إدراج أرامكو يدخل السعودية في عهد جديد

رغم المسار الطويل الذي سلكه طرح أسهم شركة أرامكو والتقليص الكبير في خطط الطرح واقتصار الإدراج على السوق المحلية، إلا أن الخطوة تعد نقلة نوعية كبرى ليس في تاريخ الشركة العملاقة، بل في تاريخ الاقتصاد السعودي.
يوم الأربعاء المقبل، سيدخل الاقتصاد السعودي عهدا جديدا من الشفافية والانفتاح مع بدء تداول أسهم أكبر شركة في العالم وبفارق كبير، وهي مسؤولة لوحدها عن 10 بالمئة من إمدادات النفط العالمية.
قد يشير البعض إلى أن خطط الطرح العام الأولي كانت تطمح في البداية إلى إدراج محلي وفي بورصة عالمية أو أكثر مع بيع ما يصل إلى 5 بالمئة من أسهمها، وأن التنفيذ الفعلي اقتصر على طرح 1.5 بالمئة من أسهم الشركة وإدراجها في البورصة السعودية.
لكن ذلك لا يقلل من أهمية الخطوة، بل إن ما تم تنفيذه يبدو أكثر حصافة من القفز إلى مغامرة طرح شركة عملاقة تدير أكبر ثروات السعودية وإحدى أكبر ثروات العالم في بورصة عالمية وانتظار ما يمكن أن يحدثه ذلك من صدمات.
هذه النقلة النوعية هي أقصى ما يمكن أن تفعله الرياض حاليا، لأن الإدراج في الأسواق العالمية يمكن أن يعرضها لمضاربات قاسية ومحاولات تدخل في هيكل إدارتها ومطالبات غير محسوبة العواقب.
ويمكن النظر إلى الإدراج المحلي باعتباره تجزئة خطوة كبيرة يصعب هضمها فجأة إلى خطوتين، ولن تمنع هذه الخطوة اتخاذ قرار بيع حصة أخرى في موعد آخر في الأسواق العالمية، أو مرة أخرى في البورصة المحلية فقط.
إدراج أرامكو أدخل السعودية في مرحلة غير مسبوقة من الشفافية بوضعها جوهرة تاجها الاقتصادية تحت رقابة المستثمرين
ولن يمنع ذلك صناديق الاستثمار العالمية من ضخ أموالها لشراء أسهم أرامكو في البورصة السعودية، خاصة بعد إدراجها في عدد من المؤشرات العالمية للأسواق الناشئة.
العلامة الفارقة في إدراج أرامكو هي أن جوهرة التاج في الاقتصاد السعودي سيكون اعتبارها من الأربعاء المقبل مطالبة بالإفصاح عن كل قراراتها في البورصة وفق أعلى معايير الشفافية، التي تسمح للمستثمرين بمراقبة أدائها والتأثير على إدارتها.
ويعني ذلك أن الاقتصاد السعودي بمجمله دخل في مرحلة لا رجعة عنها في طريق الإصلاحات، وأنها غادرت منطقة القرارات الاقتصادية الحكومية، ذات الصلاحيات المطلقة لأن ذلك يؤثر على قيمة أكبر أصولها المالية.
وتكشف بيانات أرامكو عن نجاح كبير في عملية الطرح، خاصة أن الطلبات الإجمالية على الاكتتاب، الذي أصبح الأكبر في تاريخ أسواق المال العالمية، جاءت أكثر بأربعة أضعاف حجم الحصة المطروحة للاستثمار.
وأكدت أرامكو أن إجمالي طلبات الاكتتاب من قبل المؤسسات والأفراد بلغ نحو 119 مليار دولار، في حين أن قيمة الطرح والأموال التي تم جمعها بالفعل بلغت 25.6 مليار دولار. ولا ننسى أن أرامكو طرحت السهم عند الحد الأقصى للسعر الاسترشادي.
قد يشير البعض إلى اكتتابات تقليدية كثيرة جذبت طلبات تعادل عشرات أضعاف قيمة الطرح الأولي، لكن ينبغي الانتباه إلى أن طرح أرامكو حالة خاصة تحيطها الكثير من الاعتبارات، التي لا تقتصر على كونها تنفرد بعيدا في صدارة أكبر الشركات في العالم والأكثر ربحية أيضا بلا منازع.
هناك أيضا طبيعة مرحلة التحول الاقتصادي التي تمر بها السعودية، والتوتر الشديد في المنطقة وتعرض منشآتها لهجوم إرهابي في سبتمبر الماضي، إضافة إلى الجدل المتصاعد بشأن مستقبل الوقود الأحفوري في ظل تصاعد الهواجس البيئية.
ولذلك فإن إقدام الرياض ونجاحها في هذه الخطوة يمثل نقلة نوعية كبرى في طبيعة الاقتصاد السعودي، وستتجه الأنظار الآن إلى الأربعاء المقبل لمعرفة اتجاه سعر السهم في أول أيام التداول.