إسرائيل تراهن على حلفاء "الطاقة" لإجهاض خطط أردوغان

إسرائيل تعتبر أحد المتضررين المباشرين من الاتفاقية التي أبرمتها تركيا مع حكومة الوفاق الليبية، بيد أنها وعلى خلاف مصر وقبرص واليونان تركن إلى الصمت الذي يحمل معه عدة تفسيرات لعل من أهمها انشغال تل أبيب بأزمتها السياسية وعدم رغبتها في تشتيت الجهود عن العدو رقم واحد “إيران”.
تل أبيب - يتجنب المسؤولون الإسرائيليون إبداء أي موقف حيال الجدل المندلع بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق التي تسيطر على العاصمة الليبية طرابلس.
وذكرت دوائر إسرائيلية أن حكومة تصريف الأعمال برئاسة بنيامين نتنياهو تراقب السجال عن كثب مستفيدة من جبهة دولية تتشكل ضد هذا الاتفاق وضد خطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شرق البحر المتوسط.
وتعد إسرائيل أحد المتضررين المباشرين من الاتفاقية المثيرة للجدل والتي ستؤثر سلبا على خطط تل أبيب في التنقيب عن الغاز ومد خط أنابيب إلى أوروبا.
ووفق مصادر دبلوماسية، فإن إسرائيل لن تدلي بدلوها مباشرة قبل وضوح ما ستسفر عنه المواقف المنددة التي صدرت عن الاتحاد الأوروبي المتضامن مع قبرص واليونان بصفتهما عضوين في النادي الأوروبي، كما التحرك الذي تباشره مصر لدى بقية البلدان المنتجة أو المرشحة لإنتاج الغاز في مياه شرق المتوسط.
ولا تخفي المصادر الدبلوماسية أن أحد أسباب التزام الصمت هو الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل التي تشل العمل الحكومي، ما يؤجل التعامل مع ملفات لا تعتبر عاجلة طالما أن دولا أخرى تنشط بحيوية في ما يتعلق بها، ناهيك عن أن إسرائيل لا تريد فتح معركة فورية مع تركيا فيما كل المؤسسات الأمنية والعسكرية والدبلوماسية تعتبر أن إيران الخطر الأول، وبالتالي وجب تجنب تشتيت الجهود في معارك جانبية.
ولا يبدو أن هذا الموقف يلقى قبولا لدى قطاع من الإسرائيليين الذين يحذرون من خطورة الخطط التركية، خصوصا أنه صدرت من أنقرة تصريحات تؤكد أن تركيا لن تسمح لإسرائيل بمد أنبوب الغاز الذي تخطط إسرائيل من خلاله لوصل حقول الغاز لديها بالأسواق في أوروبا.
وكان هناك توجه إسرائيلي في السابق بتصدير الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي التركية بتكلفة 3 مليارات دولار، وهو ما أدى إلى محاولة حكومة نتنياهو التقارب مع الحكومة التركية عام 2016. إلا أن المخاوف الأوروبية من الاستخدام السياسي للغاز من قبل أردوغان، أدت لإلغاء المشروع وتحويل الأنبوب ليمر عبر اليونان بتكلفة مضاعفة، ويشمل المشروع البديل تصدير الغاز القبرصي المستخرج مع الغاز الإسرائيلي في نفس الأنبوب.
وتأتي خطط إسرائيل في هذا الصدد بالتنسيق مع الدول المعنية في المنطقة. وكانت الحكومة الإسرائيلية قد توصلت إلى اتفاقات مع كل من إيطاليا واليونان وقبرص تقوم بموجبها إسرائيل بمد أنبوب لنقل الغاز المنتج من الحقول الإسرائيلية داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل باتجاه أوروبا.
غير أن الخطط التي أفرجت عنها الاتفاقية التي وقعها أردوغان مع رئيس حكومة الوفاق الليبية، فايز السراج، تضع المنطقة التي من المفترض أن يمر بها الأنبوب الإسرائيلي داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا.
ويرى خبراء في شؤون الطاقة أن الاتفاقية تقلب موازين القوى في المنطقة وتغير من خرائط إنتاج الغاز وتوزيعه وفق المشهد الذي أسس لقيام منتدى غاز شرق المتوسط الذي أعلن عنه في يناير الماضي في القاهرة. وعليه فإن إسرائيل باتت متضررة بشكل مباشر من تلك الاتفاقية شأنها في ذلك شأن بقية الدول الأخرى أي مصر واليونان وقبرص.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن خبير العلاقات الدولية الإسرائيلي، الدكتور حين كارتشر، استبعاده أن تؤدي هذه الأزمة إلى “خطوة عسكرية أحادية الجانب” بين التيارات المتناقضة لاسيما بين المستفيدة والمتضررة من الاتفاقية الأخيرة التركية الليبية.
ويتحفظ مراقبون على إعطاء أي تصور حول شكل التحرك الذي ستقوم به إسرائيل للتعامل مع الوضع الجديد الذي تفرضه الاتفاقية الأخيرة بين أردوغان والسراج، لكنهم يتوقعون أن يتصاعد الموقف الإسرائيلي في رفض سياسة الأمر الواقع اتساقا مع الاتفاقات المبرمة سابقا مع اليونان وقبرص وإيطاليا كما تفاهماتها مع مصر لإدارة سوق الغاز الواعد شرق المتوسط.
الاتفاقية التركية الليبية تقلب موازين القوى في المنطقة وتغير خرائط إنتاج الغاز وتوزيعه وفق المشهد الذي أسس لقيام منتدى غاز شرق المتوسط
وينقل عن أوساط دبلوماسية إسرائيلية أن الحكومة الإسرائيلية تنظر بارتياح إلى المواقف المنسقة بين مصر وقبرص واليونان، وتنظر بعين الرضا إلى موقف اليونان التي قامت بطرد سفير ليبيا لديها، واستدعت السفير التركي لجلسة توبيخ، مطالبة إياه بالاطلاع على تفاصيل الاتفاق الذي أبرمه أردوغان مع حكومة طرابلس. وتراقب إسرائيل تطور الموقف المصري الذي رفض الاتفاقية واعتبر أنها تتجاوز صلاحيات حكومة السراج.
وتسعى إسرائيل للتركيز في مقاربتها للأزمة الحالية على ما من شأنه النيل من خططها في قطاع الغاز دون الدخول في السجال الحاصل حول الوضع في ليبيا.
وتأخذ إسرائيل بعين الاعتبار تعقد الوضع الليبي ووجود مصالح إقليمية ودولية متعارضة في شأن ليبيا. وتراعي إسرائيل تعارض المواقف الأميركية الروسية كما تعارض تلك التركية المصرية-الخليجية، كما تعارض المصالح الفرنسية الإيطالية بشأن راهن ومستقبل ليبيا.
وفي معرض الرد على التساؤل حول طبيعة الرد الإسرائيلي المُتوقع على المسؤولين الأتراك، الذين يرفضون مد أنبوب الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، قال كارتشر إن “الأمر ليس مُتعلقا بإسرائيل وحدها، فإسرائيل حتى الآن لا توجد بها حكومة من جهة، وهي جزء من حلف ومُعسكر كامل من جهة أخرى. ولكنني أعتقد أن مشكلة كهذه، يمكن حلها بواسطة مؤتمرات إقليمية، أو وساطات عبر منظمات إقليمية، وهو ما لا نراه حتى الآن، ما سيؤدي إلى ازدياد التوتر بين المُعسكرين”.
ويرى مراقبون أن المناورات العسكرية التي تجريها الدول المعنية بشكل منفرد أو جماعي تؤسس لقيام منظومة أمنية رادعة تفرض أمرا واقعا مدافعا عن مصالح الدول المنتجة للغاز في شرق المتوسط.
ولفت كارتشر إلى “أن التقارب الإسرائيلي-اليوناني، الذي جاء من مُنطلق دفاعي، يُمكن أن تفسّره تركيا كأنه عدوان عليها، أو من الجهة الأخرى، عندما تتحالف تركيا مع ليبيا دفاعيا، يُمكن أن تُفسّره اليونان عدوانا عليها”.
وعلى الرغم من ضجيج النزاعات التي يشي بها هذا الجدل الجديد في حوض البحر المتوسط، إلا أن الأمر قد يكون مقدمة وشرطا من شروط بروز مشهد تعاوني آخر تضطر من خلاله كافة دول المنطقة إلى التوصل إلى تفاهمات جديدة لمصلحة حسن استغلال الثروة الطاقية في هذه المنطقة.
واستبعد كارتشر تورط إسرائيل مباشرة في النزاع الليبي دون أن يستبعد أن تكون لإسرائيل خياراتها التي قد تستدعي تقديم دعم غير مباشر لصالح هذه الخيارات.
ويرى مراقبون أن إسرائيل التي تحظى بغطاء دولي واضح في حركتها العسكرية ضد أي أخطار إيرانية تهددها في المنطقة، حريصة على عدم الانخراط في الورشة الليبية التي تتنافس داخلها دول تعتبر إما حليفة لإسرائيل وإما تتمتع معها بعلاقة جيدة مثل روسيا.