إدانة العنف بإبراز مرتكبيه لم تقنع جمهور "أحمر بالخط العريض"

"إعلام الصدمة" يخرج عن أهدافه في قضايا العنف ضد المرأة.
الثلاثاء 2020/12/22
قضايا جدلية لا يقبلها الجمهور دائما

أثارت حلقة برنامج “أحمر بالخط العريض” على قناة “أل.بي.سي” اللبنانية صدمة للمتابعين بسبب ظهور شخصيات تدافع عن العنف ضد المرأة وتسوق المبررات والحجج له. ورغم وجود طرف آخر في الحوار والنقاش للرد على الآراء الرجعية، إلا أن الكثير من المشاهدين رفضوا ظهور المعنفين على وسائل الإعلام.

بيروت - يتناول برنامج “أحمر بالخط العريض” الذي يقدمه الإعلامي مالك مكتبي قضايا جدلية جريئة في المجتمع اللبناني لا تلقى كثيرا من الاهتمام في وسائل الإعلام، وغالبا ما كانت المواضيع موفقة وفق آراء المتابعين على مواقع التواصل، لكن الحلقة التي عرضت الأسبوع الماضي أثارت صدمة لدى البعض الذين استنكروا استضافة شخصيات تبرر تعنيف المرأة.

وعلى طريقة الرأي والرأي الآخر قام البرنامج الذي يعرض على قناة “أل.بي.سي” اللبنانية، باستعراض مختلف وجهات النظر ومواجهة الضيوف لبعضهم بعضا، ومن بينهم رجل وامرأة يعتبران أن ضرب الزوجة ممارسة طبيعية تستهدف تقويم السلوك، في مقابل ضيوف أكدوا أنها ممارسة غير إنسانية تستوجب العقاب القانوني.

مشاهدون اعتبروا أن ظهور شخصيات تبرر ممارستها للعنف ضد المرأة يفسح المجال للدفاع عن هذا السلوك

وحقق البرنامج الهدف بإثارة الجدل والضجة على مواقع التواصل الاجتماعي ودعم النساء خصوصا اللواتي ظهرن في البرنامج يجابهن العنف ويرفضن الآراء الرجعية للضيف المقابل.

واستعمل مكتبي ما يمكن تسميته بـ”إعلام الصدمة” الذي يقدّم الواقع القاتم كما هو من دون رتوش والحقيقة الشفافة ويرفع الغطاء عن ممارسة مجتمعية موجودة، راحت ضحيتها الكثيرات في لبنان بشكل خاص، لكن متابعين اعتبروه بمثابة تطبيع مع التعنيف، وقارنوه بالتطبيع مع الإرهاب، إذ هناك توافق عام لدى وسائل الإعلام على عدم استضافة شخصيات إرهابية وعدم إفساح المجال لها للدفاع عن آراء متطرفة وعنصرية، كما أن الكثير من الدول شرعت قوانين تمنع ظهور مثل هذه الشخصيات وتخضع وسائل الإعلام المخالفة لقانون تجريم الدعاية الإرهابية.

ورغم قناعة المشاهدين بأن مقدم البرنامج أراد تسليط الضوء على سلوك اجتماعي مرفوض ومستنكر، وقضايا المهمشين بطريقة جريئة، إلا أن الكثير منهم اعتبروا أن ظهور شخصيات تبرر العنف بالبرنامج يفسح المجال للدفاع عن السلوك خصوصا أن الرجل لم يكتف فقط بالدفاع عن ممارساته المرفوضة وآرائه ضد المرأة، بل أصر على موقفه وتبجح بضربه لزوجته معتبرا أنها مجرد “شيء” يملكه ويستطيع التصرف فيه كما يشاء.

وقال البعض على مواقع التواصل الاجتماعي إن البرنامج لم يقدّم جديدا فهذه العقليات موجودة بكثرة في المجتمع والجميع يعرفها، وطالبوا بتشريع قوانين لمحاسبة الجناة والمعنفين.

وأضافوا أن لبنان البلد الوحيد الذي يجرؤ فيه رجل على الظهور على شاشة التلفزيون والتبجح بضرب زوجته وتعنيفها واغتصابها بكل فخر معتبرا نفسه من الأبطال.

ولم يحتلّ العنف ضد النساء والفتيات حيزاً مهماً في اهتمامات وسائل الإعلام في لبنان، إلا مؤخراً بعد تفاقم الظاهرة والجهد التوعوي الكبير الذي تقوم به المنظمات والجمعيات النسوية، وبات للجرائم المرتكبة ضد النساء والفتيات صدى في الإعلام، يتفاوت بين وسيلة وأخرى، وكثيرا ما أثارت الجدل والمشاحنات بين تيار يريد تصدير الصورة المشرقة للواقع وعدم الاعتراف بالظواهر الاجتماعية السيئة، وآخرون يعتبرون أن تعرية الواقع أفضل طريقة لإصلاحه.

ممارسة غير إنسانية تستوجب العقاب القانوني
ممارسة غير إنسانية تستوجب العقاب القانوني

 وأصبحت وسائل الإعلام شريكة أساسية في العمل النسوي عبر تغطية وكشف تفاصيل حوادث جرت وتجري كل يوم خلف الأبواب الموصدة في المجتمع اللبناني.

لكن الأمور خرجت عن مسارها الطبيعي لتتجاوز التغطية الصحافية إلى نقاشات حادة بين الصحافيين والإعلاميين، ولكل طريقته في الهجوم على الآخر عبر منبره الإعلامي، ودفاعه عن أسلوب معالجته للقضية وصوابه المهني، راشقا الوسيلة الأخرى باتهامات متعددة من قبل استغلال القضية والتحريض على العنف، وضياع حقوق المرأة، خاصة في ظل استخدام القنوات الفضائية كساحة لتصفية الحسابات السياسية والشخصية بين الأطراف المتعددة.

وعلى العكس تظهر وجهة نظر أخرى لدى بعض الصحافيين الذين يعتبرون أنه يجب على وسائل الإعلام التقليل من نشر الأخبار التي تحتوي على مناظر العنف والقتل ما يؤدي إلى تشجيع هذه الظاهرة وزيادة العنف والتعامل معه كأنه حدث عادي وزعزعة الخوف في قلوب النساء والتخوف من الزواج وآثاره السلبية.

ويضيفون أنه تجب المساهمة في التصدي للعنف بشتى وسائله وطرقه والتعامل معه بالشكل السليم بمعلومات دقيقة لأن الإعلام سلاح ذو حدين في الدفاع عن قضايا المجتمع، ودوره المفترض الإصلاح وليس التشويه أو التخريب لدوافع تجارية وجذب أعلى نسبة من المشاهدات.

وخلصت دراسة أجرتها الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة، بهدف تكوين مؤشرات واضحة عن أوجه معالجة الإعلام للموضوع إلى تقصير الإعلام وسوء تغطيته ومن استغلاله للضحية والمراوحة في الكلام على تنميط صورة المرأة.

وإضافة إلى ضعف التغطية الإعلامية في هذه القضايا، تكرس المسلسلات والأفلام العربية التمييز بين الجنسين والعنف ضد المرأة من خلال مشاهد ضرب قاسية وتعنيف جسدي ونفسي، وشخصيات نسائية نمطية رهن الذكوريّة.

كما أن هناك مسلسلات قدمت الصورة التقليدية للمرأة الخانعة لسلطة الرجال، وقد حققت شعبيةَ كبيرة في الشارع العربي، الأمر الذي يؤكد هيمنة نمط التفكير الذكوري السلطوي في المجتمع الذي لا يزال أغلب جمهوره خارجًا من طفولة يملؤها عنف مسلسلات الأطفال والعنف التربوي الذكوري، وميالًا إلى العنف بأشكاله ومن ضمنه العنف ضد المرأة.

18