"إسعاف يونس" دراما تستمد أبطالها من ضيوف الشرف

باتت الدراما المصرية في الآونة الأخيرة تتوسّع في الاعتماد على ضيوف الشرف، حتى أصبحت أهميتهم أكثر جدوى من الفنانين الأساسيين، لأنهم صاروا إحدى وسائل ضمان نجاح العمل أو على الأقل لفت الأنظار إليه، خاصة بعدما زادت هذه الدراما من الإفراط في الاقتباس بصورة تجعلها مجرد عصرنة لأعمال قديمة سبق أن تفاعل معها الجمهور.
القاهرة - تحوّل ضيوف الشرف في الكثير من المسلسلات المصرية من عنصر مكمل للعمل إلى ركن أساسي في البناء الدرامي، وأصبح التفكير في انتقائهم مقدّما أحيانا على اختيار فريق العمل ذاته، وأضحت الأسماء الكبيرة حاضرة في المقاطع الدعائية، حتى لو كان الدور لا يتعدّى دقائق معدودة من ساعات العمل.
ويعتبر مسلسل “إسعاف يونس”، الذي يُبثّ بواقع حلقتين أسبوعيا على منصة “واتش ات”، تجسيدا حيا لتعاظم دور ضيف الشرف، في أول بطولة مطلقة للفنان الشاب محمد أنور، أحد أعضاء مسرح مصر، ففي كل حلقة يتم تفصيل الأحداث على مقاس الضيف، لاستغلال شعبيته، وقدراته في توليد مفارقات مضحكة، وهي إشارة على عدم اقتناع طاقم العمل بالبطل الرئيسي.
ويدور العمل حول الشاب يونس (الفنان محمد أنور) الذي عانى من سيطرة والدته عليه، وحرمانه من الاستمتاع بطفولته ليحقّق حلمها في دخول كلية الطب، فأصبح طبيبا ضعيف الشخصية لا يجد زبائن لعيادته، ويسعى لاكتساب الشهرة والنجاح عبر تطبيق إلكتروني باسم “إسعاف يونس”، شبيه بأوبر وكريم وتطبيقات مطاعم الدليفري، حيث يُمكّن من يريد تلقي خدمة علاجية في الوصول إليه بأسرع وقت.
ويضم المسلسل قائمة طويلة من ضيوف الشرف، مثل: أحمد فهمي وأمير كرارة ومصطفى خاطر وعبير صبري وأحمد حلاوة وكريم محمود عبدالعزيز ومحمد عبدالرحمن ومحمود البزاوي ومحسن منصور وحمدي الوزير، وفي كل حلقة يكون ضيف الشرف، هو طالب الخدمة الذي يصل إليه يونس بدراجته البخارية ثلاثية العجلات، ويصادف باستمرار حظا سيئا معه.
وحاول كتّاب العمل التحرّر من سيطرة النكات، فاعتمدوا على كوميديا المواقف، لكنها افتقرت في الكثير من الأحيان للإضحاك، واتسمت بافتعال شديد وسذاجة مُفرطة كتعافي مريض (الفنان أحمد فهمي) أصيب بكدمة قوية بساقه، بمجرد تلقيه علكة، أو بقاء شكل والدة يونس ثابتا منذ أن كان عمره خمس سنوات، حتى بلوغه مشارف الثلاثين من العمر.
وصل “إسعاف يونس” إلى مساحات من الاقتباس ربما لم يطرقها عمل قبله، فاستقى غالبية مشاهده المضحكة من الدراما والسينما المحلية، وبعضها من أعمال حديثة لم يمرّ عليها سوى عام واحد.
نقل للأفكار

أحمد سعدالدين: أفكار المسلسلات باتت تتماشى مع الطبيعة التجارية البحتة، لا غير
يعتمد العمل في الأصل على فكرة التطبيق الإلكتروني والمواقف التي يتعرّض لها الطبيب بسببه، وسبق تقديمها العام الماضي في مسلسل “ونسنّي”، الذي دار أيضا حول مجموعة من الشباب الفاشلين والعاجزين عن إيجاد عمل فلجأوا إلى تطبيق لمساعدة من يشعرون بالوحدة والملل على قتل فراغهم، ليدخلوا في مشكلات يومية.
ولا تختلف فكرة توظيف الفنان أمير كرارة بشخصيته الحقيقية كضيف شرف، عمّا قدّمه الفنان رامز جلال قبل سنوات قليلة في فيلم “سبع البرمبة” مع الفنانة جميلة عوض، كذلك الحال بالنسبة إلى الفنان حمدي الوزير الذي تم تقديمه كأب روحي للمتحرشين بمصر في تكرار لما قدّمه رامز جلال أيضا في فيلم “رغدة متوحشة”.
وتتشابه طبيعة الحبكة والأداء في الحلقة التي ظهرت فيها الفنانة عبير صبري، من خلال شخصية امرأة لعوب تستدرج الطبيب إلى الرذيلة قبل أن يضبطهما الزوج مع أحد المشاهد الرئيسية في فيلم “في محطة مصر” لكريم عبدالعزيز، حينما كان مندوبا للبيع ووجد نفسه داخل شقة زبونة سيئة السمعة.
يطول ذكر قائمة الاقتباسات في المسلسل، من بينها ترديد زعيم عصابة (أحمد فهمي) كلمة “ماما” باستمرار بنفس الأسلوب في فيلم “مطاردة غرامية” لفؤاد المهندس، ومحاولة أحد المرضى (مصطفى خاطر) الانتحار وفشله باستمرار، جاءت شبيهة بمقاطع الفنانة خيرية أحمد في فيلم “عريس مراتي” مع فؤاد المهندس أيضا.
ويسير المسلسل على نهج سابقيه في توظيف الفنانة سارة سلامة في دور “بيري” كأيقونة جمالية فقط دون روح، فطريقة تصوير لقطتها الأولى كساحرة في السيرك، جاءت عبر التصوير بطيء الحركة، لتدخل المشهد بإيقاع بطيء ويتكرّر رد الفعل من يونس الذي ذهب للعرض إرضاء لأبناء شقيقته، مع جميع الردود في المواقف من فتح فمه وحتى اتساع حدقتي عينيه.
ولم يتضمن “إسعاف يونس” صراعا بالمنطق الدارج، إلاّ في علاقة يونس مع “كمال الرخ” (الفنان محمد علي رزق)، صاحب معرض للأدوات المنزلية وسلسلة عقارات، والذي يستأجر الطبيب طابقا في إحدى عماراته لعيادته، ويتخلّف عن دفع الإيجار، بجانب قدر من التنافس العاطفي بين الأبطال، فالطبيبة “لجين” (الفنانة منة عرفة) تحب يونس الذي لا يبادلها المشاعر، وتعامل كمال الرخ بجفاء رغم عشقه لها، وفي الوقت ذاته يعشق يونس فتاة السيرك ويطاردها باستمرار.
ويتناول المسلسل فكرة سيادة القطيع في التعامل مع الجمهور، فحين يتم اتهام الطبيب بالتحرش ينقلب عليه أهالي منطقته مؤيّدين التهمة. ويسرد مواقف مختلقة تثبتها حتى السيدة المسنة التي تقود عربة لنقل البضائع، وحينما يتم تبرئته، تنقلب الآية ويشيد الجميع بأخلاقه ومآثره وتفانيه في مساعدة الجميع بلا مقابل.
فقر في الأداء
على المستوى التمثيلي، لم يتحرّر محمد أنور من سيطرة فكرة مسرح مصر، فقدّم طريقة الأداء ذاتها الخالية من تعبيرات الوجه القوية، رغم صعوبة المواقف التي يخوضها في العمل، كذلك الحال بالنسبة إلى سارة سلامة، التي لم تغادر مساحة الدور المرسوم لها منذ ظهورها كفتاة جميلة تثير لعاب الرجال فقط.
وتعتبر الفنانة إيمان السيد، هي النقطة المضيئة بتلقائيتها وتعليقاتها الساخرة التي تجعل عيد شم النسيم وأعياد الحب بمصر موسما لعمل الأطباء لارتباطها بارتفاع نسب التسمّم وانتحار الفتيات، لكن لم تخل من التقليد، كحزنها لعدم تعرّضها للتحرش من يونس، رغم عملها معه، وهي جملة حوارية سبق وردّدتها في فيلم “جعلوني مجرما” للفنان أحمد حلمي. وجاءت القدرات التمثيلية القوية في العمل من نصيب ضيوف الشرف الذين أثبتوا احترافية في الأداء ومعرفة قوية بمساحات الدور، ما يثير تساؤلا حول كيفية انتقاء الأبطال في الدراما في السنوات الأخيرة والدفع ببعضهم إلى البطولة المطلقة مبكرا دون اكتمال تجاربهم.
وابتكر بعض المخرجين المصريين فكرة ضيوف الشرف قبل عقود لسببين، أولهما منح أنفسهم فرصة لأداء أدوار تعرّف الجمهور بهم وجني بعض الشهرة، والثاني لتعويض رفض بعض الممثلين الكبار الأدوار الصغيرة رغم أهميتها، لكن الأمر توسّع في السنوات الأخيرة، وأصبح يحمل قدرا كبيرا من المبالغة.
المسلسل يعتمد في كل حلقة على ضيف شرف جديد لاستغلال شعبيته، ما يعني عدم اقتناع طاقم العمل بالبطل الرئيسي
وقال الناقد الفني أحمد سعدالدين، إن ضيف الشرف لم يعد الممثل الذي يظهر في لقطتين، بل يتعداها للظهور في حلقة كاملة، وسبب تناميها مالي صرف. فالدفع بأبطال غير معروفين قليلي الأجر، يتطلب الاستعانة بمن يعدل كفة الميزان ويعطي المسلسل مساحات للتسويق.
وبات الاعتماد على ضيوف الشرف محببا للمنتجين الذين يرون فيه فرصة لتخفيف الأعباء المالية عليهم، فالكثير من المشاركين في العمل لا يتلقون عنه أجرا، ويعتبرونه دينا سيتم الوفاء به في أعمال أخرى مستقبلا، بصرف النظر عمّا إذا كان الدور يُحدث فارقا للعمل، ويضيف له أو لطبيعة القصة ذاتها ومدى جودتها.
وأوضح سعد الدين، لـ”العرب”، أن أفكار المسلسلات تتماشى مع الطبيعة التجارية البحتة. فما يتم حاليا هو إعادة نقل مشاهد ونكات ناجحة، وتقديمها كما لو كان الأمر دغدغة باليد للجمهور لإجباره على الضحك في أعمال فاترة وفقيرة.
ويحمل “إسعاف يونس” الكثير من التنمر على الأطباء. فيونس طوال العمل يتم نعته بألفاظ تحقيرية، كما أن الجاكت الأبيض الذي يرتديه يتعرّض للسخرية، مثل القول بأنه غير بعيد عن ملابس العاملين بصالونات قص الشعر، والطبيبة لجين تتعرّض للتنمر من زميلها الذي يرفض مصافحتها أو وضع يدها فوق يديه لتخصّصها المرتبط بالجهاز الإخراجي للإنسان.
وتحوّل الضيوف إلى أصحاب بيت في الدراما المصرية لأسباب متباينة، منها تخفيض التكلفة المالية والمجاملة، وتنامي الاقتباس في الوقت ذاته لمساحات واسعة، حتى أصبح بعضها إعادة طبخ لأعمال سابقة وتقديمها لجمهور عصري.