانع في إقحام نفسها فيها لتدلي برأيها وتدافع عن الطرف الذي يتناغم مع أفكارها، مهما كان رأي الأغلبية المجتمعية، وترى أن ذلك دور الفنان، فلا يجب أن يكون منكفئا على نفسه أو جبانا.

تتحدث في كل شيء، السياسة والفن والدين والحريات عموما، وكانت أول فنانة تخرج لتعلن دعمها الكامل للمستشار أحمد عبده ماهر الذي حُكم عليه بالحبس خمس سنوات، قبل أيام، بتهمة ازدراء الدين، ورفضت هذا القانون سيء السمعة، فلا توجد دولة في العالم تحاكم قادة الرأي والفكر بهذه التهمة.

عندما تعرضت إلى هجوم شرس بسبب هذا الموقف ردت بحدة، وقالت إن “كل إنسان حر في علاقته بربه.. نرفض إرضاع الكبير وأكل لحم الأسير وزواج الطفلة وفضح أسرار الرسول الخاصة مع زوجاته ونرفض قتل المرتد وتارك الصلاة.. نرفض فكرة جهاد الطلب الذي يبيح الهجوم على الأمم وقتل رجالها وسبى نسائها وبيع أطفالها واستعمار أرضها”.

كان موقفها المدافع عن الحرية الدينية في ذروة تعرضها لانتقادات عقب ظهورها في مهرجان الجونة السينمائي وهي ترقص وتتمايل وترتدي ملابس يراها البعض مثيرة، اعتقد الكثيرون أنها سوف تلتزم الصمت لفترة حتى تهدأ نيران الغضب ضدها، لكنها كانت أكثر جرأة، عندما تحدثت عن مسألة دينية شائكة وهي في أمسّ الحاجة إلى الدعم.

أزمة المتشددين مع شاهين أنها متمردة وتحاول بشتى السبل أن تنقل ذلك إلى باقي النساء في المجتمع من خلال أعمالها الفنية، فلم تظهر في أيّ عمل سينمائي، وهي ضعيفة أو منكسرة، ولا تتسامح مع الزوج الذي خدعها وتزوج عليها أو تقبل بأيّ شكل أن تكون مجرد وعاء جنسي، تتمسك بأن يكون الفن المقدم متناغما مع شخصيتها.

مع الحرية إلى أبعد مدى

Thumbnail

تقول إنها تحرص في كل أدوارها على إظهار قوة المرأة في أعمالها الفنية لأنها من أنصار المرأة القوية، وتعادي الضعيفة الذليلة، مهما كانت الخسائر التي ستتعرض لها بسبب قوتها، فهي في النهاية تكسب الكبرياء والإنسانية، ودائما ما تتعامل مع نفسها باعتبارها قدوة للمرأة من خلال الأعمال الفنية التي تقدمها.

يستهويها العمل مع مخرجات نساء، وحققت نجاحات كثيرة في أعمالها التي أظهرت قوة شخصيتها كامرأة، وهذه طبيعة إلهام شاهين في الحياة العادية، فدائما ما تقول عن نفسها إن الرجال يخشون الزواج منها، لأنها لا تقبل أن تعيش تحت رحمة رجل، حتى أنها في زيجاتها كانت تتمسك بأن تكون العصمة في يدها لتحرر نفسها من سجن الزوجية متى شاءت.

يمكن اختزال أزمة شاهين في كونها فنانة لا تجيد لغة الدبلوماسية عند الحديث عن نفسها وحياتها وأفكارها، تصدم الناس أو بمعنى أدق المنغلقين فكريا، وفجأة تصبح مادة خصبة للسخرية والهجوم. ولا يعنيها مدى الشعبية التي قد تتأثر، ولا الجماهيرية التي قد تزول بسبب موقف سياسي أو اجتماعي أو ديني. المهم التعبير عن رؤيتها.

نبشت في قضية التبرع بالأعضاء بعد الوفاة وقادت مفكرين وكتابا لفتح ملف قانون مجمّد في الأدراج منذ سنوات عندما خرجت لتعلن عن تبرعها بأعضائها البشرية بعد وفاتها، وأخبرت عائلتها بذلك، وقالت إن جسدها بعد موتها سيكون ملكا لمن يحتاجه رغم أنف المتطرفين، ولا تمانع أن يستخدمه طلبة الطب لأغراض علمية.

صحوة الفنانات التي تسببت بها التيارات الإسلامية لم تقنع شاهين، لكنها قاومت من حاولوا ترهيبها للاعتزال

في ذروة التصعيد العربي ضد الرئيس السوري بشار الأسد، قررت زيارة سوريا عامي 2017 و2018، والتقته في القصر الرئاسي وجلست معه وقتا طويلا، وخرجت وأعلنت عن ذلك، وامتدحت الجيش السوري، والرئيس بشار، وهاجمت من يقولون إن سوريا انهارت ونظامها يقتل شعبه، وأفصحت عن كامل الحوار الذي دار بينها وبين بشار الأسد، ما وضعها في مرمى النيران.

توصف بأنها تقف في صف الأنظمة الدكتاتورية بحكم كونها امرأة تبدو متجبرة يخشاها الرجل، ولا يستهويها الضعيف، وتفضل لغة القوة، وظهر ذلك في مساندتها للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في وقت الثورة على نظامه، وهاجمت قرار تقديمه للمحاكمة، وعندما تحدثت عن الرئيس السوري استفزت معارضيه.

اعتاد المجتمع التعامل مع فكرة الأمومة بنظرة مقدسة، وأن المرأة دورها تربية أولادها، وخدمة زوجها فقط، ولأن إلهام شاهين ضد هذا المنطق فلم تمانع في الخروج على الناس لتعلن صراحة أنها أجهضت نفسها كي لا تكون أما.

ولأن هذه التركيبة الشخصية تميل إلى العناد والجنون لا تلقى رواجا عند الكثيرين، ممن تعتبرهم أصحاب مدرسة الفضيلة المفتعلة، فمن الطبيعي أن تكون في نظر الأغلبية المحافظة متمردة، حيث اعتادت كشف العورات الفكرية والسياسية والمجتمعية، وتصرّ على تحريض النساء ضد الموروثات المتحجرة.

12