إعادة اعتبار للطاقة النووية

الطاقة النووية عائدة، سواء منها الانشطارية صاحبة السمعة السيئة أو الاندماجية المستقبلية التي مر على ولادتها أكثر من خمسين عاما ولا تزال تحبو.
الأربعاء 2022/06/29
مفاعلات محطة براكة شاهدة على تطور تصاميم المفاعلات النووية

من قبل أن تبدأ أزمة توريدات النفط والغاز المرتبطة بحرب أوكرانيا، كان هناك اهتمام بعودة الطاقة النووية كبديل بيئي عن الوقود الأحفوري. مفردتا نووي وبيئي تبدوان كأنهما من كوكبين مختلفين؛ فسمعة الطاقة النووية ملوثة بشكل كبير وتمّت معاملتها كما لو كانت أسوأ الشرور. كل الكوارث البيئية التي سبّبها حرقُ الفحم والنفط والغاز تُعامل على أنها قضية مرحلية ستتم معالجتها.

ثمة أسباب تقف وراء ذلك؛ الطاقة النووية دخلت الحيز المعرفي بالتفجيرين الذريّين لقنبلتيْ هيروشيما وناغازاكي. اسمها يرتبط بالإشعاع وتأثيراته السرطانية. ثم جاءت حوادث المفاعلات النووية مثل سيلافيلد في إنجلترا وثري مايلز آيلاند في الولايات المتحدة وكارثة تشرنوبيل في أوكرانيا (كانت ضمن دول الاتحاد السوفييتي سابقا) وفوكوشيما في اليابان. أما سمعة المفاعلات النووية وما خلفته من مواد مشعة فحدث ولا حرج.

دعاة حماية البيئة، قبل أن يصبح الوقود الأحفوري ضمن دائرة ولعهم، قادوا حملة إغلاق المفاعلات النووية. حتى من قبل البدء بإغلاق المفاعلات، كان القطاع كله في تقلص شديد. وصل الأمر في مطلع التسعينات إلى حدّ أن جامعة لندن مثلا حذفت تخصّص الهندسة النووية من تخصصات الماجستير لعدم وجود إقبال عليه؛ من يريد أن يتحصّل على شهادة هي أشبه بتهمة؟ المقارنة بين عدد الذين توفوا بالإشعاع أو بالحوادث النووية (وهم أقل من 5 آلاف ضحية من مختلف مناطق العالم بدءا من خمسينات القرن الماضي إلى حد هذه اللحظة) وبين عشرات الآلاف ممن توفوا بحوادث الطيران مقارنة غير ذات جدوى؛ فـالمفاعلات تغلق والطائرات بقيت تحلق، المفاعلات تغلق ومحطات الكهرباء والسيارات تحرق الفحم والديزل والغاز وتقتل الملايين من الأشخاص –إضافة إلى الخسائر البيئية- في تغيرات مناخية نلمسها اليوم أكثر من أي وقت مضى. القضية قضية سمعة، وسمعة الطاقة النووية سيئة.

الآن يعاد الاعتبار للطاقة النووية على أنها شر أخف. توليد الطاقة بأشعة الشمس والريح وأمواج البحر لا يزال حلما بعيدا. ومن لديه اعتراض على الوقود الأحفوري كملوث للبيئة زاد قلقه الآن وهو يرى تذبذب التوريدات والأسعار. التطور في تكنولوجيا الحماية والمراقبة لتصاميم المفاعلات النووية بلغ مستوى من التقدم مرموقا كما تشهد على ذلك مفاعلات محطة براكة في الإمارات.

مع إعادة الاعتبار للمفاعلات النووية، سيعاد الاعتبار لعلماء مؤسسين وأساتذة أسهموا في تعليم أجيال من المهندسين النوويين من مختلف مناطق العالم. لعل من أبرز من سيتذكرهم العالمُ البروفيسورَ المصريَّ محمد محمد الوكيل الأستاذ المتقاعد في جامعة ويسكونسون الأميركية وصاحب أهم كتب عن هندسة المفاعلات النووية بأنواعها المختلفة. وسيعاد الاعتبار لجمهرة من أساتذة لامعين أسسوا قسم الهندسة النووية في جامعة بغداد وكان لزاما على البعض منهم أن يبقوا طي النسيان لاعتبارات أمنية كثيرة، نذكر منهم: قدامة الملاح، رياض يحيى زكي، أسعد الخفاجي، حامد الباهلي، عصمت هانم أمين (ابنة مصر التي أحبت العراق)، عباس سليمون، قاسم جبار سليمان، عبدالله كندوش، حمزة الدجيلي، نجم عسكوري، عذاب طاهر الكناني.

الطاقة النووية عائدة، سواء منها الانشطارية صاحبة السمعة السيئة أو الاندماجية المستقبلية التي مر على ولادتها أكثر من خمسين عاما ولا تزال تحبو.

20