إرنستو كاردينال الكاهن اللاتيني يترجل عن حصان الشعر

شاعر نيكاراغوا الأكبر انتصر في قصائده للإنسان المعذب أينما كان، وتصدى بصلابة ضد التوحش الرأسمالي والتشوهات التي أصابت البشرية في المجتمعات الحديثة.
الثلاثاء 2020/03/03
شاعر وكاهن وثائر لأجل الإنسانية

يعتبر النيكاراغوي إرنستو كاردينال واحدا من أهم الشعراء اللاتينيين، انتصر للإنسان في رحلة تصوّفه الشعرية التي قدم منها العديد من الأعمال الشعرية، أعمال تنتصر للإنسان أينما كان وأيا كان، وتتبنى القضايا العادلة رهانا لها، مثلما هو الأمر بالنسبة إلى مسألة الهنود الحمر الذين شوهتهم هوليوود والكتابات المأجورة. لذا بقي الشاعر وفيا لصوته الصوفي في معادلة بين الإيمان الديني والإيمان بالإنسان والجمال.

ماناغوا – توفي الشاعر والكاهن والسياسي إرنستو كاردينال الشخصية البارزة في الثورة الساندينية في نيكاراغوا وفي لاهوت التحرير عن عمر ناهز 95 عاما، على ما أعلنت مساعدته.

وقالت معاونة كاردينال منذ أكثر من 40 عاما لوس مارينا أكوستا “لقد رحل بسلام تام ولم يعان أبدا”. وأوضحت أن الكاهن أدخل المستشفى قبل يومين وتوفي جراء إصابته بأزمة قلبية.

وأعلن الرئيس دانيال أورتيغا الذي كان رفيقه في الجبهة الساندينية للتحرير الوطني خلال الثورة، فورا الحداد العام في البلاد لمدة ثلاثة أيام.

ولد كاردينال في 25 يناير 1925 في غرانادا قرب العاصمة ماناغوا، ودرس في عدة بلدان مثل ليون وماناجوا ومدينة المكسيك ونيويورك بالولايات المتحدة.

تغيرت حياة الشاعر جذريا عام 1956، فبعد أن أتم أرنستو كاردينال قصيدته ساعة الصفر، مرّ بأزمة روحية عميقة تغيرت على إثرها حياته، فقد تخلى الشاعر عن أفكاره السابقة المشحونة بالعنف الثوري، وقرر الانخراط في سلك الكهنوت. حتى سمي كاهنا في 1965. بينما انعزل ليتخذ له ملاذا دائما في جزيرة صغيرة تقع في أرخبيل سولينتينامي، على بحيرة نيكاراغوا الكبرى.

واعتنق لاهوت التحرير وشارك في الثورة السانديدنية التي نجحت العام 1979 في الإطاحة بنظام أناستاسيو سوموزا الاستبدادي.

كاردينال تعمق في أميركيا الشمالية في دراسة فكر ورؤى والت وايتمان، وأيضا شاعر يشبهه هو إيزرا باوند، الذي ترجم أعماله

وتولى الشاعر منصب وزارة الثقافة في أول حكومة ساندينية. وهذا ما جعل علاقة الشاعر برموز المسيحية تكون سيئة، حيث نهره البابا يوحنا بولس الثاني علنا على مدرج مطار ماناغوا لدى وصوله في زيارة رسمية العام 1983. ورفض البابا البولندي يومها مباركة الكاهن الذي ركع أمامه وطلب منه أن “يتصالح مع كنيسته أولا”.

وبعد سنتين على ذلك، لم يغادر الكاهن منصبه السياسي فقرر البابا تعليق مهامه الكهنوتية.

ورفع البابا فرنسيس هذا القرار في فبراير 2019. وكان إرنستو كاردينال نأى بنفسه عن دانيال أورتيغا وغادر الجبهة الساندينية في العام 1994.

ويرى الناقد باسل أبوحمدة أن الشعر والإيمان والالتزام ثلاثتها تشكل بالنسبة إلى كاردينال كلا لا يتجزأ.

ويلفت الناقد إلى أن كاردينال تعمق في أميركيا الشمالية في دراسة فكر ورؤى والت وايتمان، وأيضا شاعر يشبهه هو إيزرا باوند، الذي ترجم أعماله.

ويقول كاردينال نفسه في هذا الشأن “إن اهتمامي بهذا الشاعر، ولد من كونه يتناول شيئا جديدا يتمثل في لغة إنسان الشارع والواقع والغابة والمدن والطبيعة والتاريخ. حيث كل شيء يغني. وهي رسالة فهمت قليلا في الإسبانية”.

خط الشاعر تجربة أدبية خارجة عن المألوف قدم خلالها العديد من الدواوين الشعرية منها “الساعة الصفر” و“صلاة من أجل مارلين مونرو وقصائد أخرى” و“زامير” و“الحب في الحياة” و“تحية إلى الهنود الأميركيين” وغيرها خاصة كتابه المثير للجدل “إنجيل سولنتينامي” الذي كتبه ضمن جماعة مسيحية شهيرة تضم صيادي أسماك وفنانين أسسها على جزر سولنتينامي في وسط بحيرة كوسيبولكا.

ونال الشاعر العديد من الجوائز وأهمها جائزة الملكة صوفيا للشعر الإيبروأميركي في دورتها الـ21، وهي الجائزة التي توج بها شعراء مهمون مثل نيكانور بارا، أنطونيو غامونيدا، خوان جلمان، خوسيه إميليو بتشيكو، خوسيه هيرو، ألفارو متيس، وغيرهم من أبرز الأصوات الشعرية اللاتينية المؤثرة على شعريات العالم.

وقف الشاعر بصلابة ضد التوحش الرأسمالي والتشوهات التي أصابت البشرية في المجتمعات الحديثة التي لا يعنيها سوى المال والشهرة والصور الافتراضية التي لا تعكس الحقيقة.

وتعتبر قصيدته المهداة إلى مارلين مونرو أبرز مثال على ذلك، حيث كانت الممثلة الأميركية رمزا للصناعة السينمائية ولأميركا الليبرالية كما يتم الترويج لها، بينما ما هو خفي هو آلام عميقة واستغلال وتزييف.

كاردينال الصوت الصوفي المدافع عن الإنسانية
كاردينال الصوت الصوفي المدافع عن الإنسانية

يقول كاردينال في مطلع القصيدة التي ترجمتها الشاعرة غدير أبوسنينة:

إلهي

تقبّل هذه السيدة المعروفة باسم مارلين مونرو في كل بقاع الأرض

على الرغم من أنّ هذا ليس اسمها

 (أنت وحدك من يعرف اسمها الحقيقي، اسم اليتيمة المغتصبة في سن التاسعة، وخادمة المتجر الصّغيرة ذات الستة عشر ربيعا، حيث أرادت أن تقتل نفسها)

ها هي الآن بين يديك

من دون مكياج

من دون وكيلها الصحفي

أو تواقيع للذكرى

فقط كرائدة فضاء في ليلك الفسيح.

على ذمَة “التايمز”، كانت قد حلمت في طفولتها

أنها تقف عارية في كنيسة

أمام حشد من النّاس الساجدين

كان عليها أن تسير على أصابع قدميها كي لا تدوس رؤوسهم.

أنت تعرف أحلامنا أفضل مما يعرفها علماء النفس

كنيسةٌ، بيتٌ، كهف

هي أمان الرحم الأمومي

وتعني أيضا أكثر من ذلك..

الكنيسة هي المعجبون، هذا واضح

(عجينةُ الرؤوس في العتمة تحت خيطِ الضوء).

15